قيل "الأم مدرسة إذا أعددتها" وقيل أيضا "كاد المعلم أن يكون رسولا". بين الأم والمعلمة يذهب الطفل ويجئ في رحلة يومية لاكتشاف الحياة يرى بعيون هاتين الشخصيتين الأساسيتين في دنياه الصغيرة ويتعرف إلى العالم من خلالهما. سامية القاضي وضعت يدها على هذه العلاقة المركبة، أمسكت بالخيط الذي يربط هذا الثالوث :الأم، المعلمة، الطفل. وفي مؤسسة الطفل العربي تحاول أن تصنع من هذا الثلاثي فريقا منسجما، الأمر الذي يمهد الطريق إلى بناء شخصية سوية متوازنة ذكية وفاعلة، كما ترى. فهل عثرت سامية على وصفة سحرية لحل المعضلة التربوية؟ أم أنها امرأة عملية فعلا بحثت عن أصل المشاكل وأسبابها لتطلع بنتائج ملموسة في هذا مجال تربية الطفل. خاصة ما نواجهه في عالمنا بين صراع، ليس له أساس من الصحة، بين القيم التي تعتقد أساليب التربية القديمة أنها تدافع عنها، وبين أساليت التتشئة الحديثة والعصرية. تقول القاضي لموقع "أنا زهرة" كنت مع زوجي أثناء دراسته في بريطانيا حين اصطحبت طفلتيّ إلى الحضانة، وكنت أقضي معهما بعض الوقت أحيانا في الحضانة". وتضيف ضاحكة "بصراحة كنت "أغار"، لأننا في حضاناتنا وروضاتنا لا نمتلك هذه الأساليب بعد. وأطفالنا لا يتاح لهم التعلم من خلال الأساليب التربوية التي كنت أراها هناك". من هنا راودت القاضي فكرة مؤسسة الطفل العربي، والتي لم تكن في البداية إلا فكرة إنشاء حضانة نموذجية. لكن ومع الغوص أكثر في تفاصيل المشروع بدا أن فكرة الحضانة المثالية تحتاج لكفاءات مثالية مدربة بأساليب حديثة، وهو نقص يعاني منه هذا القطاع، للأسف، في منطقتنا. مع مجموعة من الشركاء أسست القاضي مؤسسة الطفل العربي سنة 2008، تقدم المؤسسة خدمات وبرامج مختلفة، منها ما هو أكاديمي متخصص ومنها ماهو دورات قصيرة لتدريب الأمهات وتأهيليهن. وكذلك بدأت المؤسسة في برنامج تدريبي على حماية الطفل من العنف الأسري، والذي تزامن مع إقرار قانون حماية الطفل في الإمارات العام الفائت. وعن برامج التدريب في المؤسسة تبين القاضي إن "الأساليب الحديثة في التربية تواجه تحدياً في واقعنا الاجتماعي، ثمة سوء فهم، إذ يعتقد البعض أن الأساليب الحديثة تعني قيم حديثة، ولكنها ليست كذلك أبدا". الأساليب الحديثة تعني تغيير في طريقة تعريف الطفل بهذه القيم، بما يناسب التغير الضخم الذي يحدث في أساليب التلقي والتعليم. وتتساءل: كيف لا نغير أساليب التربية إذا كانت الدراسات تتسارع وتقدم لنا معلومات لم نكن لنحظّ بها من قبل عن الطفولة ومراحل التعلم والتأثير النفسي على الطفل؟ وتدلل على ذلك بقولها "تخيلي أن الذكاء العاطفي لدى الطفل يتأثر في الثلاثة شهور الأولى وفقا لما تثبته الدراسات الحديثة، لكننا لا نعرف ذلك. ومازلنا نتعامل مع الطفل في هذه المرحلة الحساسة بالطرق القديمة ظنا منا أنه لا يتأثر بشيء بعد!". تطمح القاضي في مؤسستها للكثير، هدفها الأول مساعدة  الطفل، إنها ناشطة في حقوق الطفل على طريقتها الخاصة. ولكن ماذا عن طفلتيها هي وعائلتها، العمل يأخذ معظم وقتها أليس كذلك؟ لا بد أننا سنتساءل هل هي ناجحة كأم مثلما هي ناجحة كمدافعة عن حقوق الطفل في تنشئة سوية؟ عن هذا تبين القاضي "إنه التحدي الأصعب، لكني أقول دائما وراء كل امرأة ناجحة رجل عظيم أيضا. وأنا ورائي ثلاثة رجال يقفون خلفي وبجانبي هم زوجي ووالدي وعمي". أما البنتين في عمر 6 سنوات وثمان سنوات، فتخبرنا القاضي إنهما شريكتان حقيقيتان، وأنهما مقدرتان فعلا لعملها. وتبين "تعرف بنتاي أنني أقوم بشي في خدمة الآخرين، وأنا في الوقت الذي أقضيه معهما أكون معهما بقلبي وعقلي ووقتي وكياني. المهم أن نمنح وقتا له معنى، لا بد أن نتعلم معنى جودة الوقت الذي نبذله". سامية أيضا لديها وجهة نظر مهمة في هذا الخصوص، عن معنى الوقت الذي نقضيه مع أبنائنا، إذ توضح أنه "يمكن للمرأة أن تقضي 12 ساعة يوميا في غرفة الجلوس أمام التلفزيون مع أطفالها، تحت عينها ومعها طيلة الوقت، لكنها لا تقدم لهم شيئا فعلا. بينما تقدم امرأة أخرى ساعات عميقة قليلة في النهار من التفاعل والتواصل هي أفضل من أيام فارغة من جهد حقيقي في التربية". الأحلام ليس لها حد، في جعبة سامية الكثير وتحلم بتطوير المؤسسة وجعلها مركز عربي فعلا يقدم خبرات مختلفة للأمهات والمعلمات والآباء أيضا لم لا؟ ألا يحتاجون إلى تدريب وتأهيل للأبوة. قد يقول قائل إن الأبوة والأمومة مسألة تحدث بالملايين كل يوم. أجل هذا صحيح، تحدث مع أعطاب كثيرة نفسية وعاطفية. ربما تريد سامية القاضي أن تقول: كل يوم هناك ملايين المعلمات يتخرجن في العالم والأمهات اللواتي ينجبن فيه، لكن كم منهن فعلا تستطيع أن تربي طفلا، أن تجعل منه مبدعاَ؟ اقرأي أيضا: فيلم “حرمة” للمخرجة السعودية عهد كامل: قدرة المرأة على الاحتمال 10 سعوديات مبدعات..نساء يصنعن الفرق