"أنا، هي والأخريات" عنوان يدل على الرواية كلها ويقود قارئها مباشرة إلى العالم الذي تنوي الروائية اللبنانية جنى فواز الحسن أن ترصده في أدق تفاصيله. هنا، ينفرد عالم النساء، سيرهن الحميمة، السرية والخفية وواقعهن في وجوهه المتعددة، واقع قاس، يصبح أكثر قسوة وهو يتكرر مثل صورة مرآة من حكاية إلى أخرى. الرواية كانت العمل الوحيد لروائية على القائمة القصيرة لبوكر العربية هذا العام. "أنا" تحيلنا إلى الرواية الأساسية في السرد، راوية أنثى هي سحر التي تنسج و تفك أمام قارئها سيرة حياتها. تعيش سحر نوعا من الانفصال عن الواقع، وتجد صعوبة في الانتماء إلى أي شيء أو أي مكان. تبدو اقرب إلى متفرجة محايدة على عالمها ذاته، كأنما تقف و تطل من شرفة حياتها على ماض لم يعد يخصها و حاضر لم تعد ترغب حقا في المشاركة فيه. هكذا تسرد سحر سيرتها الخاصة فإذا بها تحكي عن كل امرأة. وتتفرج على الدروب التي عبرتها فإذا بها تحكي لنا عن خيارات النساء جميعا. سحر، شخصية عالقة بين سيرتها الواقعية و تطلعاتها المستحيلة، بين الحقيقة اليومية و الحلم المنفلت لحيوات أخرى مختلفة و مليئة بالوعود، حياة فيها "أحداث خيالية وقصص أروع من التي تخبرها الجدات لأحفادهن". غير أن حياة سحر حياة عادية ايضا. تهرب من اب خائب وأم عادية لتجد نفسها مع زوج قاس و غيور. لا تلبث أن تكتشف صعوبات الحياة المشتركة مع زوج يصعب التفاهم معه. وها هي ضحية للعنف الزوجي و التعنيف المستمر و الحصار الدائم. وها هي تغرق شيئا فشيئا في الصورة التي أرادت الهرب منها بأي ثمن: امرأة عادية في بيت كئيب. كل ذلك لن يلبث أن يدفعها لارتكاب ما لم يكن يخطر لها حتى في أقصى خيالاتها: الخيانة.. وفي تعقد حياتها و تمزق مشاعرها تمضي هالة كشخصية مكسورة من الداخل. "هي" تستدعي الصديقة و القرين المقابل. هي هالة الرفيقة التي لا تكاد تشبه سحر في شيء. التناقض بين الشخصيتين هو ما يصوغ علاقتهما الخاصة. و المسافة الهائلة بين امرأة كهالة و ربة بيت مهزومة كسحر هي بالضبط ما يقرب بينهما بالرغم من كل شيء. ولكن هالة أيضا تخفي اسرارا متناقضة وراء المظهر اللاهي لحياة سعيدة و منطلقة. تكتشف كل من المرأتين الأخرى و تكشفها. الواحدة مرآة للأخرى. و بينهما سير نساء "أخريات"، كمقاطع من سيرة طويلة لإمرأة بوجوه كثيرة.. الرواية صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون. 2012