حصلت إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي" على موافقة أسرة الراحل أحمد رمزي لتكريمه في المهرجان الذي يعقد في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. كان رمزي ينزعج جداً من حكاية التكريم ويقول ساخراً: "سيكرّمني وزير يجلس على الكرسي عاماً أو خمسة أعوام. وبعدها، سيترك موقعه بينما أفلامي موجودة قبله، وستظل بعده". حدث قبل سبع سنوات أن قرّر مهرجان القاهرة تكريم رمزي وحسن يوسف في الدورة نفسها، فاعترض وزير الثقافة وقتها فاروق حسني على تكريم حسن يوسف بحجة أنّه أطلق لحيته (ملحوظة ينكر الآن فاروق حسني تلك الواقعة). لكن في كل الأحوال، الحقيقة أنّه بعد استبعاد حسن يوسف بسبب الوزير الأسبق أو لأسباب أخرى، لم يبق غير رمزي الذي اعتذر هو أيضاً عن عدم الحضور في اللحظات الأخيرة وتسلم الجائزة بدلاً منه رئيس شرف المهرجان وصديق عمره عمر الشريف. لكنّ رمزي لم يهتم أبداً بالتكريم ولم يحدث في أي حوار له أن أشار حتى إليه بأي نوع من التقدير. ولا شك في أنّ رمزي كان علامة هامة على الخريطة الفنية رغم أنّه لا يملك في رصيده الفني ما يضعه في المركز الأول على مستوى الكم. كما أنك لن تلمح تنوعاً في طبيعة الأدوار التي أسندت إليه لا هو تمرد ولا حاول المخرجون العثور على نغمة إبداعية مغايرة لما هو سائد. في بداية الانطلاق منتصف الخمسينيات، جسّد دور الشاب المستهتر أو الثري أو صديق البطل الشهواني المنفلت الذي يحاول إفساد البطل.. لم يكن رمزي يؤدي في الحقيقة دور صديق البطل، لكنّ السينما اخترعت له دوراً موازياً للبطل، ليس هو الخصم وليس التابع وليس الكوميديان ولكنّه المساوي له. أهم ما حقّقه أحمد رمزي لم يكن على الشاشة ولكن في الشارع عندما أصبح النموذج الذي يؤثر في الناس ويقلده الشباب بالقميص المفتوح الأزرار وشعر صدره الغزير والسلسلة التي تتدلى من عنقه، حتى أنّ للمذيعة ليلى رستم تسجيلاً معه لا ينساه المشاهدون عندما سألته عن تلك السلسلة ذات الفصوص الزرقاء، فأجابها إنّها تبعد الحسد. فقالت بنوع من السخرية "يختي عليه". وعلى مدى نصف قرن، لم تغادر هذه الكلمات ذاكرة الناس، خصوصاً أنّ أرشيف التلفزيون المصري احتفظ بها ويعيدها كثيراً على قنواته. تستطيع أن تلمس إنجاز رمزي الفني في تقديمه تلك الحالة من الطبيعية في الأداء على الشاشة. رمزي كان نموذج الشباب في الخمسينيات والستينيات وقاوم حتى السبعينيات. لكن بعد ذلك، تغيّرت السينما ودفعت بشبان جدد ولم يجد نفسه بينهم. بالتأكيد، فالجيل كلّه تأثر بمن سبقه بسنوات قليلة مثل كمال الشناوي، وأحمد مظهر، وفريد شوقي. الكل شعر أنّ إيقاع الزمن اختلف مع بزوغ نجومية جيل محمود يس، ونور الشريف وحسين فهمي. هكذا مثلاً وجدنا فريد شوقي في منتصف السبعينيات ينتج لنفسه فيلم "ومضي قطار العمر" ليحدد مسار سنواته القادمة بينما أقصى ما فعله رمزي أنّه وضع "باروكة" شعر لتخفي صلعته. لكنّ الزمن ترك بصمته على ملامح وجهه، فلم يعد الأمر متعلقاً بالرأس فقط. الابتعاد كان قراره وكان أيضاً السوق الفني قاسياً عليه، ولم يظهر إلا في مسلسلي "وجه القمر" مع فاتن حمامة و"حنان وحنين" مع عمر الشريف. وبالطبع كانت صداقته مع عمر وفاتن هي الدافع  للتواجد. كما أنه سجّل الحوار الذي أجراه معه أحمد السقا قبل سنوات قليلة وسبقه ربما حوار مع صفاء أبو السعود في برنامجها "ساعة صفا"، بالإضافة إلى أنّ إيناس الدغيدي استضافته في مطلع هذا العام في برنامج جديد لها لم يعرض حتى الآن، وكان الطرف الآخر في الحوار نفسه هو عمر الشريف. لم يكن رمزي رافضاً للظهور إعلامياً بدليل تلك التسجيلات التي وافق على إجرائها، لكنّه لم يرحب أبداً بالتكريم طوال حياته، فهل يقبل الورثة التكريم بعد رحيله؟