لا يكتفي متابعو المسلسلات الدرامية بمشاهدة العمل الفني، لكنّهم صاروا يبحثون عن المشروعية الدينية في ما ترتديه البطلة. وفي رمضان المقبل، سيستأثر الصليب الذي تضعه حنان ترك في مسلسل "الأخت تريزا" بالاهتمام. تؤدي الممثلة المصرية دور راهبة، ما أثار الكثير من الأسئلة المتعلقة بمدى مشروعيته الدينية. أيضاً، فباروكة صابرين التي ترتديها فوق حجابها للعام الرابع على التوالي في مسلسل "ورد وشوك"، يثير أيضاً التساؤل نفسه بل الاستهجان عند كثيرين تساءلوا عن المشروعية الدينية لهذا الأمر.

أصبح شائعاً أن نرى صابرين تضع باروكة فوق الحجاب في مسلسلاتها. لم تستشر أحداً من الدعاة حول مشروعية ارتدائها باروكة فوق حجابها في المسلسلات التي تشارك في بطولتها منذ "الفنار" (2008). غضت صابرين الطرف ولم تعر اهتماماً للاعتراضات التي أعلنها عدد من شيوخ الأزهر ومشاهير الدعاة. بل واصلت تمثيل أدوارها بالباروكة في كل مسلسلاتها.

 على الجانب الآخر، تقف حنان ترك التي تلتزم بما يريده الدعاة وشيوخ الأزهر من دون مناقشة. في العام الماضي مثلاً، بمجرد نشر صورها وهي ترتدي زي المأذونة قبل عرض مسلسلها الكوميدي "نونة المأذونة"، تواترت الأخبار بأنّ الأزهر غاضب ويخشى أن يشكل ارتداء هذا الزي سخرية الشيوخ المعممين. فقررت ترك حذف هذه اللقطات من المسلسل ومنع صور الإعلانات التي عرضت لها في أكثر من فضائية، وأكدت أنّها لا يمكن أن تُغضب الأزهر. إلا أنّه في مسلسل "الأخت تريزا"، من الواضح أنها تأكدت ممن تستشيرهم من الشيوخ أنّ وضع الصليب بل قراءة آيات من الإنجيل لن يثير غضب الأزهر. ورغم أنّ كثيرين عبر النت أشاروا إلى رفضهم، إلا أنّها واثقة هذه المرة من موقفها الشرعي.

صابرين وحنان ترك وعفاف شعيب بتن من الحالات القليلة لنجمات محجّبات حريصات على التواجد في الدراما التلفزيونية. هل الحجاب صار عائقاً أمام النجمات في التمثيل؟! الحقيقة المؤكدة من خلال متابعة المسلسلات في السنوات الأخيرة أنّه صار كذلك بالفعل. تحجّبت فنانات كثيرات وأعلنّ تحريمهن للفن. لكن قبل 10 سنوات، عدن إلى الساحة. إلا أنّ الحقيقة أنه لم يبق على الساحة سوى ثلاث فنانات يعملن بانتظام. مثلاً قبل أربع سنوات، قدّمت كل من سهير البابلي وسهير رمزي مسلسلاً رمضانياً وسط ترقب واهتمام إعلامي. وكان المعلَن وقتها أنّهما سوف تواصلان التواجد الرمضاني سنوياً. إلا أنّ ما حدث أنّ شركات الإنتاج تراجعت عن استكمال المشاريع معهما.

ورغم أنه قد تردد وقتها أنّ المسلسلين قد حققا نجاحاً تسويقياً، إلا أنّ الحقيقة أنّ السوق الفني لم يرحب بما فيه الكفاية بتلك الأعمال الفنية. والدليل أنّ الفنانتين لم تقدّما أعمالاً درامية منذ ذلك الحين. في تلك السنوات، كانت هناك محاولات للتواجد على الخريطة الفنية من كل من مديحة حمدي ومنى عبد الغني. وهما أيضاً لم تعتزلا الفن، لكن لم يعد هناك من يعرض عليهما أدواراً. وبينما ابتعدت مديحة حمدي، فإنّ منى عبد الغني اتجهت إلى العمل كمقدمة برامج!

تتواجد عفاف شعيب في العديد من الأعمال، وشاهدناها العام الماضي في أكثر من مسلسل مثل "دوران شبرا" الذي تناول العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، إلا أنّها في النهاية لا تتحمّل كاسم فني مسؤولية تسويق العمل. بينما تتمتع صابرين وحنان ترك باسم في التسويق. وكل عام تقريباً، نرى صابرين بطلة لمسلسل أو على أقل تقدير تشارك في البطولة. بينما حنان ترك هي الفنانة الوحيدة بين المحجبات التي يكتب لها مسلسل مثلما تكتب المسلسلات ليسرا، ويحيى الفخراني وغادة عبد الرازق. وهذا يعني أنّ السوق الفني يجد في اسم حنان قوة تسويقية تتحمّل بمفردها البطولة المطلقة!

صابرين اكتشفت أنّ بعض الأدوار يصرّ مخرجوها على ضرورة أدائها من دون حجاب. ومنذ أربعة أعوام، توضع في أكثر من دور حيث تضع باروكة فوق الحجاب. عندما سألتها عن ذلك، قالت لي إنّها لم تسأل أحداً من الشيوخ للحصول على فتوى شرعية. كما أنّه عندما قررت أن تتحجّب قبل 11 عاماً، لم تسأل أحداً، بل استيقظت من نومها وقررت أن ترتدي الحجاب كما تقول. وضع باروكة على الحجاب أثار ولا يزال ردود فعل غاضبة حتى بين الفنانات المحجبات. صرّحت حنان ترك أنّها ترى وضع باروكة على الحجاب تجاوزاً بينما أيقنت صابرين أنّه طريقها للاستمرار في التعامل والتواجد داخل الدائرة الفنية بعدما لعبت قبل حجابها بطولة مسلسل "أم كلثوم"!

صار تواجد المحجّبات في الدراما المصرية نادراً. حتى أن المخرجين يفضلون في حال تقديم شخصية محجّبة أن يسند الدور لفنانة غير محجبة حتى تستطيع أن تؤدي مشاهد تقتضي الضرورة الدرامية ألا ترتدي فيها حجاباً.

إلا أنّ الخريطة الفنية لن تستمر طويلاً على هذا النحو. من المعروف أنّ عدداً كبيراً من شركات الإنتاج ذات المرجعية الدينية التي تتحفظ كثيراً في ما يتعلق بظهور المرأة بلا حجاب في الأعمال الفنية، تستعد حالياً لممارسة نشاطها الفني. كثيرون يعتقدون أنّها سوف تشكل تياراً موازياً للأعمال الفنية التي نراها سائدة في السوق المصري وليس المقصود فقط الأعمال الدينية بل إنّ قسطاً وافراً منها سوف يتوجه إلى الدراما الاجتماعية والأفلام السينمائية..

وكانت لنا تجربة واحدة ويتيمة قبل 5 سنوات بفيلم "كامل الأوصاف" الذي لعبت بطولته حلا شيحة وهي ترتدي الحجاب. طبقت حلا قانون الحجاب على كل مشاهدها وكانت ترتديه في كل المواقف، حتى تلك التي لا تتطلب ارتداءه مثل تواجدها وحيدة في المنزل. إلا أنّ الفيلم لم يحقق نجاحاً جماهيرياً. ولهذا لم يعقبه منذ ذلك الحين فيلم ثان بشروط الحجاب!

ويبقى الأهم إرادة الناس والصورة التي يريد الجمهور أن يرى فيها الفنانين وتحديداً نجماته. على الفنان أن يسعى لتقديم قناعاته وليس مجرد إرضاء الشارع. هكذا مثلاً تحدت حنان ترك الأصوات التي انزعجت من ارتدائها الصليب في "الأخت تريزا"، فيما تصرّ صابرين في "ورد وشوك" على وضع باروكة على حجابها!