هذه الأيام يقام في أبو ظبي مهرجان أفلام البيئة في أول طبعة له علي مستوي الشرق الأوسط ، فعاليات المهرجان تمزج ما بين المحاضرات العلمية التي تتناول المخاطر التي تهدد البيئة ويتوازى مع ذلك عروض أفلام تسجيلية وروائية تقطر دموعاً وهي تبكي على ما يفعله البشر من اعتداء سافر على البيئة، أفتتح المهرجان مساء السبت الماضي تحت رعاية سمو الشيخ أحمد بن حمدان بن محمد آل نهيان رئيس مجلس أمناء المهرجان. اللون الأخضر صار هو اللون المميز لفعاليات المهرجان كل التفاصيل واللمحات الصغيرة تهتف من أجل هذا اللون الذي يعني النماء والحضارة والنقاء. وكانت البداية مع الفيلم الروائي الطويل "الأرض الموعودة" الإنتاج المشترك بين الجانبين الأمريكي والإماراتي بطولة مات ديمون وإخراج جوس فان سانت، حيث يفضح الفيلم المتاجرين بالطبيعة من أجل تحقيق مكاسب سياسية رخيصة، حرص المهرجان على أن يعلي من قيمة اللون الأخضر ولأول مرة في تاريخ المهرجانات السينمائية يتم الاستغناء عن السجادة الحمراء لنجد أن السجادة الخضراء هي التي تسيطر على ملامح المهرجان في كل التظاهرات، المعروف أن السجادة الحمراء هي أحد المعالم المميزة ومصدر فخر سواء للقائمين على أي مهرجان أو لضيوف المهرجان وكلما ازداد طول هذه السجادة وازدادت درجة احمرارها كلما ازداد بريق المهرجان وأصبح من حقه أن يتباهى على كل مهرجانات الدنيا ولكن مهرجان البيئة حطم هذا القيد. ومن المفارقات التي ارتبطت بالسجادة الحمراء أتذكر أن الراقصة فيفي عبده منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي وحتى نهايتها كانت تحرص على حضور مهرجان "كان" السينمائي الدولي ليس من أجل أفلام المهرجان بالطبع ولا حتى لإحياء حفل رقص على هامش الفعاليات ولا لشراء ملابس من المحلات القريبة من شاطئ "الريفييرا" الشهير في الجنوب الفرنسي ولكن من أجل - ومن أجل فقط- أن تلتقط لها صورة وهي تصعد وتهبط على تلك السجادة الحمراء وكانت تصحبها أحياناً مجموعة خاصة من مصوري الفيديو بالإضافة إلى مصوري الفوتوغرافيا حتى يعدون لها شريط يعرض في عدد من البرامج الفضائية تثبت بالصوت والصورة أنها كانت هناك على السجادة الحمراء ورأسها برأس شارون ستون.. بل كانت إحدى شركات الإنتاج السينمائي تحرص على أن تؤجر سلم المهرجان بالسجادة لمدة "45" دقيقة وتتكبد مبلغاً كبيراً لصناعة "شو" إعلامي لأفلامها برغم أن هذه الأفلام لا يحق لها رسمياً الصعود على سلالم المهرجان ولكن كان المطلوب هو فقط التصوير على السجادة الحمراء باعتبارها حدثاً جللاً يستحق الحفاوة. وانتقلت عدوى السجادة الحمراء للمهرجانات السينمائية العربية بل وبعض العروض الخاصة للأفلام.. وبات اللون الأحمر دلالة على الفخامة.. رغم أن الأحمر هو لون الدماء وتعودنا في الأدبيات العربية أن نشعر برهبة من هذا اللون ونصف المعارك الملتهبة بأنها حمراء.. وإشارات المرور في مختلف دول العالم تعتبر الأحمر هو الممنوع والأخضر هو المسموح وهو مرادف للخير والنماء ونحن نقول سنة خضراء تيمناً بالعام الجديد واللون الأخضر في تفسير الأحلام يعني مستقبل مشرق، وفي المطار هناك منطقة خضراء بلا جمارك وأخرى حمراء تتكبد فيها مبالغ تتجاوز الثمن الذي اشتريت به الهدايا، وكوب الشاي الصحي هو الأخضر. انتقلت عدوى اللون الأحمر حتى للمهرجانات الصغيرة مثلاً حاول المهرجان الأول للسينما المستقلة الذي أقيمت أولى دوراته بوسط مدينة القاهرة قبل ست سنوات أن يصحح الوضع وتم إلغاء السجادة الحمراء ووضع بدلاً منها – كليم– والغريب أنه كان أيضاً لونه –أحمر-!! وبين سطوة وسيطرة الأحمر على أوجه الحياة السينمائية في العالم جاء مهرجان  أفلام البيئة الدولي حيث إنه في كل الفعاليات لا يعترف إلا باللون الأخضر يدافع عن البيئة سواء في عروض الأفلام أو في الندوات التثقيفية.. الخطر الذي يهدد البيئة ندفع ثمنه جميعاً وكما يقولون أن الفراشة التي تطير في الهواء وتحدث ذبذبات في شرق العالم بالصين من المؤكد أن تلك الذبذبات تنتقل إلى غرب العالم في أمريكا، علينا ألا نستسلم لمن يريدون تلويث الكون والبداية تبدأ دائماً عندما ندافع عن كل ما هو أخضر وتلك هي رسالة مهرجان البيئة!!