حكى لي كاتب سينمائي كبير أنّه اكتشف أنّ الجوائز التي حصل عليها طوال مشواره الذي يقترب من 40 عاماً، تشغل حجرتين في منزله. بدأ يلقي نظرة عليها، فاكتشف أنّ نصفها مجرد جوائز من مهرجانات وجمعيات ليس لها أي نصيب من القيمة أو المصداقية، فأخذها جميعاً وألقى بها في النيل، وأصبحت لديه حجرة واحدة للجوائز التي يعتز بها، بينما قرّر أن يحيل الأخرى إلى حجرة يكتب فيها حكايته مع الجوائز التي اعتز بها وألقى بها في نهر النيل!

ما هي حالة الفنان وهو يحتضن جائزة بينما يستشعر في أعماقه أنّها ليست له لكنه في الوقت عينه يعتلي خشبة المسرح سعيداً بها يلوّح بيديه إلى الجمهور؟

شاهدت عدداً من النجوم في افتتاح "مهرجان الإسكندرية" الأخير وكانوا يحتضنون تمثالاً أو شهادة وأمارات السعادة ترتسم على وجوههم على اعتبار أنهم حققوا إنجازاً دولياً كأنّهم حصلوا على الأوسكار.

المؤكد أنّ هناك من ينظر إلى الجائزة على أنّها وثيقة لمخاطبة الرأي العام يقدم من خلالها رسالة تؤكد أنّه مطلوب ومكرم. يسعى عدد من المهرجانات إلى استغلال نقطة الضعف هذه لدى النجوم فتخترع لهم جوائز. أتصور مثلاً أن قبول خالد صالح للجائزة في "مهرجان الإسكندرية" يعود إلى إحساس عميق بأنّ مسلسله الأخير "9 شارع جامعة الدول العربية" لم يحظ بأي نجاح جماهيري أو نقدي، فقرر أن يمسك بجائزة ويلوّح بها علّ الأمر يختلط على الناس. هكذا، قد يعتقدون أنّها جائزة لـ "9 شارع جامعة الدول العربية"!

بعض النجوم أدركوا اللعبة مبكراً، فلم يعودوا يذهبون إلا للجائزة التي يستحقونها مثل منى زكي، وعمرو واكد، والمخرج محمد أمين، والمطربة أصالة وغيرهم. إذ استشعروا أنّ هناك من يريد منح بريق كاذب لـ "مهرجان الإسكندرية" مقابل جائزة كاذبة يحصلون عليها فقرروا الاعتذار.

مثلاً، كان الفنان الكبير صلاح السعدني من بين المكرمين هذا العام. أتذكر أنّه قبل عامين، رشح للتكريم في المهرجان نفسه، واعتذر. يومها، قال لي: أنا لا أستحق التكريم من مهرجان سينمائي، فأنا لم أقدم شيئاً مهماً في السينما. إبداعي تجده في التلفزيون والمسرح. لكنّه ربما وافق هذه المرة لأنه اكتشف أيضاً أنّ مسلسله الرمضاني "الإخوة أعداء" لم يحظ بالنجاح الجماهيري الذي يستحقه.

سألت صلاح السعدني: لماذا لم تحقق نجاحاً جماهيرياً في السينما يقترب من رفيق الرحلة وأيام الصعلكة عادل إمام؟ أجابني: ربنا شاور لعادل على السينما، وشاور لي على التلفزيون. ولو كنت أحقق لشركات الإنتاج السينمائية نصف ما يحققه لها عادل، بالتأكيد كانت بحثت عني!

قناعة وصل إليها صلاح السعدني مع مرور السنوات. لا أتصوّر أنه استسلم بسهولة لفكرة المشاورة الإلهية منذ بداية الطريق. لقد كان اسم السعدني أكثر بريقاً. وهم كجيل يطرق باب الفن قبل نحو 50 عاماً، كان اسم صلاح السعدني  يسبق عادل إمام ونور الشريف حتى على المستوى السينمائي... هل تغيّرت قناعات صلاح، فقرر أن  يقبل هذه المرة التكريم أم أنّه شعر بحنين إلى الأضواء؟ لا أدري، ولم أشأ أن أحرجه بسؤالي.

المكرم الثاني هو الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن الذي قدّم للشاشة ثلاثة أفلام فقط هي "القادسية" من إنتاج "مؤسسة السينما العراقية"، وبالتالي لا يصنف فيلماً مصرياً ولكنّه عراقي. كما أنّ "ناصر 56" وهو أفضلها بالتأكيد لا يحمل إبداعاً خاصاً في الكتابة السينمائية يشعرك باستحقاق كاتبه للتكريم. كما أنّ محفوظ لا يعتز كثيراً بفيلمه الثالث "حليم"، وقد أعلن ذلك أكثر من مرة لأنّ المخرج شريف عرفة أعاد صياغته. وعلى التترات، تقرأ أنّ السيناريو على الشاشة من تأليف شريف عرفة أي أنّه من الناحية العلمية لا تستطيع أن تسند هذا الفيلم إلى محفوظ. كما أنّ الدراسة التي تناولته في الكتاب الصادر لتكريمه في المهرجان، تشير إلى إبداعه التلفزيوني والمسرحي ولا تمنح رحلته السينمائية أي مساحة تذكر!

يا ترى كم من فنان ومبدع دخل حجرة الجوائز الخاصة به في منزله وبدأ في فرزها؟ وهل أتته الشجاعة في التخلص من الجوائز الزائفة؟ أتمنى أن يفعل كل فنان ذلك لكن عليه ألا يلقيها في النيل لأنّ المثل المصري الفرعوني القديم أوصانا قبل 7 آلاف سنة ألا نلوث ماء النيل!