النجاح له ألف أب والفشل يتيم. ولهذا السبب، سارعت رانيا يوسف قبل عرض فيلم "هو في كده" إلى التبرّؤ الكامل منه، متهمةً المخرج حسني صالح بأنه انحاز إلى طليقته الوجه الجديد روان فؤاد. للمرة الأولى، أسمع أنّ زوجاً سابقاً ينحاز إلى طليقته، فإذا كان لديه كل هذا الانحياز لماذا طلّقها إذن؟ الزواج والطلاق ليسا بالتأكيد موضوعنا، بل إنّه الفيلم الذي تبخّر سريعاً من دور العرض بعدما مُني بهزيمة نكراء بتلك الإيرادات الهزيلة التي حققها، أقصد تلك التي لم يتمكّن من تحقيقها، فلم يتشجّع أحدٌ على مشاهدته ولا دافع عنه أو حتى هاجمه كأنّ فيلماً لم يكن. أتصور أنّ رانيا يوسف أيقنت أنّها في صدد كارثة، فقررت أن تنفد بجلدها، خصوصاً أنّه قبل شهرين فقط، عرض فيلم "حفلة منتصف الليل" من بطولتها، وقد لاقى هزيمة أخرى في دور العرض لا تقلّ ضراوةً. وطبقاً لقانون السينما، فعندما يفشل فيلمان للنجم نفسه، يصبح الرهان الثالث عليه مستحيلاً أو في صعباً في الحد الأدنى. لا تزال قناعتي بأنّ رانيا يوسف ممثلة من الطراز الأول، لكنّ نجومية الشباك شيء آخر. ويبقى السؤال: هل يحقّ للفنان أن يتبرّأ من عمل فني قبل عرضه بساعات قليلة خصوصاً أنّ ليوسف تجربة سابقة في التبرؤ مثلما حدث قبل بضعة أشهر في فيلم "ريكلام" عندما اتهمت المخرج علي رجب بأنه انحاز إلى شريكتها في البطولة غادة عبد الرازق على حساب دورها؟ ونعود إلى السؤال: هل يجوز للفنان أن يجري بعيداً ويغسل يديه مبكراً من العمل الفني؟ لن أجيب أنا لكنّي سأروي واقعة أغنية "أنا كل ما أقول التوبة" مع الفارق بالطبع بين الفيلم والأغنية، وهو يبدو كالفارق بين الثرى والثريا. منذ أكثر من 45 عاماً، استمع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي إلى أغنيته "أنا كل ما أقول التوبة" التي غناها عبد الحليم، ووضع موسيقاها بليغ حمدي بتوزيع علي إسماعيل. ثار الأبنودي وأعلن في كل الجرائد وقتها أنّ اللحن والتوزيع خانا روح الكلمات وأنّ هذه المشاعر الصعيدية كان ينبغي أن تقدم بعيداً عن تلك الآلات النحاسية الصاخبة. وتناقلت الصحافة رأي الأبنودي الغاضب. يومها، اتصل به عبد الحليم وقال له: "قبل أن تظهر الأغنية إلى الناس، من حقك أن تعترض وتناقش وتحتج ولكن بعدما أصبحت الأغنية في متناول الجمهور، فليس أمامك سوى أن تدافع عنها أو تصمت عن إبداء الرأي". وأضاف: "هذه الأغنية صارت سلعة يتداولها الناس ويعيش على أرباحها العشرات". أتذكر قبل نحو سبع سنوات عندما عرض يحيى الفخراني في شهر رمضان مسلسل "المرسى والبحار" ولم يلق المسلسل النجاح الجماهيري الذي انتظره البطل، إلا أنه ظل صامداً حتى الحلقة رقم 28 ثم أعلن في الفضائيات أنّ هناك أخطاء عديدة شابت المسلسل وأنه لاحظ استعجالاً في الكتابة والتنفيذ وأنه لن يقبل بعد الآن أن يشارك في عمل تلفزيوني قبل أن تكتمل حلقاته. ألقى بالمسؤولية وقتها على كاهل الكاتب محمد جلال عبد القوي والمخرج أحمد صقر وخرج منها مثل الشعرة من العجين. هل النجوم يؤمنون بمبدأ "ما لقيصر لقيصر وما لله لله" أم أنّهم يتدخلون في التفاصيل ويشاركون في كل شيء من البذرة الأولى للعمل الفني حتى عرضه على الناس؟ لا شك في أنّ أصابع النجوم تستطيع ببساطة أن ترى آثارها في كل مراحل الولادة الفنية قبل أن يرى الناس العمل، هل يجوز للنجم بعدما شارك في الاختيار أو اكتفى حتى التمثيل أن يتبرأ من العمل الفني وعلى الملأ؟ قد يراها البعض شجاعة أدبية. لكن الشجاعة حتى نصفها بالشجاعة تقتضي أيضاً أن يتحمل النجم قسطاً من الخطأ ويعلن مسؤوليته الأدبية أمام الناس. رانيا رأت الفيلم مثل السفينة يغرق فقفزت بعيداً عنه على أمل أن تركب سفينة أخرى. ويبقى السؤال: هل تتحمس شركات الإنتاج لكي تراهن ثالث مرة على رانيا يوسف ولا تخشى أنّها في اللحظات الأخيرة قد تخذلها وتقفز؟