لا أميل إلى هذا التصنيف الذي يضع للإبداع خطوطاً بين ما هو رجالي ونسائي. في تسابقات القوى الجسدية بالطبع هناك كرة قدم للرجال وأخرى للنساء و سباق سباحة للنساء وآخر للرجال ولكن في مجال الفن والثقافة يصبح الفيصل الوحيد هو ما الذي يحتويه العمل الفني من تفرد. وهكذا شاهدت في مهرجان دبي الفيلم السعودي "واجدة" للمخرجة هيفاء المنصور والتي أرى أنها قد حققت للفيلم الروائي السعودي تواجداً فرض نفسه عالمياً وعربياً. المملكة العربية السعودية نظرياً ليست جديدة على الدخول إلى مجال الفيلم الروائي الطويل هناك أكثر من محاولة سابقة، ولكن الفيلم الذي كتبته وأخرجته السعودية هيفاء المنصور يضع السينما على الطريق الصحيح، الشريط السينمائي الناضج بمفرداته السينمائية والذي من الممكن أن يفتح الباب أمام أفلاماً روائية أخرى قادمة هو بلا شك "واجدة". مثلاً المخرج السعودي عبد الله المحيسن له فيلمين روائيين سابقين ولكن تظل هيفاء هي أول مخرجة سعودية تتواجد في المهرجانات الكبرى حيث بدأت رحلتها مع هذا الفيلم في مهرجان فينسيا الذي عقد في شهر سبتمبر الماضي وبعدها انتقل إلى مهرجان دبي ليتنافس على جائزة المهر لأفضل فيلم عربي. السينما هي أكثر الفنون التي تتنفس فقط من خلال الإقبال الجماهيري وهي دوماً  تحتاج إلى أرض تسمح بالانتقاد الاجتماعي، وفي الخليج بسبب العديد من المحظورات يبدو وكأن الأمر عصياً على الاقتحام، هيفاء المنصور بدأت خطوة جريئة. قد يبدو الأمر للوهلة الأولى لمن ينظر خارج الإطار الاجتماعي لا يعني شيئاً ولكنه في السعودية تحديداً وفي الخليج بوجه عام لا شك أنه يعني الكثير. القضية هي الحرية وحقوق المرأة ومن خلال عيون طفلة نحاول أن نعثر على إجابة لهذا السؤال كيف يسمح لفتاة صغيرة بأن تقود دراجة في الشارع. إنه أحد الممنوعات ولكن هيفاء المنصور تقدم فتاة صغيرة تحلم بأن تركب دراجة مثل زميلها حاولت أكثر من مرة أن تقودها خلسة ولكن دائماً هناك صوت يعلو بالتحريم. تنتهي الأحداث بأن نرى الفتاة وهي تستقل الدراجة في الشارع بحرية بعد أن اشترتها لها أمها ليقدم الفيلم ملمحاً آخر في الدعوة للتحرر، الأم تُمثل جيل سابق ولكنه يؤمن بالحرية والمساواة حتى لو لم تترجم ذلك عملياً في حياتها فهي تحققه من خلال ابنتها. لا يتوقف الأمر عند تلك النقطة الفارقة ولكن السيناريو أيضاً يواصل طرق الباب عندما تضع الفتاة اسمها في شجرة العائلة المرسومة عل الحائط برغم أن الشجرة تخلو تماماً من أي اعتراف بالمرأة. هيفاء المنصور تُقدم فيلماً يحمل الكثير من اللمحات الإبداعية ولكن لا يمكن أن نتابعه بعيداً عن القيود الاجتماعية التي تستند إلى معايير دينية. حلم الدراجة هو المحرك للأحداث وتبدأ الفتاة بوضع الخطة وهي أن عليها أن تحصل على المال. ويضع السيناريو أمام الفتاة تحدي آخر وهو حفظ القرآن وتجويده وتفسير معانيه إنها تبدو واحدة من الحواجز الصعبة والهدف الذي تحلم به الفتاة ليس حفظ القرآن ولكن  شراء الدراجة وأرى في هذا الاختيار تحدي آخر في ظل مجتمع بطبعه لا يسمح بالاقتراب من المقدس على أي نحو. وتفوز بالجائزة ولا تخفي هدفها الأثير وهو أن تشتري دراجة. وفي مقايضة ساخرة تتعرض الفتاة لنوع آخر من القهر عندما تقرر المعلمة أن الفتاة  - رغما عنها - سوف تهدي الألف ريال إلى الفلسطينيين دعماً لقضيتهم. من الملامح الهامة في الفيلم أن المخرجة مثلاً لا تطبق قانون الحجاب على البطلات  فهن لا يرتدين الحجاب في البيت ولا المدرسة فقط في الشارع. هذه تبدو تفصيلة ولكنها تؤكد على أن السعودية لا تطبق معايير دينية مباشرة على الفيلم برغم أنه حصل على القسط الأكبر في تمويله من شركات سعودية. أجادت المخرجة توجيه الأطفال في الأداء أمام الكاميرا وحافظت على تلقائية الطفلين. كما أنها نجحت في تقديم سينما وليس مجرد شريط سينمائي، إنها سينما بها مفردات اللغة الفنية وتحمل في نفس الوقت موقفاً تحريضياً يراهن على حق الإنسان في الحرية ويدفع  المرأة أن تنزع حقوقها ومن المؤكد أنه سيفتح الباب أمام أفلام قادمة قادرة على المشاغبة. أكتب هذه الكلمة قبل إعلان نتائج المهرجان ولا أدري إذا كان "واجدة" له نصيب منها أم لا ولكن ما حققه الفيلم أراه أبعد وأهم من كل ذلك وهو أنه أنار الطريق للرجال والنساء للمضي قدماً نحو سينما سعودية لا تعرف رجل أم امرأة فقط إبداع أو لا إبداع!!