كعادة الملحّن حلمي بكر، "يشطح" هنا وهناك في هجوم لاذع، فلا تعرف بالضبط: هل هذا الهجوم لمجرد الهجوم على طريقة بعض الأعمال الفنية التي تطرح مبدأ الضحك لمجرد الضحك، وإن كان من الأفضل في هذه الحالة أن نقول الضرب لمجرد الضرب؟!

 

آخر من تلقّى ضرباته الصاروخية هي المطربة لطيفة. بالطبع، ليس جديداً على حلمي أن يفتح النيران عليها وعلى غيرها. لا بأس ولا جديد أيضاً. لكن أن نصبح بصدد طلقة عنقودية طائشة تخترق لطيفة وتتوجه مباشرة إلى الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب بكل ما يتمتع به من مكانة استثنائية في تاريخ الموسيقى العربية، فإننا في هذه الحالة يجب أن نقول له توقف عن إطلاق مدفعيتك الثقيلة. والحكاية المتداولة والمعروفة عن علاقة عبد الوهاب بلطيفة هي أنّه استمع إلى صوتها أثناء دراستها في معهد الموسيقى العربية قبل 25 عاماً وقال لها إعجاباً "بخّري صوتك يا لطيفة". هذا الرأي نُشر عشرات المرات عندما كان عبد الوهاب على قيد الحياة. ولو كان اللقاء مختلقاً، لكذّبه الموسيقار الكبير. إلا أنّ ما أعلنه مؤخراً حلمي بكر أنّ عبد الوهاب قد أُعجب بمفاتن لطيفة وأنّه تحمّل رداءة صوتها بسبب جمالها، وأكّد أنّ عبد الوهاب أخبره بهذا الرأي الذي ينال من عبد الوهاب قبل أن يطعن بلطيفة! ليس من شرف الكلمة أن نتكلّم عن آراء فنانين راحلين قبل أن نتأكّد منها خصوصاً إذا كانت تقلل من شأنهم.

 

حلمي بكر لم يلحّن قبلاً للطيفة. هو يقول إنّها طلبت منه ألحاناً في بداية مشوارها، لكنّه لم يتحمّس لصوتها. لا أستبعد ذلك. من حق حلمي ألا يتحمس للتلحين لها، فتلك قناعته. لكن أن تستمر فنانة ربع قرن وهي تغني، فلا يمكن أن نعتبر أنّها استمرت كل تلك السنوات بفضل جمالها الخارجي الذي أطاح بشيخوخة عبد الوهاب في لحظة، إذ التقته عندما كان قد تعدى الثمانين!

 

لطيفة تجدّدت فنياً من ملحن إلى آخر. نجحت مع عمار الشريعي، وكان لها مشوار مع صلاح الشرنوبي، وآخر مع كاظم الساهر، ولها مع زياد الرحباني بصمة، وواصلت مع عمر خيرت. كما أنها غنت من ألحان الجيل القديم لكلّ من سيد مكاوي، ومحمد الموجي، وخالد الأمير. بالطبع لا أرى أنّ لطيفة كصوت هي الأفضل من بين مطربات هذا الجيل. أذني ترتاح أكثر إلى أصالة، وشيرين، وأنغام، ونانسي. كما أنّني أرى أنّ اتجاهها إلى تقديم البرامج التلفزيونية كان اختياراً خاطئاً وهي غير مؤهلة له، لكنّ هذه حكاية أخرى. لطيفة يحرّكها عقلها الواعي في الاختيار. ولهذا مثلاً عندما قررت دخول عالم السينما، استندت إلى يوسف شاهين في فيلم "سكوت ح نصور" قبل عشر سنوات. الفيلم متواضع فنياً، والتجربة ليست لصالحها ويوسف شاهين كان يدافع عن الفيلم في البداية. إلا أنه بعد ذلك وفي آخر حوار سجّلته معه في قناة "أوربت"، سألته عن أفلامه التي لا يحبّها، فوضع "سكوت ح نصوّر" في المقدمة.

 

لديّ ملاحظات ليست في صالح لطيفة كلّها، لكن لا يمكن أن أرجع نجاحها إلى أنوثتها، فهذا النوع من النجاح قصير العمر. ما الذي أوقع لطيفة في مرمى نيران حلمي بكر؟ لا أدري حقيقة، لكنه دائماً حاد في آرائه، وفي الكثير من الأحيان يتراجع عنها مثلما تراجع مؤخراً عن خصومته لأصالة. أيضاً، فآراؤه الحادة ضد نانسي عجرم منتشرة عبر "يوتيوب"، لكن بعدما لاح في الأفق مشروع قد يجمعهما في أغنية مشتركة، خفتت حدة النبرة الهجومية ضدها وبات على لطيفة في هذه الحالة أن تتلقى شحنة الغضب بالنيابة عن نانسي وأصالة!

 

وبعيداً عن رأي حلمي الذي أرجع نجاحها إلى أنوثتها، فلا شك في أنّنا قد نقول بأنّ هناك مطربات كصباح، وشادية، ومن هذا الجيل نذكر نانسي وإليسا، وحضورهن الأنثوي لا يمكن إغفاله. لكن هذا لا يعني أن تواجدهن على الساحة رهن الملامح فقط. بالتأكيد، هناك الصوت صاحب الفضل الأكبر. قد يقول حلمي إنّ لطيفة تنتمي إلى هذا الفصيل الفني ولهذا صدقناها وهي تغني مثلاً قبل عشرين عاماً "أرجوك أوعى تغير أنا حوليا كتير". المؤكد أنّها قدّمت اللحن بصوتها وليس بمفاتنها!