تتغيّر الأجور في الحياة الفنية وفقاً لثمن الفنان في السوق. وغالباً، فإنّ نجاح العمل الفني الأخير هو الذي يدفع شركات الإنتاج إلى التعاقد مع النجم وفقاً لما حققه من إيرادات سابقة، ولا أحد يحدد نسبة الزيادة. إلا أنّ الأمر لا يخلو من قفزات بالتأكيد. وقد يرتفع أجر الفنان مرة واحدة إلى رقم لم يكن يحلم به ثم يأتي فيلم آخر تنهار إيراداته، فيعيش الفنان في هذه الحالة كابوساً يهدّده بفقدان أعز ما يملك!

بينما نقرأ عن تلك الأرقام الخيالية التي سيتقاضاها نجوم الدراما التلفزيونية في رمضان القادم كعادل إمام وتامر حسني وغادة عبد الرازق وأحمد السقا وغيرهم، فإنّ السينما تغيرت معادلاتها الإنتاجية وصار على كبار النجوم أن يخفضوا أجورهم لو أرادوا الاستمرار سينمائياً. شركات الإنتاج الكبرى صارت تتحسس خطواتها الإنتاجية لأنّ العائد غير مضمون. في العام الماضي مثلاً، تراجعت الإيرادات بنسبة تجاوزت 25% عن 2011 ولم يستطع أحد أن يتجاوز فيلم محمد رمضان "عبده موتة" الذي حقق قرابة 4 ملايين دولار بينما لم تتجاوز كلفته مليون دولار. الكبار الذين لعبوا بطولة الأفلام لم تستطع أعمالهم الصمود في السوق. ولهذا صارت شركات الإنتاج الكبرى تتقاعس عن استكمال المشاريع التي سبق أن اتفقت عليها.

بالطبع، يشعر النجوم الكبار بحرج عندما يضطرون لخفض أجورهم لأنّ هذا يعني أنّ السوق لم يعد يرحّب بهم. والحقيقة أنّ الأمر ينبغي أن يؤخذ بقدر كبير من المرونة بشكل يتماشى مع إيقاع الزمن الذي نعيشه. مثلاً رغم أنه ليس من النجوم الذين يتجاوزون رقم المليون جنيه، إلا أنّ النجم خالد الصاوي كان قد وضع قاعدة مغايرة تماماً لكل تلك الأرقام الفلكية وأعلنها في الصحف وهي أنّ أجره يزداد من عمل إلى آخر بنسبة لا تتجاوز 10%. يذكرني الصاوي بمقولة المطرب الفكاهي عزيز عثمان الخالدة في "اسكتش" ليلى مراد "اللي يقدر على قلبي": "مربوط ع الدرجة التاسعة والناس درجات ومرشح آخد الثامنة غير العلاوات". وبما أنه يقدم عادة فيلماً ومسلسلاً في العام، فإنّه يستحق أن يظل على علاوة الـ 10% رغم أنّ أجور الفنانين تخضع بالتأكيد لمؤشر آخر!

كانت نصيحة مارلون براندو لجاك نيكلسون أن يعرف بالضبط ما الذي يساويه عند شركات الإنتاج، وأن يخفض أجره قليلاً بعد ذلك حتى تتسع أمامه الاختيارات الفنية. وهي نصيحة ينبغي أن يأخذ بها نجوم الملايين إذا أرادوا العودة مجدداً إلى الشاشة الفضية. والحقيقة أنّ في السينما المصرية نجماً واحداً فعل ما هو أكثر من ذلك هو محمود حميدة الذي قال لي إنّ أغلب الأدوار التي أحبها قدمها مجاناً. قلت له: "والآن هل تفعل ذلك؟". أجابني: "أتحدث عن أفلامي قبل خمس سنوات"!

لا أعتقد أنّ هناك نجماً آخر فعل مثل حميدة. رغم ذلك، فإنّ نسبة الـ 10% التي يزيدها خالد الصاوي على أجره عاماً بعد آخر، تشبه بالتأكيد خطواته الفنية. قد تختلف درجات النجاح. كما أنّ الفشل تتعدد درجاته. وأتصور أنّ الصاوي في هذه المرحلة غير معرّض لقفزة من تلك التي تدفعه إلى الأمام ليحتل مقدمة الصف ويجد نفسه يضاعف أجره بالملايين. كما أنه غير مهدد بأن يطيح به عمل فني ويقذف به خارج دائرة النجومية. علاوة الـ 10% لا يمكن تطبيقها إلا على الصاوي فقط لأنّ فيها ملامحه وهو التقدم خطوة خطوة صوب الناس والشباك. من المؤكد أنّ السوق سيجبر نجوم الملايين في السينما على خفض أجورهم ربما أكثر من 50% لو أرادوا الاستمرار سينمائياً... فهل هم يحبون حقاً السينما أم أنهم سيواصلون الهجرة إلى الشاشة الصغيرة لأنهم يحبّون أجورهم أكثر؟!