عندما يشعر السائح في روما بأن قدميه لا تستطيعان حمله بعد جولة شاقة تفقد فيها كاتدرائية «بيتر» ونافورة «تريفي»، فإنه يبحث عن واحة يشعر بالهدوء والاستجمام. ويستقر الحال بكثير من السياح بعد يوم شاق في روما التي تنبض بالحركة والحياة، بميدان «مادونا دي مونتي» بينما يحل عليهم التعب والإرهاق وتجول في رأسهم ذكريات وانطباعات رائعة عن كل ما شاهدوه. وبعدما يطلبون قدحاً من الكابوتشينو تقع أعينهم على مكان تتشابه ملامحه مع ملامح الريف الهاديء، فها هي سيدات يضعن حقائب التسوق البلاستيكية على الأسفلت ليتجاذبن أطراف الحديث، وها هم فتية يلهون ويسددون الكرة باتجاه جدار الكنيسة، في حين يملأ رجال كبار في السن زجاجات بلاستيكية بمياه النافورة. كل هذه المشاهد القروية يمكن رؤيتها في حي «مونتي» الذي يقع في قلب العاصمة الإيطالية روما ويبدو أشبه بالقرية. يقع بجانب مدرج الكولوسيوم – خلف الفورم رومانوم مباشرة - أحد أقدم أحياء روما على الإطلاق، وقبل عدة قرون كان يُطلق على هذا الحي اسم «Suburra»، أي المكان الذي تنتشر فيه المواخير والرعاع. ولكن مع بداية القرن الحادي والعشرين تغير هذا الوجه القبيح، حيث استقر بحي مونتي أصحاب محال المواد الغذائية وصغار التجار وحرفيين افتتحوا به ورش للزجاج والمعادن والأخشاب. وأثناء التجول في شوارع هذا الحي الضيقة والمعبدة بأحجار البازلت يلفت انتباه السائح على الفور محلات جديدة للموضة، وها هو محل لوجبات السوشي السريعة بالقرب من الميدان مباشرة، وعلى بعد خطوات بسيطة محل للمنتجات العضوية ذو ديكورات عصرية تماماً. وفي ليال الصيف الحارة يتخذ الشباب من حي مونتي مكاناً لتجمعاتهم ويملأونه صخباً لدرجة تستدعي تدخل الشرطة. وتتغزل صحيفة وبالطبع لا يروق لبعض سكان حي مونتي اختياره كحي للاتجاهات العصرية بروما، لخشيتهم أن يترتب على ذلك تغير ملامح أحد أقدم أحياء المدينة العتيقة. لذا قام المخرج الإيطالي المخضرم ماريو مونيسيلي (94 عاماً) الذي يطلق عليه أبو الكوميديا الإيطالية والذي يعيش في شارع «دي سيربنتي» بهذا الحي منذ أكثر من ربع قرن بإخراج فيلم قصير بعنوان «مونتي يقع بجانب الكولوسيوم مباشرة» لتخليد ذكرى الحي الذي قطنه وليوثق في الوقت ذاته المعالم المهددة بالاختفاء. وما زالت الحياة في حي الفقراء هذا الذي يقع في أحضان تلال «كويريناله» و«إسكويلينو» و«فيميناله» و«تشيليو»، تتسم بإيقاعها الفريد من نوعه. وعلى الرغم من أن السياح لم يتدفقوا على حي مونتي لفترات طويلة كحي «تراستيفيري» ذائع الصيت والذي يقع على الضفة الأخرى من نهر «التيبر»، غير أن المهندسين المعماريين والأطباء والمحامين احتلوا شرفات المنازل في الطوابق العليا منذ فترة طويلة، مما ترتب عليه ارتفاع أسعار الإيجار في الحي بشكل جنوني. وفي بداية حديث عن هذا الحي يقول المؤرخ الإيطالي ألبرتو مانودوري في كتابه "I rioni e i quartiere di Roma" عن أحياء روما :"حي مونتي هو أول أحياء روما". ولقد منحت الهضاب المحيطة بحي مونتي والتي كانت فيما مضى جزءاً منه اسمه الرنان «جبال» والذي يفتخر به سكان الحي. ومنذ القدم يُعد حي مونتي منافساً قوياً لحي «تراستيفيري» الشهير، واليوم نجح الحي في أن يتخلص من ماضيه الذي لطخ سمعته في السابق. ويقال إن نيرون قيصر روما المُهاب جاء متخفياً إلى هذا الحي في جنح الليل وتجول في الأزقة الكائنة خلف «ساحة تراجان» ليسمع بنفسه ماذا يقول عامة الشعب عنه. وعندما يتعلق الأمر بحي مونتي يتحول المؤرخ مانودوري إلى شاعر، ويقول :"هو حي تفوح منه في أغلب الأحيان رائحة الفلفل الإيطالي الحلو المحمص أو رائحة اللحم الضأن في الفرن، وهو حي لا تعرف شوارعه وأزقته المعبدة بحجر البازلت أرصفة المشاة وتحتوي فقط على حواجز حجرية لحماية المشاة من السيارات". ويرى مانودوري أن قلب هذا الحي هو أبرز أماكنه، والذي يضم بين أركانه أزقة «بانيسبيرنا» و«بوشيتو» وشارع الغجر «Via degli Zingari»، حيث ينبض هذا المكان بالحركة والحياة، وهو الأمر الذي يروق لبعض سكان الحي والذين يحرصون على أن يسكنوا في الطوابق العليا للاستمتاع بالصيف وينعموا برؤية أسقف منازل وقباب كنائس روما والتي تلوح خلفها جبال الألب في الأفق في حال توافر رؤية جيدة. اقرئي أيضاً: موريشيوس جزيرة الشواطئ البيضاء والسياحة الفاخرة شرم الشيخ أيقونة البحر الأحمر