كان ذلك في في مهرجان شاعرات قصيدة النثر بدمشق 2008، وصلت امرأة محاطة بالجلبة وأغراضها الكثيرة ومحاطة كذلك بالأصوات والبهجة، نوع نادر من السعادة يلتمع في العينين، وكأن شعاعا ما يطارد بروين حبيب خارجاً من الاستوديو الذي تركته في دبي لتشارك في المهرجان. وبين لحظة وأخرى كنت أسمع صخباً حميماً في قاعة الفندق، كلما شاهدت بروين إحدى صديقاتها الشاعرات العربيات، فتأخذها بالحضن وتبدأ الاثنتان بالعتب على المسافة ومشاغل الحياة.

ولكن هذه البروين حين صعدت على الخشبة لم تعد نفسها، وكأنها  لم تصعد على خشبة لتلقي من قصائدها، بل كأنها لا ترى القاعة التي تغص بالحضور. نسيت الخشبة وغرقت في القراء وارتفع الضوء في العينين ولكنه كان ضوءا من نوع آخر. هيأ لي أن امرأة دخلت مخدعها وخلعت أساورها وبدأ الكحل يسيل مع الدموع من عينيها لأسباب قديمة هي وحدها تعرفها. هذا ما جناه الشعر!

أصابتها لغة نزار قباني وهي ابنة 11 عاماً، تلبستها، وظل قباني هاجساً وسعت إلى اللقاء به في لندن وهي ابنة 23، وتحولت من قارئة معجبة إلى ناقدة دراسة في مشروع  " تقتيات التعبير في شعر نزار قباني، وحصلت عن هذه الدراسة على درجة الماجستير من القاهرة سنة 1999، لتلحقها بعد ذلك بدرجة الدكتوراة  عن الجسد واللغة في شعر المرأة الخليجية.

وبمتابعة سيرة ابنة البحرين التي بدأت مدرسة للغة العربية في مدارسها مطلع التسعينيات، يظهر التنوع في الفنون التي مارستها، من التمثيل الذي حصلت على جوائز لإبداعها فيه وهي طالبة جامعية إلى التدريس فالبحث والكتابة للصحافة الثفافية العربية وبالطبع الإعلام التلفزيوني.

ولكن علاقة بروين حبيب بالإعلام ذات خصوصية، فقد أخذت على نفسها عهدا بأن تكون إعلامية متخصصة بالثقافة، وهو الشأن الغير جماهيري في التلفزيون الجماهيري، مما يضع المثقفة فيها في تحد مستمر مع التلفزيون والمتلقي والمؤسسة والموضوع. وحول هذه المسألة قدمت ورقة جريئة فعلا ومثيرة للجدل في  الدورة الـ15 لمهرجان المبدعات العربيات بسوسة في تونس 2010، وقالت في الورقةالمعنونة "دمية الأوتو كيو" إن " أشتغل تلفزيونياً في حيز ثقافي، ومن خبرتي الشخصية مع التلفزيون، أعرف أن البرنامج الثقافي، ليس طموحاً أول لأي مذيعة عربية تنشد السلام لنفسها في مهنتها. مع ذلك ظلت فكرة البرنامج التلفزيوني الثقافي قضيتي الشخصية منذ نعومة أظفاري في هذه المهنية الصعبة والشائقة".

وهكذا بدأت بروين من تلفزيون البحرين ببرنامج "شظايا الإبداع" ثم " انتقلت إلى تلفزيون دبي لتقدم برامج "صواري" و "وجوه" وحاليا تقدم برناح "نلتقي مع بروين" على فضائية دبي كما هو معروف.

التقت برويبن في هذا البرنامج بألمع الأسماء وأهمها على ساحة الثقافة العربية، مشكّلةً خيطاً قويا يلظم المشهد الثقافي العربي ويضيء عليه،  وأرشفت من خلاله قصص وجروح ونجاحات وانكسارات المثقفين العرب، لتحقق مكتبة تلفزيونية في غاية الأهمية والتنوع فقد غطت كل البلاد العربية وأنواع الفنون المختلفة.

كانت بروين المحاور الند، فهي المبدعة والباحثة والشاعرة، ومن أجمل قصائدها التي نشرت في ديوانها الأول "رجولتك الخائفة طفولتي الورقية" (2001) «يتيمةً ألهو هناك/ الشاطئ صامتٌ كشريط قديم/ وصورتي الطفلة تهبُّ بفستانها الملون/ صورتي لمّا كنتُ/ زهرة حمراء في رملٍ أسود».

ولكنها لم تنشر إلا بعد ثماني سنوات ديوانها الثاني الذي كان بمزاج آخر بعنوان "أعطيت المرآة ظهري"( 2009). ثم أصدرت كتابها "دانتيل..أقل من صحراء" والذي شفّت فيه عن حياتها وطفولتها في البحرين وكتبت فيه عن الغربة والوحدة والحزن والأم "زليخة"، كشفت لنا عن بروين الدفينة والخاصة والوحيدة المخبأة في الداخل.

بروين حبيب التي حصلت العام الماضي على جائزة المرأة الدينماكية من جامعة جورج واشنطن وفي العام نفسه على جائزة دبي للموظف الحكومي المتميز، وأصبحت سيرتها قصة نجاح تتناقلها الأنباء، هي الصبية ولدت في المنامة سنة 1969 وقرأت نزار قباني طفلة وكتبت الشعر شابة ثم شاءت أن تجعل من نفسها ضوءا أنيقا يمر في حياتنا العربيةالتي بأمس الحاجة لها ولمثيلاتها. فالمزيد من الضوء يابروين نريد أن نرى كل الغرف الأخرى.