اعتاد محمد منير على إعادة تقديم أغنياتنا القديمة بصوته. هكذا مثلاً استمعنا إليه يقدم لشريفة فاضل أغنيتها الشعبية الشهيرة "على مين يا سيد العارفين". وقبل ذلك أعاد لنجاة أغنيتها الرومانسية "أنا بعشق البحر" وقبلها "شيء من بعيد ناداني" لمطربة مجهولة هي ليلى جمال، فاعتبرها الناس أغنيته. هذه المرة، نرى حالة جديدة ومختلفة حيث المزج بين صوت "سيدة الغناء العربي" أم كلثوم ومحمد منير وهما يرددان معاً "يا حبنا الكبير" التي تقول كلماتها: "يا حبنا الكبير والأول والأخير، يا ضممنا تحت ظلك وبخيرك الكتير". هذه الأغنية التي كتبها عبد الفتاح مصطفى ولحنها رياض السنباطي وغنتها "ثومة" في الستينيات، اكتفى منير بجزئها الأول لأنّ الكلمات تحمل قدراً كبيراً من التفاؤل. والحقيقة أنّ تلك تجربة مختلفة كان منير مصيباً عندما احتفظ  بصوت أم كلثوم الذي يعيدنا بشكل لا شعوري إلى زمن الستينيات الذي يحمل في الضمير العربي اعتزازاً بالقومية والوحدة العربية. جاءت الأغنية كأنّها بلسم يضمد جراحنا ونحن نرى نزيف الوطن في مصر وفي العديد من الميادين والساحات والشوارع. ويبقى في الحقيقة سؤال ليس لديّ إجابة قاطعة عنه، لكنّه فرض نفسه: هل توافق أم كلثوم على مزج صوتها وصوت منير؟ وهل كان الموسيقار رياض السنباطي ملحّن الأغنية ليتحمس لتلك التجربة؟ إجابتي أنّ أم كلثوم التي رحلت عن عالمنا عام 75 أي عندما كان منير يحاول طرق الأبواب في دنيا الغناء، لم تكن لتوافق على هذه التجربة. هي بتركيبتها المتحفظة، لا تتحمّس لتنفيذ هذه التجربة، فهي مثلاً منعت الموسيقار محمد عبد الوهاب ملحن "أنت عمري" من غنائها بصوته، والتسجيل الذي تقدمه بعض المحطات الإذاعية لـ "أنت عمري" بصوت عبد الوهاب طُرح في الأسواق بعد رحيل أم كلثوم. السنباطي أيضاً لا أعتقد أنه كان ليوافق على هذا الاقتراح لأنه ليس مثل الدويتو الذي جمع عبد الحليم وشادية من تلحين رياض السنباطي وحمل عنوان "لحن الوفاء" في الفيلم الذي جاء بالعنوان نفسه. كان السنباطي سيقول إنّ اللحن صنعه فقط لصوت أم كلثوم. لو تخيلنا أنّ منير استأذن كل من أم كلثوم والسنباطي وهما على قيد الحياة، فلن يحصل على موافقتهما. ورغم ذلك، فالمؤكد أنه من الناحية القانونية وتحسباً لأي مشكلات محتملة، فقد حصل منير على موافقة الورثة حتى يتمكن من تسجيل الأغنية. وبعيداً عن هذا التحليل، فلو أنك رصدت عدد المتابعين لهذا التسجيل في اليوتيوب وقارنته بمن تابعوه بصوت أم كلثوم فقط، ستكتشف أنّ منير أعاد الأغنية مرة أخرى إلى التداول. إنها واحدة من أرق الأغنيات الوطنية، ورغم ذلك فإنها مغرقة في العاطفة الجياشة وهي تتناول حب الوطن بتلك الكلمات الرقيقة. كان العديد من الفنانين يترددون في الموافقة على إعادة تقديم أغنياتهم ولكن نذكر مثلاً أنّ صباح رحّبت بل شاركت رولا سعد في غناء "يانا يانا"، وفريد الأطرش رشّح سعاد محمد لتقديم أغنيته "بقى عايز تنساني" بينما لم ترتح سعاد محمد عندما أعيد تقديم أغنيتها "وحشتني" بأكثر من صوت مثل خالد عجاج ومدحت صالح. كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يقول إنّه يسعد بإعادة تقديم أغانيه القديمة لأنّ المطرب الجديد سيذكّر الناس بأغنيته القديمة وقد يصبح لديهم حافز للاستماع إليها مجدداً بصوت مطربها الأصلي. ولهذا سمح في آخر أغنية رددها بصوته وهي "من غير ليه" أن يغنيها أكثر من صوت، إلا أنّه في الحقيقة ظل صوت عبد الوهاب هو الأجمل. ونعود إلى "حبنا الكبير" وأقول لكم نعم أشعر أنّ أم كلثوم والسنباطي كانا سيرفضان ذلك، لكن لا شك في أنّ المصريين والعرب يشعرون بأن هذه الأغنية تضمد جراحهم الآن، ولهذا أشعر أنّ روح السنباطي وأم كلثوم في العالم الآخر... سعيدة.