حروف اللغة العربية 28. من خلالها، تولد ملايين الكلمات ولا تزال حتى الآن تتوالد كلمات جديدة تضاف إلى اللغة. وأفكار الدراما في العالم لا تتجاوز 36 تولد من خلالها آلاف الأفلام، ولا جديد تحت الشمس، لكنّ الجديد هو زاوية الرؤية والمعالجة التي يقدمها صانع الفيلم.

في "مهرجان الخليج السينمائي"، كان موعدنا مع فيلم الافتتاح الروائي الطويل "تورا بورا" للمخرج الكويتي وليد العوضي. هذا الاسم صار مرادفاً للإرهاب والتطرف ويثير الرعب في العالم لأنه كان معقل تنظيم "القاعدة" وكما يقولون "الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود".

 طوال مشاهدة الفيلم، هناك سيطرة من فيلم عربي آخر شاهدته قبل حوالي 9 سنوات وهو "الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، واقترب من الترشيحات النهائية للأوسكار، واقتنص قبلها جائزة "الغولدن غلوب" لأفضل فيلم أجنبي.

الفيلمان يتناولان قضية واحدة هي الإرهاب المسلح الذي يقتل المدنيين، على اعتبار أنّ هذا هو شرع الله مع اختلاف مسرح الأحداث. فيلم "الجنة الآن" أرضه الدرامية هي فلسطين المحتلة بينما تجري أحداث "تورا بورا" في بيشاور على الحدود بين أفغانستان وباكستان وصولاً إلى جبال تورا بورا. ولا بأس بالطبع من أن نرى أكثر من فيلم عربي يتناول تلك القضية الشائكة. لكن البؤس كل البؤس ألا تكون مسلحاً فكرياً وثقافياً وسينمائياً للتعبير عن هذه الفكرة الحساسة.

يستند الشريط إلى واقعة حقيقية لا تتناول بلداً محدداً ولكنك تستطيع أن ترى فيها العديد من التنويعات المماثلة التي شاهدنا الكثير منها في عالمنا العربي والإسلامي حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته إلى الجهاد في سبيل الله من جهة، وبين القتل والترويع الذي يطال المدنيين على اعتبار أنه أيضاً استشهاد في سبيل الله بينما هو قتل للنفس التي حرّم الله قتلها إلا بالحق.

من الناحية الواقعية، صوِّر العمل في المغرب، خصوصاً تلك المشاهد التي تتناول تورا بورا. المملكة المغربية صارت مقصداً للعديد من الأفلام التي تحتاج إلى أماكن طبيعية، وبات أغلب السينمائيين في العالم يفضلون الذهاب إلى المغرب حيث يصبح المقصد والهدف الحصول على تشابه في مذاق المكان والأجواء. استعان المخرج بفنان ديكور عالمي هو ماركو تورنتيني من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية في العمل الفني.

 لكنّ ظل الفيلم يتمحور في إطار فكري ضيق أدى إلى تقييد المضمون، وخضعت المعالجة لحالة من التنميط في تتابع السيناريو ورسم الشخصيات.

الرهان الصعب هو: كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم وليس فقط إلى البلد الذي ينتمي إليه الأبطال وهم عائلة كويتية ميسورة؟ ولا شك في أنّ مفهوماً خاطئاً طال الدين الإسلامي في الغرب بسبب تلك النظرة التي تجعل البعض يعتبرون الإسلام مرادفاً للإرهاب. وللأسف، لعبت العديد من الفضائيات دوراً في نشر تلك الصورة.

المخرج الذي كتب السناريو أيضاً مع رياض السيف كانت تستهويه خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور. لكنه أغفل الإحساس الإنساني، خصوصاً أنّنا في صدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى تورا بورا بعدما تعرّض لغسيل مخ بينما بدأت أمه وأبوه رحلة البحث عنه. وفي الوقت عينه، فإنّ أخاه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.

شاهدنا قبل نحو 30 عاماً مثلاً الفيلم الأميركي "مفقود" للمخرج كوستا غافراس وبطولة جاك ليمون. كان الوالدان يبحثان أيضاً عن ابنهما المفقود. في الفيلم الأميركي، تتعاطف مع العائلة من خلال تلك الرؤية الإنسانية، لكننا في "تورا بورا" نرى رسماً تخطيطياً هندسياً مباشراً يحيله إلى شيء أقرب إلى بناء حجري خال من المشاعر. كل ما يقدمه المخرج مجرد لمحات سريعة عن الفندق الذي أقام فيه الأبوان وعن بيع الحشيش علناً في بيشاور، والمعارك القبلية في أفغانستان، وبين الحين والآخر يقدم كلمتين ضد الإرهاب والتطرف.

الفيلم يتهم تنظيم "القاعدة" بأنّه أسهم في غسل مخ الشبان العرب المسلمين في أنحاء العالم، ليعتبروا أنفسهم في مواجهة ضد الكفار. لكن الرؤية الدرامية والفكرية غابت عن العمل، وتحول الأمر إلى مجرد تمضية حوالي ساعتين في عمل فني كان ينبغي اختصاره على أقل تقدير إلى النصف. شابت النمطية في التعبير أداء الممثلين كسعد المفرح، وأسمهان توفيق، وياسين الحاج. ورغم أنّ هناك جهداً رائعاً في الصورة وأيضاً في التعبير الموسيقي لرعد خلف، إلا أنّ المحصلة النهائية أنّنا أمام عمل فني يعوزه الكثير، كأنه قد ضاع في جبال تورا بورا!

لا يعيب الفيلم حدود التماس بين العديد من الأفلام، فهذا وارد جداً. لكن الخطأ أنّ المخرج لم يمتلك زاوية رؤية يطل منها على هذه القضية الشائكة التي تلقي بظلالها على العالمين العربي والإسلامي، وهي تحتاج بالفعل إلى أن نشاهد عشرات الأفلام العربية ولكن ليس على طريقة "تورا بورا"!