لا يعلم كثيرون أنّ فيروز سجّلت قبل نحو 33 عاماً ثلاث قصائد من تلحين الموسيقار رياض السنباطي لتلفزيون "الكويت"، لكنها لم تشأ أن تفرج عنها حتى الآن. ويقولون إنّ فيروز لم تتحمّس لطرحها للجمهور. في آخر حوار أجراه زياد الرحباني بعد زيارته القصيرة والخاطفة إلى القاهرة حيث أحيا الليلة الختامية لـ "مهرجان الجاز"، استضافته المذيعة منى الشاذلي عبر برنامجها "جملة مفيدة" على قناة "إم. بي. سي". لم تسأله عن مصير القصائد الثلاث لكنّه تحدث عن موسيقى سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب ووصفها بأنّها مثل "المناقيش" سريعة وسهلة الهضم على عكس موسيقى رياض السنباطي الرائعة ولكنها صعبة التداول. السؤال الثاني الذي ذكرته هذه المرة منى هو: متى تجيء فيروز إلى القاهرة؟ إنّه السؤال نفسه الذي كثيراً ما يتكرر خصوصاً مع بداية كل صيف: أين "جارة القمر"؟! في كل موسم، ومهرجان بل في كل حفلة غنائية تقام في القاهرة، يتردد اسم المطربة الكبيرة فيروز. ودائماً ما تغيب فيروز. عندما تفكر دار الأوبرا المصرية في إقامة مهرجان غنائي، فلا شك أنّ أكبر صوت عربي لا يزال يقدّم فن الغناء الأصيل الجميل هو صوت فيروز. هكذا يصعد اسمها إلى المقدمة، وتبدأ المفاوضات بين الجهة المنظمة للمهرجان وفيروز وتتعثر المفاوضات ولا يصل الأطراف إلى اتفاق مشترك ولا إلى أرض محايدة يقف عليها الطرفان. شرط فيروز الذي تتناقله أجهزة الإعلام المصرية هو المليون دولار، لكنّ المكتب الإعلامي الخاص بفيروز يكذّب ذلك. ثم لا تلبث المفاوضات أن تبدأ في الدورة التالية للمهرجان، وتحدد فيروز شرط المليون دولار وهو ما تراه دار الأوبرا مبالغاً فيه يتجاوز إمكاناتها. رغم ذلك، فإنّ الأمل لم يتوقف ويرى البعض أنّ ذلك هو شرط تعجيزي تفرضه فيروز حتى تتهرب من الغناء في مصر، وهو ما يتردد أيضاً عندما توجه وزارة السياحة المصرية دعوة إلى فيروز لكي تكرَّم في المهرجان الرسمي للأغنية أو مهرجان الفيديو كليب وغيرهما من المهرجانات الغنائية، وتعتذر فيروز ليس بسبب المليون دولار هذه المرة، ولكن لأنّها لا تحب السفر خارج بيروت.   إن المرات القليلة التي جاءت فيها فيروز إلى القاهرة بصحبة الأخوين رحباني لا تتجاوز أصابع اليدين آخرها كان قبل أكثر من 30 عاماً! البعض يعتبر أنّ لفيروز موقفاً معادياً للغناء المصري. ففيروز والرحابنة شكلوا قطباً موازياً للغناء المصري في الوجدان الغنائي العربي، ولا يعني التوازي أنّ القطبين متساويان في القوة ومتضادان في الاتجاه. لكن لا شك في أنّ فيروز والرحابنة قدّموا للأغنية مذاقاً مختلفاً وليس متناقضاً ليس فقط على مستوى الألحان وأسلوب الغناء بل أيضاً على مستوى الكلمة الشاعرية عند منصور وعاصي وبعد ذلك زياد. لا نستطيع أن نعتبرها امتداداً ولا ترديداً لما كتبه شعراء الأغنية الكبار في مصر. لم تغن فيروز في مصر إلا لسيد درويش مثل "طلعت يا محلا نورها" و"الحلوة دي قامت تعجن في الفجرية" وللموسيقار محمد عبد الوهاب قصائد "مربي"، و"سكن الليل"، و"سهار" وغنّت عدداً من أغانيه القديمة مثل "خايف أقول اللي في قلبي" وبتوزيع موسيقي للرحابنة. وسوف تجد أن نبض التوزيع الموسيقي الرحباني كان ذا طغيان واضح ولم تغن للشعراء المصريين سوى للشاعر مرسي جميل عزيز قصيدته "سوف أحيا". اختيارات فيروز هي حق مطلق لها والثمن الذي تطلبه لإحياء الحفل وللفرقة الموسيقية والكورال المصاحب لها في القاهرة لا أراه مبالغاً فيه. راجعوا أجور عمرو دياب ونانسي وشيرين وهيفا في الحفلات. لقد جاء زياد إلى القاهرة واحتضنته قلوب الجماهير المصرية والآن ننتظر فيروز. وأنا أترقب أن يسبق حضور فيروز إلى مصر الإفراج عن قصائدها الثلاث التي لحّنها لها السنباطي. إنه عناق نادر بين ذروتين: فيروز التي قال عنها الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب إنّها صوت يسمو على التقييم البشري، فهو صوت من السماء. أما السنباطي فإنّه عملاق النغم الشرقي الذي لم يطاول قامته الإبداعية أحد في العالم العربي، وهذه القصائد من حق كل العرب أن يستمتعوا بها حتى لو لم تكن لها طعم "المناقيش"!