هل كانت مجرد مصادفة؟ المؤكد أنّها مقصودة ومع سبق الإصرار والترصد. أغلب الذين شاركوا في بطولة فيلم "ساعة ونص" هم من أبناء الفنانين، بل إنّ الاستثناء هو أن يشارك مَن كان والده خارج الدائرة الفنية. أبناء عادل إمام، فاروق الفيشاوي، محمود عبد العزيز، مصطفى متولي، فاروق فلوكس، صلاح السعدني وحفيدة كل من فريد شوقي وهدى سلطان... كل هؤلاء كانوا أبطال الفيلم، بل إن منتجه كريم السبكي هو ابن المنتج أحمد السبكي. عاشت مصر قبل ثورة يناير2011 في ظل كابوس التوريث السياسي. وكان هناك خط آخر يتحرك موازياً له وهو التوريث الفني. كل أبناء الفنانين صاروا مثل آبائهم. لا نستطيع أن نلغي علم الوراثة أو ننكر دور البيئة، إلا أنّ الأمر كان يبدو كنوع من الاحتكار. كل العائلات الفنية يرث أبناؤها النوع الفني الذي مارسه الآباء كأنهم عائلة "الحلو" التي احتكرت مهنة ترويض الأسود في مصر على مدى قرن ولا تزال! لم يستطع أغلب أبناء الفنانين تحقيق نجاح يقترب إلى ما وصل إليه الآباء. مثلاً في مرحلة ما، حاولت فاتن حمامة الدفع بابنتها نادية إلى السينما. لكن التجربة باءت بالفشل ولم تكررها فاتن ولا نادية. لم أنزعج من ظاهرة توريث الفني حتى لو شابها بعض الصفقات والمجاملات لأنني أثق تماماً أنّ شباك التذاكر لن يتم تزويره ولن يستطيع أحد في نهاية الأمر أن يفرض فناناً على الناس. من أسوأ عوارض خطورة ملف التوريث الفني كان حالة الزحام التي تؤدي أحياناً إلى ذهاب بعض الفرص إلى من لا يستحق، ناهيك بما كان يجري في الكواليس من صفقات. مثلاً، ابن النجم يستعان به في عمل فني. وفي المقابل، يقدم النجم الكبير خدمة مماثلة لمن منح الفرصة لابنه. جزء لا يستهان به من الأعمال التي يشارك فيها أبناء الفنانين كانت من نتائج قانون المقايضة. لكن ليست كل الصفقات كذلك. هيثم أحمد زكي لم يشارك بالمناسبة في فيلم "ساعة ونص". إنّه الحالة الاستثنائية، وهو أيضاً حالة استثنائية بين النجوم، فهو لم يمثل بدعم من والده بل إنّ أحمد زكي كان حريصاً على أن يتخذ هيثم طريقاً آخر. انطلاق هيثم جاء بعد رحيل والده عندما أكمل دوره في فيلم "حليم". وابتعد هيثم خمس سنوات وعاد في مسلسل "دوران شبرا". استمر في مسيرته بعيداً عن والده وأتصوّر أنه لم يرض أن يصبح مجرد رقم في فيلم "ساعة ونص" باعتباره ابناً لأحمد زكي. ولهذا لم يتحمس للمشاركة في العمل الذي كان يبحث عن أبناء الفنانين. وعندما يتعذر الاتفاق معهم، يبحث عن بديل آخر خارج العائلة الفنية. لو وضعنا الفنانين الذين شاركوا في "ساعة ونص" تحت "ترمومتر" الإبداع، سنجد أنّ أفضلهم كان ماجد الكدواني ولم يعرف أنّ أحداً من أقاربه حتى الدرجة الثالثة كانت له ميول فنية. ولو سألتني عن أفضل أبناء الفنانين في هذا الفيلم، لقلت أحمد فلوكس. أبوه فاروق فلوكس لم يحقق نجومية تُذكر في دنيا التمثيل لو قارنته بأقرانه النجوم أمثال عادل إمام ومحمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي وصلاح السعدني الذين شارك أبناؤهم في بطولة "ساعة ونص". إلا أنّ أحمد فلوكس أخذ بثأر فاروق فلوكس، وحقق انتصاراً على أبناء كل النجوم الذين كانت أسماؤهم وصورهم تتصدر الأفيشات والتترات بينما فاروق فلوكس لا ذكر له! هل يؤكد هذا الفيلم على نجاح التوريث في دنيا الفن؟ أقول لكم العكس. إنّ تفوّق أحمد فلوكس يؤكد أنّ النجومية لو كانت بالوراثة، لجاء ترتيب فلوكس الابن قياساً بحجم والده في ذيل القائمة، وتصدُّره قائمة النجوم الجدد في فيلم "ساعة ونص" يشير إلى أنّ الموهبة هي التي تكسب في النهاية. الفيلم الذي أراد أن يقدم درساً عملياً على نجاح التوريث الفني، طرح عملياً هزيمة التوريث الفني!