لن يفوتك بالطبع أننا نقصد ذلك الزبيب الذي يقدمه لك المثل الشعبي مغلفاً بالحب "ضرب الحبيب زبيب"..والضرب وإن كان يحمل صفات الأذى الجسدي فقط، لكنه رمز لكل ماتتعرض له المرأة من عنف. والعنف لا يقتصر على إحداث الرضوض في الجسم وصولاً  إلى العاهات المستديمة، فالعنف لفظي ونفسي وجسدي وجنسي، تختلف أشكاله وتتفرع أساليبة من شجرة واحدة لا تطرح إلى ثمراً كريهاً لا نفع فيه.

فماذا يعتقد الرجل أنه فاعل حين يضرب المرأة؟ وماذا تظن المرأة أنها تفعل باستسلامها للغة المثل الشعبي أعلاه، أو للغة المجتمع وصوته العام والعالي؟

أتحدث عن الرجل بقدر ما أسأل المرأة عن صمتها. وتواطئها ضد نفسها، سؤال مفتوح لجميع القارئات: لماذا تقبل المرأة العنف؟

بالطبع لن نزيد الضحية هماً، ولكننا سنفكر معها  بصوت عالٍ علنا نستطيع تنظيف شيئاً من الجرح، فقد قيل أن ظلم الأقربين هو أشد  قسوة من ضرب السيوف،  يقودني لكتابة هذا الموضوع الخبر الذي نشره موقعنا قبل أيام عن أول فتاة أردنية تطالب بتعويض من ذويها لما تعرضت له من عنف أسري سبب لها عاهة مستديمة.

معظم الناس سينتقدون هذه الصبية، سيلومونها رغم أنها أصبحت صاحبة عاهة، سيتعبرونها هي نفسها عاهة في العائلة، وربما تتعرض لعنف أكبر وأفظع. ولابد أن كل هذا كان في حسبانها فلماذا لم تتردد؟

ولماذا ننتظر من المرأة أن تصمت على الضرب؟ لماذا لا تلجأ لمنظمات المجتمع المدني أو حماية الأسرة؟ ومالذي يحدث للمرأة بعد التعرض للضرب؟

سيرين الشافعي، فتاة مصرية عشرينية تتعرض للعنف الزوجي والضرب بشكل مستمر، انفصلت من مدة عن زوجها من دون طلاق وغادرته إلى منزل ذويها. دار بيننا الحوار التالي:

لماذا يضربك زوجك؟ وكيف؟

بدأ يضربني منذ شهر العسل، أول مرة قال إنني أعلي صوتي في وجهه، ضربني بقوة وأنا خجلت أن أعود لمنزل أهلي من أول زواجنا فماذا سيقول الناس عني. ثم تكرر الضرب على أي خلاف زوجي يمكن أن يحدث بين أي اثنين. وشكوت إلى والدته فقالت لي إن زوجها "حمايا" مازال يضربها إلى الآن وأن البنت تصبر وتحتمل لتبني الأسرة التي تحلم بها. كان يضربني بيده أول الأمر ومرة ضربني بعصاية وضربني من مدة بوصلة الكهرباء.

وماذا كنت تفعلين حين يضربك؟ مارد فعلك الأول؟

كنت أخاف وأتكور في الزاوية وأبكي. ثم يأتي في اليوم التالي ويتصرف كأن شيئاً لم يكن.

وهل قررت الانفصال عنه نهائياً؟

لا لا أفكر في الطلاق، أقول لنفسي ممكن ينصلح لما يشوفني سبت البيت وأهلي واقفين معايا.

لماذا تريدين العيش معه؟ هل تزوجته عن قصة حب مثلاً؟ ألا تشعرين أن كرامتك وإنسانيتك مهانة مثلاً؟

هو إحنا تزوجنا معرفة بين الأهل، وأنا متدينة وأكره الطلاق. بقول يمكن يتغير زي ما قلت لك. عندي أمل يعني. مفيش بين الزوج وزوجته كرامة لكن هو غلط ويمكن يتصلح وربنا يهديه.

 المحامية نبيهة إخلاصي العاملة في منظمة أمان لحماية النساء المعنفات تقول إن "المرأة لا تلجأ للمراكز والمنظمات المدنية إلا في حالة متأخرة ونادرة وحين تنسد بها السبل تماماً". فعادة ماتلجأة المرأة لذويها للتخلص من عنف زوجها، ولكن حين يكون العنف من ذويها فإلى من تلجأ؟ تجد من الصعب عليها أن تلجأ لمنظمة ضد ذويها فهي لن تجد مكانا تلوذ به بعد ذلك، مجتمعاتنا لا تقبل وجود دار أو مأوى للنساء، وتبقى النساء يعشن في دائرة من الخطر. كما أن الثقة من أن مؤسسات حماية الأسرة الرسمية والمدنية ليست راسخة لدى النساء بعد، وتعامل المرأة وكأنها أتت بفضيحة لعائلتها إن هي لجأت إلى شخص خارجها.

إذن المسألة معقدة فكيف يمكن حلّها؟

نحن نحاول توعية المرأة بحقوقها في القانون، وبناء عامل من الثقة بأننا لن نلجأ للقانون والأمن ولكننا نلجأ في البداية لشخصية اعتبارية في عائلتها، أحياناً هذا يفاقم المسألة لاعتبارات أسرية في العائلة نفسها. المسألة تتعلق بنظام شامل متكامل تكون النية فيه معقودة فعلاً على مكافحة العنف ضد المرأة داخل الأسرة وفي المجتمع. بناء ثقافة مجتمعية جديدة وتنمية قدرات المرأة في الدفاع عن نفسها أسريا وقانونيا واجتماعياً. في الحقيقة إن المسألة كل متكامل أنت إذا دعمت المرأة في التعليم ثم في العمل والحصول على دخل يضمن لها حياة كريمة يكون قرارها بالتحرر من العنف أكثر قوة.

دعينا نتحدث عن أسباب العنف ضد المرأة؟

هناك مانسميه عوامل الخطر التي تؤدي بالفرد إلى اقتراف العنف ضد المرأة وهي تدني مستوى التعليم، والتعرّض للإيذاء في مرحلة الطفولة أو شهادة حالات من العنف المنزلي الممارس ضد المرأة، وتعاطي الكحول على نحو ضار، والسلوكيات التي تميل إلى تقبّل العنف، وعدم المساواة بين الجنسين، مشاعر الغيرة الشديدة. ومعظم هذه العوامل تمثّل أيضاً عوامل خطر تسهم في إيقاع المرأة ضحية للعنف الذي يمارسه ضدها شريكها.

الأثر النفسي لا يقل شأناً بل ربما يزيد عن الأثر الجسدي الذي قد تزول آلامه بعد مدة. في عيادة الطبيب النفسي محمد أبو زيد سألنا عن الأثر النفسي الذي يظهر على المرأة بعد تعرضها للعنف:

يمكن أن يؤدي هذ الشكل من العنف إلى الاكتئاب، واضطرابات الإجهاد التي تلي الرضوح، ومشاكل النوم، واضطرابات الأكل، والضيق الانفعالي، ومحاولات الانتحار. ومن المرجّح أن يواجه الأطفال الذين نشؤوا في أسر ينتشر فيها العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر طائفة من الاضطرابات السلوكية والعاطفية يمكن أن تؤدي بهم إلى اقتراف ذلك العنف أو الوقوع ضحية له في مرحلة لاحقة من حياتهم.