الاختيار أيضا فن وله مهارات لسنا جميعا محظوظين بامتلاكها. ولو أنها مسألة لا تتطلب الحظ، بقدر ما تتطلب العمل والدراسة والتفكير الخلاق. د.وفاء أبو سنينة هي واحدة ممن امتلكن هذه المهارات، وحين اختارت أحسنت الاختيار وتميزت فيه، فكانت أول شخصية عربية حاصلة على شهادة الدكتوراة في مجال "إدارة تجربة المتعامل". ولكن ماذا نعني بهذا الاختصاص؟ نسأل أبوسنينة المستشارة في مركز نموذج دبي، عن هذا العلم الحديث نسبياً، فتبين "قد يبدو الاسم غير مألوف للناس، لكنه علم قريب جدا منهم، وهو يتمحور حول ما يشعر به المتعامل عند التواصل مع مؤسسة ما نتيجة للتحليلات المنطقية والمشاعرية التي يمر بها، إدارة تجرية المتعامل هي فن فهم المؤسسات لما يحتاجه المتعامل ويريده بطرق ابداعية وجديدة، والاستجابة لذلك بصورة فعالة تمكنها من تحسين خدماتها ومنتجاتها، وصناعة خدمات ومنتجات أكثر موائمة لاحتياجات المتعامل". من خلال هذا العلم يمكن تحسين أداء المؤسسات وتحقيق نتائج ايجابية مثل زيادة ولاء المتعاملين وثقتهم بالمؤسسة وتحقيق أرباح مالية وغير مالية . ولكن ما علاقة التخصص بمركز نموذج دبي إذن؟ تقول د. أبو سنينة " أنا فخورة جدا أن هناك حكومة عربية تطبق مفاهيم تجربة المتعامل الحديثة والرائدة، وفي الحقيقة إن حكومة دبي تبنت هذا العلم واهتمت بتقييم تجربة المتعامل من عدة نواحي وذلك لحرصها الشديد على الارتقاء بأداء خدماتها بشكل مستمر". . وتضيف "دبي تطمح للأفضل دائماً وهي مدينة عالمية يقطنها ويزورها جنسيات مختلفة بمتطلبات وخلفيات متعددة، ولذا فهي بأمس الحاجة لفهم متطلبات هذه التعددية وعلم "إدارة تجربة المتعامل" يتيح لها ذلك". من هنا، قامت د.وفاء أبو سنينة بتأليف آليات ومنهجيات النموذج بالتعاون مع فريق من الجهات الحكومية في دبي ولعبت دور رئيسي وقيادي في تصميم وتطوير وتنفيذ نموذج دبي للخدمات الحكومية. ولكن لماذا اختارت د. أبو سنينة هذا العلم الجديد؟ وهي خريجة هندسة صناعية، وتخصصت في ماجستير التخطيط الاستراتيجي وقياس الأداء؟ هنا توضح أن الهندسة الصناعية تخصص معني بتحسين أداء المؤسسات وقد قادها ماجستير الإدارة للتوسع أكثر في هذا المجال، وخلال وجودها في المملكة المتحدة لاحظت الاهتمام بهذا العلم وتطبيقاته في المؤسسات الخدمية سواءً في القطاعين العام والخاص فقررت أن تختص في هذا العالم الجديد على منطقتنا فجاءت دراستها لهذا العلم امتداداً لتخصصها في تحسين الأداء المؤسسي . وهي تؤكد على ضرورة أن يلتفت الشباب إلى هذا العلم وتطبيقاته، فالخبرات العربية فيه قليلة جداً، وهي فرصة وخيار مناسب للباحثين عن الريادة والراغبين في التعمق في تخصص الإدارة وتقييم وتحسين المؤسسات الخدمية  التي يمتلأ بها عالمنا العربي بل تشكل ركيزة الاقتصاد فيه. الحياة الشخصية للدكتورة وفاء أبو سنينة أيضا تأثرت بتخصصها في "تجربة المتعامل"، كيف لا وهي تجربة تصقل طرق تواصلنا مع الآخرين والبحث في حاجاتهم وقدراتنا على تلبيتها وتطوير أنفسنا من أجل مضاهاة توقعاتهم وآمالهم. أليس هذا هو الحلم الذي تسعى العلاقات الإنسانية إلى تحقيقه أيضاً؟ عن ذلك تتحدث أبو سنينة لأنا زهرة فتقول " ابنك متعامل، زوجك متعامل، صديقتك متعامل، كل هذه الشخصيات في حياتنا لديهم احتياجات. في العموم ترتكب الشركات خطأ حين تظن أنها تعرف المتعاملين معها وماذا يريدون، أحيانا يريد المتعامل شيئا لم تكن الشركة تتوقعه أو تعرف عنه وبالتالي لم تكن تلبيه، وهذا ينطبق على العلاقات الإنسانية". ولكن كيف؟ توضح أبو سنينة "ما زلت أتعلم ولكني وجدت أن الإصغاء للآخرين باهتمام حقيقي مفيد جداً في مساعدتنا لفهم حاجاتهم، الاستماع باهتمام يمكنك أن تفهم ما يقوله الناس وما لا يستطيعون قوله بالكلمات، ولذا من الضروري أن ننصت لما لا يقال أيضاُ. الاستماع باهتمام يساعد الناس أن تعبر عن نفسها بشكل أفضل ومشاعرهم الخفية التي ما كانوا ليبوحوا لنا بها من تلقاء أنفسهم". أبو سنينة أم لثلاثة أبناء، وقد اقترنت حياتها بثلاثة جهات أيضاً: عائلة، دراسة وعمل، فقد كانت تدرس وتعمل في وقت واحد وتدير حياتها العائلية الناجحة، "عائلتي هي مصدر إلهامي" تقول ذلك بنبرة انتصار وسعادة "أتذكر طفلي الصغير حين كان يراني جالسة لا أفعل شيئا فيسألني "ماما أليس لديك دراسة؟" أصبح طفل أبو سنينة منشغلا أيضا بنجاحها وحريصا عليه، تجربة من العناية العائلية المتبادلة نرى محصلتها الآن في تجربة أبوسنينة المترجمة على الأرض بالنجاح والمثابرة والطموح. وعلى أي أرض ترجمت هذه التجربة؟ على أرض الإمارات، دبي تحديدا، تقول أبو سنينة "دبي تعبر عني، فيها شبه مني، وفيّ شبه منها. دينامكية عصرية، وفي الوقت نفسه متمسكة بقيمها وجذورها وأصالتها. لقد تنقلت كثيرا عشت في الأردن وكندا وبريطانيا والإمارات، لكن دبي تلهمني". تسكن د. أبو سنينة في مسكن شاطىء الجميرا بالقرب من البحر وكلما شعرت بحاجة للاسترخاء والراحة أو التفكير بعمق تخرج ليستقبلها البحر ويلهمها.   اقرأي أيضاً: سامية القاضي: دفاعا عن حق الطفل في أم مؤهلة ومعلمة كفوءة حمد الحمادي: "يسارا جهة القلب" ليس كتابا عاطفيا