من سوء حظ خالد النبوي أنّه وجد نفسه من حيث لا يدري في معركة مع أحمد آدم. ومن سوء حظ آدم أيضاً أنّ خصمه هو النبوي. كل منهما لن يرضى بأقل من تكسير عظام الآخر. لن يترك آدم أي نافذة يطلّ منها إلا ويؤكد أنه كان المرشح الأول لمسلسل "محمود" الذي يتناول سيرة الكاتب والمفكّر الكبير مصطفى محمود، ويدعم ذلك بصورة التقطت له بعد المكياج الذي يقرّب ملامحه من مفكرنا الكبير. ولم يكتف آدم بهذا القدر، بل أكد أنه اعتذر لضعف السيناريو وضآلة ميزانية الإنتاج كأنه يهيل التراب على المسلسل. على الجانب الآخر، فإن النبوي يعز عليه أدبياً أن ينشر في كل أجهزة الإعلام أنّه كان الاختيار الثاني للدور وبديلاً لآدم رغم أنه يحرص على أن يسبقه لقب "فنان عالمي"، فكيف يكون عالمياً ويحصل على بقايا الأدوار والمسلسلات المحلية المرفوضة؟ لهذا، فإنه سيواصل تكذيب الواقعة، مؤكداً أنّه كان المرشح الأول للدور ولا صحة لما يردّده آدم. هو يريد أن يحفظ ماء وجهه ولا يتوقف عن الثناء على السيناريو وشركة الإنتاج التي وفرت له كل الإمكانات المادية، برغم أنّ هذه الواقعة كثيراً ما تتكرر في كواليس الحياة الفنية. بل إنّ تاريخ الفن هو في الحقيقة التاريخ السري للترشيحات والاعتذارات المتتالية. وإذا كان الاعتراف هو سيد الأدلة في القانون الجنائي، فإنّ الاعتذار هو سيد الأدلة على انطلاق وبزوغ أسماء كل النجوم الذين كتبوا شهادات ميلادهم الفنية بعد تلك الاعتذارات. مثلاً، النجاح الطاغي الذي حققه جمال سليمان في مسلسل "حدائق الشيطان" قبل ثماني سنوات لم يخطط له أحد، لا الكاتب محمد صفاء عامر، ولا المخرج الراحل إسماعيل عبد الحافظ ولا حتى جمال سليمان، إنّما كانت الصدفة لا غير. عبد الحافظ رشح أكثر من نجم للدور مثل يحيى الفخراني، ونور الشريف، وصلاح السعدني وكان آخرهم فاروق الفيشاوي. وفي اللحظات الأخيرة، جاء اسم جمال سليمان لإنقاذ المسلسل لأنّ كل النجوم المصريين كانوا قد تعاقدوا على بطولة مسلسلات أخرى. ومن دون تردّد، وافق جمال على لعب الدور ولم يقل: كيف أوافق وأنا المرشح الخامس؟ لقد تعودت السينما والتلفزيون على هذا القانون الذي يتم عادة في سرية ومن دون إعلان والأمثلة متعددة. أهم دور أسهم في صنع نجومية محمود عبد العزيز وانتقاله من مجرد فتى وسيم إلى نجم محبوب، كان في فيلم "العار". الكاتب محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق رشّحا يحيى الفخراني للدور، لكن كانت للأخير ملاحظات سلبية، فأسند المخرج الدور إلى محمود عبد العزيز ليصبح بعدها نجماً للشباك! وأكثر أفلام محمود عبد العزيز جماهيرية وتألقاً ونيلاً للجوائز هو "الكيت كات"، وقد جاءه بعد اعتذار عادل إمام. أحمد زكي ذو تاريخ طويل مع الاعتذارات والترشيحات. هو أوّل مَن رُشِّح لبطولة "الكرنك" عام 1975، لكنّ الموزعين اعترضوا وقالوا: كيف يصدق الناس نجماً أسمر تحبّه سعاد حسني؟ ولهذا، أسند الدور إلى نور الشريف. وكان أحمد زكي هو المرشح الأول لبطولة "الحريف" في فيلم محمد خان، لكنّ خلافاً في الرؤية الفنية بينه وبين خان، أدى إلى إسناد الدور إلى عادل إمام. ووافق الأخير رغم أنّ اسمه في سوق التوزيع وقتها كان أكبر من أحمد زكي. ويعتبر هذا الدور واحداً من أهم ما قدمه عادل طوال مشواره على شاشة السينما. وبسبب اعتذار أحمد زكي عن فيلم "فارس المدينة" عام 1988، أسند محمد خان دوره إلى الوجه الجديد وقتها محمود حميدة لينطلق بطلاً على الشاشة الفضية. ومن أهم الأدوار التي قدمها محمود يس في عز نجوميته عام 1980 "انتبهوا أيها السادة" وهو دور الزبال الذي جاءه بعد اعتذار سعيد صالح! ومن الأفلام التي اعتذرت عنها فاتن حمامة "اليوم السادس" ليوسف شاهين، فأسند الأخير الدور إلى المطربة العالمية داليدا التي انتحرت بعد أسابيع قليلة من عرض الفيلم! وعندما اعتذرت فاتن حمامة عن عدم أداء دور نفيسة في فيلم "بداية ونهاية"، أسند المخرج صلاح أبو سيف دورها إلى سناء جميل، فكان دور عمرها أهّلها لنيل عشرات الجوائز. ولولا اعتذار ماجدة الرومي عن فيلم "سكوت ح نصور" لما أسند يوسف شاهين الدور إلى لطيفة. هل يعلم أحد على سبيل المثال أنّ دور المخبر الذي لعبه صلاح عبد الله في فيلم داود عبد السيد "مواطن ومخبر وحرامي" وحصل على ثلاث جوائز "أفضل ممثل" قد عرض في البداية على محمود عبد العزيز؟ وقبل أن يصل إلى صلاح، كان قد اعتذر عنه إبراهيم نصر! أكثر من ذلك، فإنّ دور المواطن في الفيلم نفسه كان عادل إمام أول المرشحين له قبل أن يصبح من نصيب خالد أبو النجا! يعتقد البعض أنّ النجوم الكبار يفكرون ألف مرة عندما يعلمون أنّ نجماً قد سبقهم واعتذر عن الدور نفسه، وبالطبع فإن كل نجم يتمنى أن يصبح هو صاحب الترشيح الأول. لكنهم أيضاً إذا أعجبتهم الشخصية، سيتغاضون عن ذلك. مثلاً سعاد حسني التي كانت المرشحة الأولى لفيلم "حبيبتي" عام 1975 اعتذرت في اللحظات الأخيرة عن عدم السفر إلى لبنان حيث جرت أحداث الفيلم. وقبل 48 ساعة فقط من التصوير، أقنع المخرج هنري بركات فاتن حمامة بالبطولة. الأمثلة عديدة لكن من سوء حظ النبوي أنّه وقع تحت مرمى نيران آدم بينما آدم عليه أن يدرك أيضاً أنّ النبوي لن يكتفي بالدفاع لكنه سيواصل إطلاق النيران ضد آدم!