تُعد جزر سيشل جنة لعشاق الطبيعة العذراء؛ حيث تمتاز الجزر الواقعة في المحيط الهندي قبالة الساحل الشرق لأفريقيا بطبيعة لا تزال بكراً تزخر بالغابات الخضراء والشواطئ الساحرة والمياه الفيروزية. وللحفاظ على هذا الكنز تعول سيشل على السياحة الصديقة للبيئة؛ حيث لا توجد بهذه الجزر فنادق شاهقة الارتفاع أو منتجعات سياحية ضخمة، إنما أماكن صغيرة تنتشر في أحضان الطبيعة الخلابة. وإلى جانب صيد الأسماك يعيش معظم سكان سيشل اعتماداً على عائدات السياحة بشكل أساسي منذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي. ويعتبر جول راديغوندا واحداً من هؤلاء الأشخاص الذين يستفيدون من الطبيعة البكر حول جزيرة لاديغ التي لم تعبث بها يد الإنسان، ولا تزال محتفظة برونقها الطبيعي إلى حد كبير، وتتجلى فوائد البيئة المحيطة به كل صباح عندما يقوم الموردون بتوريد حصة أسماك الحبار اللازمة لإعداد أطباق المأكولات البحرية بعد صيدها من البحر مباشرة.

كوكتيل الفواكه

وهناك ندبة طويلة تزين ظهر يد جول راديغوندا، ويحكي أن هذه الندبة عبارة عن تذكار من رحلات الصيد الطويلة، وربما كانت بسبب أسماك الواهو أو التونة. أما عمله الرئيسي الآن فيمتاز بأنه أقل خطورة، حيث يعمل هو وزوجته في مقهى أمام منزله الواقع على الساحل الشرقي للجزيرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. ويقدم في هذا المقهى كوكتيلات الفواكه مثل المانجو والموز، كما يقدم لزبائنه أيضاً ثمار جوز الهند، التي يفتحها أمامهم بالساطور. وتأتي هذه الثمار من الحدائق الكثيرة المنتشرة في هذه الجزيرة الواقعة بالمحيط الهندي. وتحل أكشاك كوكتيل الفواكه على الطريق محل محطات التزود بالوقود في هذه الجزيرة الخالية من السيارات تقريباً. ويعتمد السكان المحليون والسياح أيضاً في تنقلاتهم على الدراجات الهوائية. وفي ظل درجات الحرارة الاستوائية يتعرض الأشخاص للعطش الشديد أثناء تنقلاتهم في أرجاء الجزيرة. وعندما يتمكن السياح من التسلق إلى قمة جزيرة "إيل دو نور" أي نورث آيلاند بصحبة ليندا فانهيرك، فإنه سينعم بالانتعاش والاسترخاء، وينتابه شعور بالبقاء على هذه الجزيرة. وتقوم ليندا فانهيرك البلجيكية بإدارة مشروع الترميم، وتحكي الكثير من القصص والحكايات عن عملها أثناء تنقلاتها في الجزيرة.

تاريخ مروع

ومن خلال هذه القصص يبدو تاريخ الجزيرة مروعاً، فمع انهيار صناعة جوز الهند واجهت الجزيرة مصيراً مؤسفاً؛ حيث انتشرت الصنوبريات السامة، التي زُرعت في البداية كمصدات للرياح والنباتات المتسلقة، في جميع أرجاء الجزيرة والتهمت المساحة المُخصصة للغطاء النباتي الطبيعي، بينما قامت الفئران بتسلق الأشجار والتهام البيض من أعشاش الطيور، وقد تم توجيه القطط الوحشية بالفعل للقضاء على طاعون الفئران المنتشر على الجزيرة الصغيرة، التي تبلغ مساحتها 201 هكتار، إلا أن هذه القطط كانت تفضل التهام الطيور البحرية. وظلت جزيرة نورث آيلاند بعيدة عن الخريطة السياحية لهذه الجنة الواقعة في المحيط الهندي. ولكن في عام 1997 بدأت شركة للسياحة الفاخرة في جنوب أفريقيا إعادة بناء النظام البيئي المنهار في هذ الجزيرة، من خلال قتل القطط الضالة، وتقديم طُعم سام للقوارض المنتشرة في الجزيرة. ونظراً لعدم وجود فريسة في الجزيرة فقد عانت طيور البوم على أشجار النخيل من الجوع، ولم يكن بفعل الإنسان، حيث توضح عالمة الأحياء البلجيكية، التي تعيش وتعمل في جزيرة نورث آيلاند منذ 2005، أن هذا العام شهد القضاء على آخر الفئران في الجزيرة. وتحكي ليندا فانهيرك قائلة :"عندما كنا نسير في الغابة آنذاك، كانت تنتشر رائحة نتنة، بسبب كثرة الفئران الميتة. ولكن بعد قتل الأنواع الغريبة من الفئران، بدأنا في إعادة أنواع الطيور والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض في مستنقعات المياه العذبة في الجزيرة.

قصص خيالية

ويتم تمويل عمليات العودة إلى الطبيعة البكر على هذه الجزيرة الخاصة من خلال 11 فيلا باهظة التكلفة، توفر للسياح فرصة الاستمتاع بالطبيعة الخلابة في انعزال تام عن الحياة المدنية الصاخبة، في أجواء مستوحاة من قصة روبنسون كروز الخيالية. وأشار نوبل كاميرون إلى ارتفاع تكاليف حماية البيئة بقوله :"إعادة تأهيل الجزيرة يعتبر من الأمور الرائعة للغاية، لكن يجب الحفاظ على كل جزء يتم إصلاحه". وأوضحت ليندا فانهيرك :"لا يقتصر الأمر فقط على مجرد عودة الطيور أو زراعة أشجار الفاكهة الطبيعية والتأكد من وجود أراضي كافية للحشرات"، لذلك تعمل الخبيرة البلجيكية مع فريقها على انتشار أشجار الفاكهة في أنحاء الجزيرة، لكي تحل في وقت قصير للغاية محل أشجار جوز الهند المقطوعة. وتتماشى هذه المحمية الخاصة مع استراتيجية الحكومة، التي سعت خلال العقدين الماضيين إلى إنشاء الكثير من المحميات الطبيعية والاهتمام أكثر بحماية البيئة. وعندما تقف ليندا فانهيرك على الصخرة التي يبلغ ارتفاعها 110 متر وتتجولون بناظريها في هذه الجزيرة الخضراء، تشعر بالفخر ويظهر عليها ملامح الشخص الذي يرى مشروع حياته حقيقة ماثلة أمام عينه.