في تقرير أعده محمد الحمامصي لـ "ميدل إيست أونلاين" أكدت الباحثة التونسية ليلى العَبيدي أن خبر فوز كتابها "الفَكَهُ في الإسلام" بجائزة الشيخ زايد للمؤلِّف الشاب كان خبرا مفرحا ورائعا، وقالت "أروع ما فيه هو انتصار فكرة الفكه في الإسلام، لاسيما في ظل ما يشهده الدين الإسلامي من محاولات تشويه ومغالطة في السنوات الأخيرة، كما أن الفوز يعكس رسالة الإسلام السمحة والقائمة على اليسر والتسامح وحب الحياة.

وقالت: اغتنم هذه الفرصة لتهنئة كل من فاز في جميع فروع الجائزة، وأوجه تحية تقدير واحترام إلى الأعمال التي وصلت إلى القائمتين الطويلة والقصيرة، والتي اعتبرها أعمالاً قيمةً لمشاركتها في مثل هذه الجائزة الرائدة في العالم العربي، والتي تسهم في التعريف بالأعمال الهامة والجديرة بالقراءة. كما واحييّ بهذه المناسبة الجهد الكبير الذي قامت بها لجان جائزة الشيخ زايد للكتاب بدءاً من لجان الفرز إلى الأمانة العامة للجائزة".

وأضافت "هذا كتاب في الفَكَهِ (أي الفكاهة) في الدين، لتيسير حياة المؤمن وتيسيرها في العبادات والمعاملات. هذا البحث يرصد فَكَهَ الرسول مع الأطفال والبدو والأعراب والصحابة ومع زوجاته. كما يتعرض إلى الفَكَهِ في الثقافة العربية الإسلامية وفي الثقافة الغربية. أما الدوافع التي كانت وراء هذا العمل فتتجسد فيما وصلنا إليه اليوم من ضيق أفق ومن سوداوية وتحريمٍ وتكفير قياساً بما كان عليه إسلام البدايات من يُسرٍ وتسهيلٍ، حتى أن الناس كانوا يدخلون فيه بالكلية راغبين لا مكرهين، لما انطوت عليه شخصية الرسول من تسامح ومجاراةٍ لمقتضيات المرحلة حينما كان الناس حديثي عهدٍ بالإسلام".

الكتاب الصادر عن منشورات "دار الساقي" في بيروت عام 2010 يعرض إلى الفَكَهِ في علاقته بالمقدس أي بالدين، "أردت أن نرتفع به إلى فضاءاتٍ أرحب من تلك التي أرادتها الثقافة العالمة، حيث ربطته بكل ما هو مدنسٌ دنيويٌ وارتفعت بالجد إلى عالم المقدس. الفَكَهُ عالم تؤثثه العبادات والمعاملات، ويميز علاقة الرسول بمختلف طبقات المجتمع. لقد بينت في عملي هذا – استنادا إلى الحديث النبوي – أن الفكه في الدين كان طريقة في الحياة يعالج بها الرسول أمر الرعية وييسر أحوال الناس بعيدا عن كل تزمت أو تعصب أو فضاضة. لقد جاء العمل إبرازا لقيام الفكه سندا للحديث في مجال تبليغ الدين للناس، فكان بذلك محاولة للجمع بين الفكه والمقدس في الثقافة العربية الإسلامية التي كثيرا ما فصل بينهما فيها.

وأوضحت العبيدي "اختياري الفكه موضوعا للبحث يمثل محاولة منا للإسهام في الاهتمام بهذا الجانب الذي لم يحظ في الثقافة العربية الإسلامية بمنزلة رفيعة ومكانة تليق به. إذ وجهت اهتمامها بصفة غالبة إلى مظاهر الحياة الجدية من سياسية وعلوم إسلامية، فهمشت النادرة والمُلحَة والمزاح ومظاهر الهزل والضحك، وإن احتوت كل ذلك في خفايا الكتب وفي مختلف مجالات الحياة".

وقال العبيدي حول اختيارها للدين حقلا لموضوع كتابها؟ وهل لذلك علاقة كثرة الدراسات التي تناولت الفكه في التراث العربي "بل قل لندرة الدراسات التي تناولت الفكه، ولذلك اخترت الدين حقلا لذلك. لأن دراسة الفكه في علاقته بالدين هو أمر مسكوت عنه الآن في ما يقال ويكتب حول الإسلام، فبدا الإسلام وجها قاتما ودينا عنيفا وصورة للكبت، وموطنا للإرهاب. فعدنا إلى الحديث نبحث عن ذاك الوجه المشرق الذي درس بمرور الزمان، وغاب عن واقع الناس وسكت عنه العلماء. ولشد ما كانت دهشتنا شديدة لعدم وجود أي دراسة في هذا المجال سواء كان في العالم العربي أو في العالم الغربي. فعلى الرغم من كثرة الكتب التي تعنى بالفكاهة في الأدب العربي، إلا أن الدين استبعد من هذه الدائرة تدريجيا بفضل جهود بعض علماء المسلمين مثل الحصري والغزالي.

تناول كتاب العبيدي علاقة الدين والجنس والسياسية بالفكاهه، لذا سألناها عن وجود تشابه مع الواقع الحالي، حيث قالت "هذا ثالوث محرم يضاف إليه رابع محرم ... استفزني هذا الثالوث الذي كلما ذكرناه إلا وتفكهنا به في وشوشة تكاد تكون أقرب إلى الخوف منها إلى اللذة. هناك علاقة تلازمية شرطية بين هذا الثالوث والفكاهة. بل قل إن الفكاهة هي عنصر أساسي يخدم الدين والجنس والسياسية. وهي أداة سحرية تصنع نجاح كل عنصر من هذا الثالوث. وقد يأتي الفكه في أحلك اللحظات التي تمر بها البشرية مثل الحروب والمجاعات وهو ما يعبر عنه بالفكاهة السوداء، ولا أدل على ذلك من النكات الجريئة التي صاحبت ربيع العرب".

وتعتقد العبيدي أن الفكه حاضر في كل مجالات الدين. ففي القرآن فكه. وفي الحديث فكه، وفي التفسير فكه، وفي كتب التاريخ فكه، وفي القصص فكه. فإذا بحثنا في هذه النصوص سال الفكه مدرارا. فعسى أن نهتم بذلك فنبرز خصائص الفكه في الثقافة العربية الإسلامية ونقارنه بالفكه في الثقافات الأخرى التي أولته اهتمامها وحظي فيها بدراسات كثيرة. فدراساتها من هذه الناحية قد تقوم سندا لبحثنا هذا وتمكننا بصفة أوضح من الوقوف على وظائف الفكه في فضاء المقدس، فنسهم بذلك في رصد بعض ملامح المخيال العربي الإسلامي من خلال النصوص الحافة بالقرآن.

وأكدت العبيدي إن الإنسان العربي يتمتع بروح الفكاهة وبامتياز. وقالت "الناظر في الكتب لا يتحرج من القول إن الثقافة العربية كانت أكثر الثقافات ولعا بالفكه. فالفكه حاضر في الشعر والنثر والمقامة، حيث تشكلت روح الدعابة عنده في نوادر الحمقى والمغفلين، وأخبار من سير الأولين، وبدعا إفتراها رجال الدين والمتفقهون. وقد كانت العرب تسمي أبناءها بباسم وبسام للرجل وببسمة وفكيهة للمرأة. بل كان الفكه عند العرب فنٌ من فنون القول، وتجميل للكلام. فأنظر في مؤلفات الجاحظ والتوحيد والتيفاشي والأبشيهي ترى العجب العجاب".