اقرئي عنّا وكيف عشنا ونعيش متنكرات وتحكى عنا الحكايات.
لا يتوقع المرء أن ينهي كتاباً بهذه الضخامة وبسرعة، ولكنه كتاب كل النساء. وأقل مايقال عنه إن على كل امرأة تريد استعادة حيوية ذاتها وعلاقتها الصادقة والمباشرة مع طبائعها الأصيلة أن تعود لقراءة هذا الكتاب. ولا تقلقي فهو مليء بالحكايات الشعبية والخيالية والواقعية التي تبعد شبح الملل عن قراءته وتجعله رفيق ليالي السهر ووحدتك في سريرك.
كتبت العمل الذي تجاوز 600 صفحة، الباحثة والطبيبة النفسية كلاريسا بنكولا، ولبنكولا حكاية نود أن نسردها لك لتتعرفي أكثر على شخصية المرأة التي كتبت هذا العمل البديع الذي يدرس تاريخ المرأة ويفسر الكثير مما تعرضت له من استلاب للحرية والشخصية.

تقول بنكولا "نشأ جيلي، وهو جيل مابعد الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي كانت فيه المرأة ماتزال تعتبر نوعاً من المكلية الخاصة،وكان هو الزمن الذي يقال عن البنات المقيدة بأحكام والمكممة الأفواه إنهن لطيفات العشرة، أما التي تكشف ياقة قميصها للحظة أو اثنتين في حياتها فتوصم بأنها سيئة السمعة". وهكذا عاشت بنكولا حياتها متنكرة، وكما كانت ترى أهلها والنساء من حولها يفعلن تفعل.

انطلقت كاتبتنا لتدرس تاريخ المرأة، وبشكل مترافق مع دراستها للطب النفسي الذي برعت فيه، قرأت حكايات الجان والساحرات الشريرات والقصص الخيالية والتراثية في أنحاء العالم، جمعت مئات الحكايات من شرق العالم وغربه لتبدأ في تحليل حكاية النساء مع الحكايات. ولتجد تفسيرات كثيرة لهذا الركام من العدوانية ومحاولات إقصاء النساء وجعلهن غريبات أو وجودهن مستغرب خارج الإطار المحكم الذي وضعه الرجل ويصر على أن تكون حركتها داخله تماماً.
ونحن حرصاً منا على نقل هذه المعرفة لكل النساء اللواتي يقرأننا، نعدك بأن نعرض كل أسبوع لحكاية من حكايات الكتاب وكيف حللتها بنكولا. وقصة اليوم هي حكاية "العذارء بلا يدين"..تابعي معنا صفحة مجتمع، فقصص هذا الكتاب ستزورنا كل أسبوع مرة لتفتح أعيننا على ذواتنا المخبأة فينا.

 

"العذراء بلا يدين"
يحكى أن طحاناً فقيراً كان يسكن في الغابة، فقيراً يعيش فيها مع عائلته الصغيرة. ولم يكن يملك سوى بيته وشجرة تفاح خلف هذا البيت. وفي يوم من الأيام ظهر له رجل بثياب سوداء قائلاً "أستطيع أن أقلب حياتك في لحظة واحدة فأجعلك غنياً شريطة أن تعطيني بعد 3 سنوات ماخلف بيتك". ولما لم يكن خلف بيت الطحان سوى شجرة التفاح، فكر أن يعطيه إياها ويزرع غيرها. قبل الطحان وانصرف الرجل. وظهرت زوجة الطحان مسرعة من البيت لتخبر زوجها أن البيت انقلب حاله، فتغير أثاثه وقلبت جدرانه وكأن سحراً وقع عليه. فأخبرها الطحان بعرض الرجل، فما كان من الزوجة إلا أن تغير لونها وبدأت في البكاء، وبينما حاول الطحان تهدئتها قالت له إن خلف البيت ابنتنا الوحيدة تكنس تحت شجرة التفاح، ولابد أن الرجل الذي ظهر له هو الشيطان.

مضت الأعوام الثلاثة بسرعة، عاد الشيطان ليأخذ الفتاة الجميلة، فوقفت خلف الدار بعد أن استحمت ورسمت حولها دائرة بيضاء من الطباشير، وكانت كأنها محروسة فكلما حاول الشيطان الاقتراب منها قذفته قوة غامضة بعيداً. وكي لا أطيل عليكن الحكاية طلب الشيطان من الفتاة أن تظل وسخة ولا تغتسل لكي يستطيع أخذها، وطلب من والدها أن يقطع يديها لكي لا تستطيع فعل أي شيء. وبالطبع يمكنك تخيل نحيب الأب وطاعة الطفلة، فقطع الأب يديها ولكن القوة الغامضة ظلت تصد الشيطان وتدافع عنها. وكان أن غادرت الطفلة ليلاً وسارت في الغابة جائعة حتى عثرت على شجرة كمثرى، فأمالت الشجرة نفسها عليها وأطعمتها ثمرة، فصارت تأتي كل ليلة مثل الشبح وتميل الأغصان عليها وتأكل حبة كمثرى ولا تعلم أنه بستان الملك. المهم أن الملك قرر متابعة نقصان الثمار وحكاية ترددت عن شبح يزور البستان كل ليلة. فلما قبض على "الشبح" الفتاة، حدث مايحدث في كل الحكايات أحبها وتزوجها وعاشت معه سعيدة في القصر وركب لها يدين فضيتين. تمر السنين وتحمل الملكة ويذهب الملك للحرب، وتضع في غيابه طفلاً جميلاً، فتبعث الأم برسول للملك يخبره بالمولود الجديد. يلتقي الشيطان بالرسول فينيمه ويبدل الرسالة برسالة أخرى تقول "لقد وضعت الملكة طفلا نصفه كلب". وحين يقرأ الملك الرسالة يرد بأن "اعتنوا بالملكة والطفل في هذه المحنة". فيلقى الشيطان الرسول في طريق العودة ويغير الرسالة بأن "اقتلوا الملكة والطفل". تفزع والدة الملك من قسوته، وتظل ترسل برسائل ويظل الشيطان يبدل الرسائل والردود تصبح أكثر وحشية. وهكذا تُهرّب أم الملك الملكة وابنها من القصر وتقتل بدلاً منهما غزالاً لتخدع الملك بدمه وبقاياه. وطبعاً حين يعود الملك يحل الحزن والغم، ولكن الحكاية تنتهي نهاية سعيدة فالملكة تجد ملجأ في الغابة وبيتاً يؤيها ومع الوقت تنبت لها يدين أخرتين، ويجدها الملك الذي ظل يبحث عنها وتعود لقصرها بعد سبعة أعوام من الحزن.

 

التحليل النفسي للقصة:
في التحليل النفسي عليك أن تعرفي أولاً أن كل شخصيات القصة هي جانب من الجوانب النفسية للمرأة. وسؤال هذه الحكاية هو: مالصفقة الخاسرة التي تبرمها كل امرأة؟

بالرغم من أننا نكره الاعتراف بذلك لكنها صفقة نقوم بها مراراً وتكراراً حين نرهن حياتنا المعرفية العميقة التي بنيناها بتعب وكد مقابل حياة أخرى هزيلة. فمثلاً عند اختيار المرأة للثراء أو الزواج من أي كان فقط من أجل الزواج، فهي بالضرورة تسلّم مقابل هذا جزءً عزيزاً من حياتها العاطفة والإبداعية. وهذه هي حالة الابنة التي تستطيع أن تكنس الفناء فقط وهي جميلة وساذجة، يرمز الأب في قصتها إلى الوظيفة النفسية التي ترشدنا في العالم الخارجي. كان من السهل أن تخدع هذه الصبية الساذجة خداعاً قاسياً، ولكن لا أحد يظل ساذجاً إلى الأبد. المهم هنا أن المرأة التي تعيش زوال سذاجتها بوعي هي امرأة ينظر إليها ككائن مميز . وفقدانها لسذاجتها هو أول بوابات المرور لعالم أكثر تماسكاً وأماناً. وفي الحقيقة إن المطحنة التي توقفت عن العمل في الحكاية وهي لا تساعد الطحان في سد قوت يومه هي رمز العمل والعلم التفكير، فمطحنة النفس لا تسد جوع النفس والعقل لذلك يسهل خداع الفتاة.

وعلى هذه الشاكلة يمكنك التفكير بتقطيع يدي الفتاة رمز العمل والقدرة، ثم هروبها بالليل ثم تجاوب العالم معها وهي تحاول شق طريقها وحدها. وأخيراً بعد معاناة كبيرة استغرقت سنوات من التعلم تنبت لها يدان من جديد وتستعيد صحتها النفسية وحياتها.

فما رأيك في حكاية اليوم؟ هل ترغبين بسماع المزيد من الحكايات عن "نساء يركضن مع الذئاب"...

شاريكنا برأيك