خرج فيلم "المواطن" الذي لعب بطولته خالد النبوي من مهرجان "أبو ظبي" كأنه لم يدخل أصلاً. مَن شاهد الفيلم كان لديه يقين بأنّه لا يمكن أن يحظى بأي جائزة باستثناء واحد فقط اعتقد أنّه يقدم تُحفة فنية لا قبلها ولا بعدها، وسوف يصبح هو المانشيت الرئيسي في الصحافة العالمية. إنّه بطل الفيلم خالد النبوي! وسط ضجة إعلامية سبقت العرض باعتباره وارد هوليوود على سنّ ورمح وتحفة في مجال الفنّ السابع، جاء العرض في بدايات المهرجان وسط حضور كبير من الجمهور وخيبة أمل أكبر فاضت على الوجوه. الفيلم تنافس داخل قسم "آفاق جديدة" المخصص للعمل الأول للمخرجين، إذ إنّه أول فيلم للمخرج السوري الجذور سام قاضي. عندما طلبت المحطات الفضائية إجراء حوار مع خالد عن الفيلم، اشترط اللغة الإنكليزية قائلاً إنّه شريط عالمي مُقدم إلى الجمهور كلّه وليس فقط للعرب. البعض استجاب لهذا الشرط التعسفي، والآخرون وجدوا فيه نوعاً من التعالي غير المبرر، فقرروا تجاهل الفيلم والنجم. وتبقى بعض الأسئلة: هل بطولة فيلم ذي لغة إنكليزية يجري تصويره في أميركا أو حتى هوليوود أمر يعني أنّ بطله قد صار بين ليلة وضحاها نجماً هوليوودياً يقول لتوم كروز وبراد بيت وتوم هانكس "قوم وأنت بتكلمني؟". يبدو أنّ خالد النبوي يؤرقه هذا الهاجس ويسعى لكي يصدّر تلك الكذبة للجمهور العربي، وخصوصاً المصري. يؤدي خالد في "المواطن" دور الشاب اللبناني الذي يجد نفسه دائماً في حالة صراع داخلي ومطاردة من دولة عربية إلى أخرى. فالحرب الأهلية في لبنان تبعده عنها، ويفقد والديه. وبعد ذلك، يلقى مصيره في أتون حرب أخرى بين دولتين شقيقتين أثناء الغزو العراقي للكويت ثم يعاني مثل ملايين المواطنين العرب ويتقدم للهجرة إلى أميركا ويحصل على "الكارت" الأخضر الذي يتيح له السفر بلا تعقيدات إدارية. شاب طموح يجيد الإنكليزية ويمتلك خبرة كمهندس سيارات. وفي المطار، لم يأت ابن عمه بسبب خطأ ما غير مقصود، فيختلط عليه اسم المطار ويفقد التواصل معه ويذهب إلى فندق متواضع  لكي يبيت ليلة تمتد إلى ليال وشهور وسنوات. أحداث سبتمبر 2001 تلقي بظلال سيئة، فيجد نفسه متهماً ورهن التحقيق والتوقيف بسبب تشابه اسمه مع إرهابي، فتحاصره الشكوك. تشعر أنّ الفيلم مصنوع من أجل هدف واحد فقط وهو التأكيد على أنّ نجومية خالد النبوي تجاوزت تخوم الحدود العربية، فأصبح نجماً عالمياً يمنحه المخرج بين الحين والآخر موقفاً درامياً ساخناً للتأكيد على قواه الجسدية الخارقة وعلى رجاحة عقله وثقافته الموسوعية الخارقة. حتى أنّه يمهّد مع اقتراب نهاية الأحداث لتلك المواجهة بينه وممثل الادعاء الأميركي ويضع له مشهداً ليدلل على أنّه قاهر الأميركيين. الحالة السينمائية التي يقدمها المخرج شديدة التواضع. على الصعيد الفكري، يرسّخ الفيلم للحلم الأميركي كأنه الطريق الوحيد للحياة ويحيل نضال المواطن العربي ليس لتأكيد ذاته وأفكاره وتغيير مجتمعه وواقعه إلى الأفضل، بل إلى تعميق حالة الهوان العربي وخفوت الاعتزاز الوطني كأنّه يهتف في النهاية "تحيا أميركا ويعيش العم سام". خالد دائماً لديه هاجس يسيطر عليه ويطرد النوم من عينيه هو أن يؤكد على تفرّده بين كل أقرانه المحليين. شارك من قبل في مشاهد قليلة في أكثر من فيلم أجنبي مثل "مملكة الجنة" للمخرج ريدلي سكوت، و"لعبة عادلة" للمخرج دوغ ليمان، وكان دوراً هامشياً في الأول وأقل من ثانوي في الثاني، إلا أنّه صنع لنفسه دعاية صاخبة في الصحافة المصرية والعربية. ويكفي أن نتذكر كيف تناقلت كل الجرائد والمواقع الإلكترونية صورته مع بطلة فيلم "لعبة عادلة" ناعومي واتس بعدما شارك قبل ثلاث سنوات في المسابقة الرسمية لمهرجان "كان". كما أنّ مشاهده في "مملكة الجنة" كانت قليلة ودوره هامشياً بينما الفنان السوري غسان مسعود الذي أدى الدور الرئيسي (صلاح الدين الأيوبي) لم يمنحه الإعلام العربي أي مساحة تقارن بخالد لأنه لا يجيد صناعة الدعاية لنفسه. الفيلمان بالطبع ينتميان إلى السينما العالمية الهوليوودية لكنه مع "المواطن"، يفتقد كل المقومات العالمية. المؤكد أنّ تسويق الفيلم مصرياً وعربياً محفوف بالمخاطر لأنّ خالد ليس من النجوم المحليين الذين لديهم شباك تذاكر. لماذا يبدد خالد النبوي طاقته في صناعة وهج إعلامي يشبه فقاقيع الصابون التي لا تمكث سوى لحظات قبل أن تتبدّد كأنها لم تكن.. فيلم "المواطن" هو تلك الفقاقيع السينمائية التي لن تتجاوز زمن عرضها، وبعدها نسأل: هل كان هناك حقيقة فيلم؟ وهل خالد النبوي اقتحم هوليوود أم أنّه يعيش الحلم الذي صار كابوساً؟!