قبل أن ينتهي العام، كانت هناك احتفالية بذكرى ولادة "سيدة الغناء العربي" أم كلثوم. لا أحد يستطيع أن يحدد على وجه الدقة العام الذي ولدت فيه "كوكب الشرق" بينما لا يوجد خلاف على اليوم، فهو 30 كانون الأول (ديسمبر). البعض يقول إنّها مولودة عام 1904. ومن بين المؤرخين مَن يؤكد أنّها اختصرت ست سنوات، وهناك من يزيد سنوات الاختصار إلى عشر. هل هي كذبة بيضاء؟ فأم كلثوم كانت حريصة طوال حياتها على أن تحيل تاريخ ميلادها إلى سر أشبه بالأسرار العسكرية، بل أكثر من ذلك. فبعد مرور 50 عاماً، تسقط دواعي السرية عن السرّ الحربي بينما لا يزال عام ولادة أم كلثوم محتفظاً بسريته أو إن شئت الدقة بغموضه حتى الآن. الكذب يراه البعض متعدد الألوان من الأبيض والأسود إلى الأصفر والرمادي وغيرها من ألوان الطيف. لا أحد يستطيع أن يجزم أنّه لم يطلب يوماً حق اللجوء للأكاذيب خصوصاً تلك البيضاء! لو رجعت إلى شهادات ميلاد أغلب النجوم وقارنتها بالحقيقة التي قد تراها من خلال الأعمال الفنية التي تعتبر بمثابة توثيق لحياة الفنان، سوف تكتشف أنهم يختصرون العديد من الأعوام. وهذا الأمر لا يقتصر فقط على النساء كما يعتقد البعض. بل إنّ النجوم الرجال كثيراً ما يختصرون سنوات من أعمارهم، ومن الممكن بالطبع التعامل مع هذا النوع من الكذب على أنّه يندرج ضمن قانون كذب اللون الأبيض. إلا أنّ هناك بعض الأكاذيب التي تؤثر في التقييم التاريخي لحياة الفنان. أتذكر مثلاً أنّه طوال حياته وفي التسجيل الذي تحتفظ به الإذاعة المصرية بصوته ويروي فيه قصة حياته، لم يذكر عبد الحليم حافظ أبداً أنه دخل الملجأ وهو طفل، وأنّه انتقل من الملجأ إلى القاهرة بعدما كسرت ذراعه، فذهب إلى شقيقه الأكبر إسماعيل شبانة في القاهرة للعلاج وأيضاً لتوفير الرعاية الفنية له. عبد الحليم يقدّم حكاية أخرى مسجلة بصوته هي أنّ محمد عبد الوهاب زار قريتهم "الحلوات" في محافظة الشرقية لإحياء فرح هناك وأنّه صعد فوق سطوح أحد البيوت. وبسبب اندماجه في متابعة عبد الوهاب، سقط وكسر ذراعه فذهب إلى القاهرة. شاهد الإثبات على واقعة سقوط عبد الحليم من سرير الملجأ هو الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي كان زميلاً لعبد الحليم في الملجأ، وهو الذي وثق هذه الحكاية بل أضاف أنّ عبد الحليم لم يتحمس للغناء له طوال تاريخه لأنه لا يريد لأحد أن يتعرّف إلى هذه الحقيقة لأنّ "نجماً" بطبيعته لو جاءت له الفرصة فسوف يروي الكثير. أيضاً في حياة أم كلثوم حقيقة لم تعلنها أبداً. كان الموسيقار محمود الشريف يعلم جيداً أنه لن يلحّن لأم كلثوم لأنّهما ارتبطا عام 1946 بخطوبة قصيرة قال البعض وقتها إنّها زواج غير معلن. وفي مذكراتها التي روتها للإذاعي الكبير وجدي الحكيم وتقدمها الإذاعة المصرية بين الحين والآخر، لا تذكر أم كلثوم أيضاً هذه الواقعة. كان للشريف يقين أنّ أم كلثوم لن تغني من ألحانه حتى لا تعيد فتح هذا الملف العاطفي خصوصاً أنّها تزوّجت عام 1954 بالدكتور حسن الحفناوي الذي كان ــ كما روى لي الشريف ـــ  صديقه المقرب، وهو الذي تولى تقديمه لأم كلثوم أثناء فترة خطوبتهما معاً؟! عبد الوهاب مثلاً عندما طلب منه الرئيس جمال عبد الناصر عام 1958 أن يشارك في إحياء حفل في دمشق احتفاءً بالوحدة بين مصر وسوريا، كان ينبغي له أن يسافر بالطائرة. حتى ذلك العام، كان عبد الوهاب يعاني من "فوبيا" (الخوف الشديد) من الطائرات، وكان يسافر فقط بالباخرة. لم يستطع أن يخبر عبد الناصر بتلك الهواجس، لكنه ادعى إصابته ببرد شديد ووضع يده على قربة ماء ساخن لخداع مندوب الرئاسة ليتأكد أنّ درجة حرارته مرتفعة. لكنّ أحد المقربين من الرئيس عبد الناصر وهو كبير الياوران وقتها صلاح الشاهد، كانت لديه صداقات في الوسط الفني ويعرف حكاية "الفوبيا" فهمس لعبد الناصر بأنّ عبد الوهاب يتمارض، فأصدر عبد الناصر أوامره بسفر عبد الوهاب بالطائرة. الغريب أنه بعدما استقل عبد الوهاب الطائرة ووصل إلى دمشق وقبل موعد الحفل بساعات، أصيب بالفعل بارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة حال دون غنائه في دمشق! الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا كانت تؤكد دوماً أنّها لم تتزوج سوى 13 مرة وأنّ آخر أزواجها كان الكاتب والمخرج والممثل فايز حلاوة الذي حمل رقم 13 رغم أنّ الحقيقة المثبتة أنّ عدد أزواج تحية كاريوكا منح فايز حلاوة لقب الزوج رقم 19! نعم الكبار يكذبون أحياناً حتى ولو كانت بعض هذه الأكاذيب بيضاء! أما نجوم هذه الأيام، فإن أكاذيبهم متعددة الألوان ولا تقتصر فقط على اللون الأبيض ولكن هذه قصة أخرى!