بمناسبة الحديث عن مهرجان دبي للرقص والذي سينطلق في أكتوبر المقبل، وربما لا يكون الرقص الشرقي على قائمة المهرجان، لكنها فرصة للحديث عن هذا التاريخ الملتبس بين المرأة والرقص عموماً، وبين المرأة والرقص الشرقي بشكل خاص. وقبل الحديث عن الرقص الشرقي بشكل خاص، يجدر بنا إلقاء نظرة على تاريخ الرقص بالعموم.

تاريخ الرقص البعيد

لم ينكر أي مجتمع في تاريخ البشرية على نفسه الحق في الرقص والموسيقى والترويح عن النفس، فمنذ بداية تدوين التاريخ على جدران الكهوف دونت رقصات الرقصات التي اعتبرت نوعاً من الشعائر والطقوس والعبادة، وحتى مع استخدام الرقص الجماعي كتعبير عن الطقس الديني، فإنه بلا شك لم يكن يخلو من البهجة والمتعة، إذ تصاحبه الموسيقى او الغناء أو كليهما.

والإيقاع في تاريخ الرقص هو عامل أساسي للحفاظ على تناغم حركة الجسد مع الموسيقى، وقد استخدمت العديد من الآلات الموسيقية لترافق الرقصات ففي الحضارة الفرعونية والإغريقية استخدم الناي والقيثارة، وفي الحضارات الإفريقية استخدمت الطبول المتعددة الإيقاعات، وفي الحضارة التركية استخدمت الوتريات وهكذا.

وقد ارتبط الرقص كذلك بأغراض مختلفة بدءاً بالعبادة إلى طلب النجاح في مهمة الصيد أو الزراعة مثلما يفعل الهنود في جنوب أميركا، واستخدم كذلك لطرد الأرواح الشريرة. ولكن الرقص ارتبط على نحو خاص كعرض فني ومسرحي بتطور المسرح الإغريقي في اليونان.

للأغنياء رقص وللفقراء رقص آخر

وفي العصر الحديث ظل الرقص حكراً على الطبقات الثرية، مثلما كان الحال في فرنسا حيث انتشر الرقص في بلاط الملوك والأثرياء والمثقفين. ومن جهة أخرى كان هناك نوع من الرقصات ترتبط بالطبقة الاجتماعية أيضا فالرقص الهادئ التعبيري مرتبط بالطبقات الراقية، والرقص السريع والجماعي مرتبط بالطبقات الفقيرة.

حكاية الرقص الشرقي

 فيما يتعلق بتاريخ الرقص الشرقي، فهناك أكثر من دليل على انطلاقه من هذه المنطقة من العالم، فالكثير من الآثار في مصر والشام واليمن وإيران تشير إلى أن النساء كن يمارسن الرقص الشرقي كطقس احترافي وتقليدي هام.

مثلاً تمتلئ المقابر الفرعونية برسومات لفتيات يؤدين حركات الرقص الشرقي مع بعض الفروقات بالتأكيد عن الرقص الشرقي المعاصر ويكشفن عن منطقة البطن في لباسهن، وكذلك توجد رسومات مشابهة في آثار العصر الساساني في إيران، بالإضافة إلى النقوش على الفضيات القديمة لفتيات بزي يشبه الزي المعاصر بل أكثر عرياً يمارسن فيه حركات الرقص المعروفة. ورغم ندرة الشواهد الأثرية في الجزيرة العربية، فقد عثر في معبد الإله ذو المقمة، في مدينة سمهرم وقد كانت إحدى مدن حضرموت القديمة، على تمثال برونزي لراقصة عارية الصدر ولكنها ترتدي حزاما حول خصرها له أهداب تذكر ببدلة الرقص الحديث.

لماذا ارتبط الرقص بالنساء؟

وقد ارتبط الرقص بالنساء بسبب ارتباطه بالتقرب من الآله طلبا للمطر أو المحصول الجيد، وكان من الطبيعي أن تؤدي النساء وهن رمز الخصوبة والحمل والولادة هذه المهمة كنوع من التقرب للآله، وبالفعل يذكر كثير من المؤرخين إن ما تقوم به الرقاصات الآن يشبه كثيرا حركات الكاهنات في معابد عشتار وغيرها من الآله القديمة. ومازالت النساء في بعض القبائل في صحراء المغرب والجزائر وليبيا يؤدين الرقصة نفسها حين تضع المرأة مولودها.

ومتى أصبح الرقص الشرقي مهنة؟

ومع بدء حركة الغجر من بلاد الهند وفارس إلى أوروبا مرورا ببلادنا من الشام ومصر بدأت الغجريات في تعلم أصول الرقص الشرقي الذي كانت النسوة تمارسه في المناسبات. واتخذن منه مهنة للكسب وأصبحن يسمين بالـ"الغوازي" وكن يؤدين الرقصات للسياح والأوروبيين المستشرقين وكل من يأتي لاستكشاف هذه البلاد. وكان هناك فئة أخرى هن "العوالم" وقد لقبن بذلك لأنهن عالمات بالألحان والعزف وبعض أسرار الموسيقى، ولسن مثل الغوازي يرقصن عن جهل بالألحان والحركات. ثم بدأ الرقص الشرقي ينتشر أكثر فأكثر كمهنة.

الرقص الشرقي يغزو أوروبا أو أوروبا تغزو الرقص الشرقي

وفي الثمانينات بدأت راقصة هولندية شهيرة تدعى ماتا هاري باحتراف الرقص الشرقي وتداوله وكان يسمى آنذاك "رقص سالومي" وكانت أول أوروبية تتعلم هذا النوع من الرقص. ثم انتشر هوس تعلم الرقاصات الروسيات والشرق أوروبيات للرقص الشرقي ثم القدوم لاحترافه في مصر أو المغرب أو لبنان وغيرها من البلاد. ومنهن من فتحن مدارس كبيرة في بلادهن لتعليم هذا الفن الذي تقبل عليه الفتيات من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية. فمنهن من ترى فيه فناً ومنهن من ترى فيه مصدرا للرزق الجيد. وبالطبع ساهمت السينما العربية والهوليودية في نشر صورة نمطية عن الرقص الشرقي وربطه دوما بالابتذال. فيما يعتبره كثيرون نوعاً راقياً من الفن، وأن الابتذال مربتط بالأشخاص وليس بالفن نفسه.

والآن تنتشر مدارس في كل أنحاء العالم لتدريس الرقص الشرقي، وبدأ يعود هذا الفن ليحل في فئة الفنون الراقية بعد أن اكتسب سمعة سيئة لفترة طويلة، ربما بسبب الزي المتحرر وربما بسبب الصورة النمطية التي تقدمها السينما وتربط بين الراقصة وبين المرأة السهلة المنال.

ورغم كل هذا التاريخ الطويل والتراث الذي يجهله الكثيرون منا عن علاقة المرأة الشرقية بالرقص، فنحن مازلنا في أعراسنا نطلب ببساطة من الفتيات والشابات من قريبات العروسين أن يرقصن هذا الرقص للتعبير عن فرحهن بإتمام هذا الزواج. ونسعد كثيراً حين تجيد واحدة منهن تأدية هذه الرقصة.