في عمر الفتوة الأول نمتلك فائضا من الوقت و الطاقة، فائضا من القدرة على الحب و الأمل، على الحلم و التطلع. يخطر للمرأة وهي تتفتح شابة على الدنيا أن الكون فسحة واسعة من الممكنات، وأنها ستمد يديها لتقطف عن شجر الوقت ثمار أمنياتها. الجسد في أوله، و القلب في أوجه، و الحياة طريق مشرع لسعادة قادمة لا محالة. ألا تفكر بعريس مناسب؟ بالطبع، إنها تفكر به. وما هي صفاته؟ آه.. العريس المناسب، شاب وسيم، طيب، ملئ بالحنان، قوي و رقيق في آن معا، حازم و متواضع في نفس اللحظة، كريم و حريص بدون تناقض. العريس المناسب هو وصفة من الصفات التي تجعل الحياة المأمولة جنة صغيرة في عش يجمع عصفورين على المحبة. هو شخص يستحق أن نكرس له مشاعرنا، أن نضحي من أجله بمئة وعد و ألف طموح وملايين النجوم الصغيرة. يستحق أن نتوقف عن الحلم لنقيم في يقين عينيه و نكف عن التحليق لنسكن إلى كلماته. يحدث أن الشابة في أول العمر تفكر في الزواج في وصفة تتويجا لأشكال عدة من السعادة، وفي بيت الزوجية باعتبار صيغة سحرية تجمع في داخلها أقاصي السعادة معا: الاستقرار المحب و المغامرة الجامحة، الطمأنينة الحنون و الشغف بلا حدود. كل ذلك صحيح. الحياة بدون أحلام و تطلعات تجعلنا نركن إلى الكسل و نغرق في روتين اليومي والعادي. ولكن الأحلام بدون مستند في الواقع حقا تجعلنا نسقط من عل بأرواح مليئة بمرارة الحرمان بعد طول انتظار. هكذا فقبل أن يصير شبابنا بعيدا ورائنا نبدأ بإدراك أن الواقع لا يشبه أحلامنا تماما، وأن الفرص المتاحة أمامنا قد لا تكفي الأفق الذي نبحث عنه. وحين يبدو أن الزواج المرغوب يصير أمرا بعيدا، و حلما شائكا و معقدا، يبدأ عندها الخوف من العنوسة. رهاب الوحدة، أن نبقى معلقين في عزلة لا نعثر فيها على شريك. الخوف من العنوسة يدفع النساء غالبا إلى التكيف، إعادة النظرفي شروطهن، وفي تصورهن عن الشريك المناسب. إنهن يجعلهن أميل للتفكير في فرصهن الفعلية و التعامل بواقعية أكثر مع مشروع الزواج. ولكنه يمكن أن يتحول إلى استحواذ خطر، أقرب إلى قلق مستمر يتحكم في سلوكنا و يشرط تصرفاتنا. بمعنى آخر يمكن أن يصبح المصدر الذي تتولد منه أفعال المرأة و مقاربتها للحياة. يتحكم بها الخوف من البقاء وحيدة فتصبح أميل لاصطناع صداقات قد لا تكون مفيدة، و مفرطة في العمل على توسيع محيطها الاجتماعي، و تصير أمل للاهتمام بمظهرها على نحو يتوافق مع رغبات الآخرين أكثر مما يحقق لها رضى ذاتيا. قد يقل تقديرها لذاتها و تبدأ في التشكك في شخصيتها، حتى في أصغر تفاصيلها: الوقفة و الضحكة و الابتسامة و تقطيبة الجبين و الالتفاتة و رائحة العطر و طريقة الكلام.. باختصار يمكن أن يحول الخوف من العنوسة حياة المرأة إلى جحيم صغير يتوجب عليها فيه أن تكرس كل تفصيل لمواجهة هذا الخوف المستحكم.. هكذا يمكن أن تختفي حياتها البسيطة تحت وطأة الخوف من حياتها القادمة.. و العنوسة التي لم تكن إلا مجرد خوف من المستقبل تصير حاضرا منهكا و ثقيلا.. تشير دراسات أجريت على نساء من أوساط اجتماعية مختلفة و من مهن مختلفة أن الخوف من العنوسة يمكن أن يكون واحدا من الأسباب التي تقود إلى زيجات فاشلة، ولكن الأهم، أنه يمكن أن يكون سببا مباشرة للعنوسة فعلا. إذ يجعل من الصعب على المرأة أن تقيم علاقات سليمة أو تجري محاكمات متزنة بشأن علاقاتها. يمكن أن يجلعك هذا الخوف ميالة إلى التصنع، يصبح سلوكك متناقضا، و تخسرين جزءا هاما من طبيعتك كما تفقدين عفوية ضرورية و محسوبة لبناء وسط سليم يمكن أن تتطور فيه علاقاتك و خياراتك المستقبلية. ما الذي يجب علينا فعله إذن؟ ببساطة أن لا تسمحي لهذا الخوف بالسيطرة على كل تفاصيل حياتك، أن تتعاملي معه بواقعيه و بدون مبالغة. أن تنتصري عليه لكي لا ينتصر عليك فيتحول الكابوس إلى حقيقة. لتفعلي إذن ما كنت تفعلينه حتى اللحظة التي زارك فيها شبح فكرة البقاء وحيدة. واصلي العمل على شخصيتك، كوني جميلة و اعتني بنفسك، حافظي على ضحتك. كوني واثقة من نفسك و اعلمي أن جزءا من هذه الثقة هو أن نعترف بأخطائنا و نحاول إصلاحها. انظري الى المستقبل بعينين واثقتين، ولا تقبلي أن تتخلي عن إشراقتهما التي كانت تبث الأمل حتى في صديقاتك اليائسات.