حين تسأل حلا عمران المقيمة في باريس منذ 3 أعوام إن كانت تشعر بالغربة، ستجيبك بشكل قاطع بالنفي. فبيت عمران مصنوع من خشبة ومقاعد وإضاءة ونص ودور، من أجل المسرح سافرت ومن أجله هجرت الدراما التلفيزيونية، مفضلة الالتصاق بهذه الخشبة الحميمة والصعبة، مساحة الحرية التي تعطيها حق التعبير بالكلام والجسد والصراخ والتعابير، حالة مثالية تنسجم مع شخصية حلا.

ولكن إذا سألت حلا عن الحنين، وعن البعد عن سورية الثائرة ستقول "بدي إرجع بس بخاف". مثلها مثل كثير من السوريين في مغترباتهم المحتلفة وهم يتوقون الآن للعودة، ولأن يكونوا في طرق حمص وحماة وإدلب والميدان وغيرها من الأحياء التي يضيئها الثائرون بحريتهم رغم كل شيء.

تسمعهم في ساحة الشاتليه الباريسية يهتفون هتاف البعيد القريب، تسمعهم حين يجتمعون في المقهى أو البيت، الحوار دائماً محتدم كالثورة، وهكذا كانت عمران حين التقيتها أول مرة محتدة متحمسة للثورة متابعة لكل تفصيل وكل فيديو وكل خبر على لسان المذيع أو شريط الأخبار أو الفيسبوك أو الصحف. وربما كانت هذه الحالة سبباً في توقفها عن العمل خلال العام 2011، باستثناء مجموعة من القراءات التي قدمت على المسرح لنصوص وشهادات سورية حول الثورة.

نتحدث عنك الآن وعن وسورية الآن؟ ماذا تشعرين وأنت بعيدة عن الأحداث وهل أنت متفائلة أم...؟
أنا وغيري من السوريين لسنا بعيدين فنحن نعيش الثورة لحظة بلحظة وإن تفاءل أهلنا في الداخل نتفاءل معهم وإن تشاءموا تشاءمنا، نستمد قوتنا ومشاعرنا ومخاوفنا منهم. أريد أن أعود بشدة ولكني أخاف، أريد أن أعيش مع الناس وألمس هناك كيف يتبدد الخوف الذي استمر لسنين طويلة، ويحزنني أنني لم أعش التجربة مثلهم ولن أعيشها. أنا في حالة ترقب مثلي مثل الجميع مزيج من الخوف والحماس والانتظار والغضب والحزن والتفاؤل...

إذن أنت هنا منذ 3 أعوام فلماذا اخترت باريس رغم أن مدناً مثل برلين ولندن ونيويورك أبرز الآن حين يتعلق الأمر بالمسرح؟
كنت أزور باريس بشكل متقطع منذ 10 أعوام، وجاء الاستقرار فيها صدفة حين بدأت العمل مع مخرج فرنسي وتدربت في بعض الورش المسرحية، ثم أحببت المدينة وتعلقت بها ووجدت شيئاً في المسرح يخصني ويعجبني ويتناسب معي.

ولكن أي تواجد في أي مكان يعطي ويأخذ من الفنان، فماذا تعطي باريس لعمران وماذا تأخذ منها؟
على الصعيد المهني حصلت على خبرة مسرحية وتعرفت على أجواء مختلفة في المسرح وشاهدت عروضاً كثيرة من الأروع إلى الأسوأ فكل أنواع وأشكال المسرح متاحة وممكنة هنا، وماكنت أقرأ عنه في سوريا أشاهده هنا بنفسي. تعرفت على الكثير من المخرجين والفنانين مما فتح لي مجالات للعمل على الخشبة هنا فشعرت بثقة أكبر بنفسي لأنني أستطعت الاستمرار في تجربة مختلفة وأمام جمهور مختلف. صدقيني لم ألاق صعوبة في الحياة هنا والانسجام فباريس أيضاً مليئة بالسوريين والأصدقاء.

وأنت هنا وتنظرين إلى المسرح في سوريا يمكنك الآن أن تتلمسي ما ينقص التجربة هناك وماهي بحاجة إليه؟
بالنسبة للمسرح في سوريا ينقصنا الوعي بأهمية النص، فقبل أن آتي إلى باريس لم يكن النص هو هوسي كمعنى بل كحالة شعورية، هنا تعلمت قيمة النص وتحليله وتفكيكه واكتسبت وعياً أكبر للقراءة والكتابة. النص في سوريا ظل لفترة طويلة ارتجالياً وكنا نندفع لأي نص بهدف الاستمرار والرغبة في عمل مسرح، وفي هذا نقص وعي وثقافة، وبلا شك إن ذلك مرتبط بشكل مباشر بالسياسة لأن المسرح خطر وتأثيره مباشر على الناس.

إذن فمالذي سيحدث للمسرح بعد الثورة برأيك؟
في الحقيقة لقد بدأنا فعلاً نلمس الفرق، ففي العروض التي تقام الآن وتصلنا هناك تغير ملحوظ ومنطق مختلف وكأن مكانة وأصل المسرح قد استردت.

ننتقل للحديث عن المرأة الممثلة العربية في باريس، هل تعتقدين بوجود صورة نمطية بالفعل عن المرأة العربية لدى الأوروبيين؟ وكيف تصفينها إن وجدت وواجهتها بنفسك؟
في الحقيقة ثمة فكرة مكررة عن المرأة العربية وهي أنها امرأة محجبة العقل وليس الرأس، مقموعة وخاضعة. والفكرة هذه موجودة حتى لدى الطبقة المثقفة للأسف رغم النماذج التي يرونها تمثل وتكتب وتبدع. وبعد الربيع العربي زاد لديهم الاعتقاد أن مصيراً قاتماً ينتظر المرأة العربية بعد الثورات! ولكننا نحاول أن نبرز شخصية المرأة في الثورة السورية على سبيل المثال، فهي فاعلة وحاضرة وذات مواقف أوضح في كثير من الأحيان من الرجل. حتى المرأة التي كانت في نظرنا نحن نمطية وتقليدية خرجت وفعلت وتفعل في الشارع وتثور.

وأنتِ؟ ألم يكن لديك صورة نمطية تحملينها عن الأوروبيين أو حكم مسبق تم تبديده؟
بصراحة لا، لأنني كنت أتردد كثيراً على أوروبا لكنني فوجئت أن الفرنسيين في هذه الدولة العلمانية هم شعب متدين وأحياناً متشدد أيضاً في تدينه ولكن ذلك لم يعق الدولة أن تكون علمانية، بل كشف عن تجربة إيجابية من انسجام هذه الحالة وأن لا تعارض بين أن تكون الدولة علمانية وللمواطن الحق في ممارسة الحرية الدينية.

لننتقل للحديث عن حلا عمران التي عرفناها في السينما في فيلم "باب الشمس" مع  يسري نصر الله أو "صندوق الدنيا" مع أسامة محمد أين هي الآن وماذا تفعل؟
أعمل حالياً على 3 مسرحيات بعد أن أوقفت عملي تماماً في 2011، أقوم بدور جولييت في "روميو وجولييت" وكذلك مسرحية "سيرة الملك الظاهر" ومسرحية "العادلون" لألبير كامو.

يبدو أنه سيكون عاماً حافلاً لك، ولكن لماذا روميو وجولييت الآن؟
أهمية هذا النص أنه حي دائماً وخاصة الآن ونحن نعيش حالة من التخوف والعداء للآخر والخوف من أن يتجسد هذا العداء ويصبح ملموساً أو دامياً. إنه نص عن الأنا والآخر والحرب والسلام والحب والكره.

وماذا عن الدراما؟ من المعروف أن الدراما السورية حققت شعبية كبيرة في العالم العربي وحضوراً منافساً ومرغوباً، ولكنك تبتعدين عنها كأنك تبغضينها أو تؤثرين المسرح عليها مئة مرة؟
لا أكره الدراما بل أعشق المسرح، عملت في التلفزيون من قبل، ولم أستطع أن أحبه أو أجد نفسي فيه. ثمة منطق استهلاكي وسريع و"كاذب" فيه، وأنا أحب العمل على التفاصيل والبحث فيها لهذا السبب أحببت كاميرا السينما. وأعتقد أن النجوم الناجحين في التلفزيون ليسوا قادمين من علاقة وطيدة بالمسرح كبنية وتمثيل وأداء.