تعددت الأصوات التي تطالب وردة بالاعتزال، وآخرها عمار الشريعي، وقبله حلمي بكر. لم يكن عمار وبكر مباشرين في طلبهما. لكن صلاح الشرنوبي كان الأكثر وضوحاً ومباشرة.

أقسى كلمة قد توجَّه فنان هي الاستماع إلى مَن يطالبه بالتوقف وهو لا يزال على المسرح. الفنان يعيش من أجل كلمة "عُد"، ولا يمكن أن تمضي به الأيام وتشرف الرحلة على الانتهاء فتخترق أذنيه كلمة "كفى"!

حلمي بكر لا ينسى أبداً أنّ وردة كانت أول من قدمته على المسرح ملحِّناً في أغنية "شوية صبر". في تلك السنوات، كانت الفنانة الجزائرية تغنّي للكبار أمثال عبد الوهاب والسنباطي. لكنها استمعت إلى بكر وغنّت له. هكذا، بدأت رحلته من محطة وردة. وهو لهذا يغلّف طلبه لوردة بالكثير من المجاملة التي لم نعتدها منه. وينطبق ذلك على عمار الشريعي الذي جمعته العديد من اللقاءات الفنية مع وردة. إلا أنّ صلاح الشرنوبي الذي كان بطلاً على خريطتها الغنائية قبل نحو 20 عاماً، فكان مباشراً وصريحاً في مطالبتها بالاعتزال.

الحقيقة أنّ الشرنوبي احتج علانية عندما قررت وردة قبل ثلاث سنوات أن تغني من ألحان  تامر حسني. اعتبر صلاح أنّ وردة تتنازل عن تاريخها الفني. توقف المشروع مع تامر، إذ لم تتحمس وردة للحن الذي قدمه لها. لكن يبدو أنّ الشرنوبي لم ينس ولم يتوقف عن انتقادها.

قبل ربع قرن، كان صلاح الشرنوبي صاحب النغمات الأكثر تداولاً في الشارعين المصري والعربي. هذه النغمات وصفها الموسيقار محمد عبد الوهاب بأنّها انتقلت من دغدغة الوجدان إلى هز السيقان. وبدأت رحلة وردة مع الشرنوبي في "بتونس بيك" و"حرمت أحبك"، واستطاعت أن تجد لها مساحة مميزة مع إيقاع الجيل. إذ اقتنصت اللمحة العصرية ومزجتها بإحساسها.

طوال تاريخها الفني الذي يربو على نصف قرن، كانت وردة تبحث دائماً عن ملحن يصبح في مرحلة ما صاحب البصمة الأكبر بعد البدايات مباشرةً أي في مطلع الستينيات التي شاهدنا فيها أنغام السنباطي وعبد الوهاب والموجي وبليغ. ثم هجرت مصر إلى الجزائر حيث تزوجت وأنجبت واعتزلت ثم عادت إلى مصر في السبعينيات وتزوجت بليغ حمدي وتزوجت أيضاً ألحانه. وكانت البداية مع "على الربابة بغني". ثم انفصلت عن بليغ، ليشتم فيها سيد مكاوي رائحة الحارة المصرية، فمنحها لحن "أوقاتي بتحلو معاك" الذي كان قد أعده لأم كلثوم. واستمرت مسيرتها مع سيد مكاوي في الثمانينيات ليلتقط الراية صلاح الشرنوبي. لم يرتبطا فقط بسلسلة من الأغنيات الهامة، بل أنتج لها أيضاً مسلسل "آن الأوان" قبل أربع سنوات. السنوات الأخيرة لم تكن لصالح وردة على المستوى الفني. واجهت جفاء غير مبرر من الإعلام المصري في أعقاب مباراة "أم درمان" التي شهدت الصراع بين مشجعي الكرة في مصر والجزائر. هذا الجفاء كان بحجّة أنّها جزائرية الأب. وبلغ الأمر حد صدور قرارات شفهية من وزارة الإعلام المصرية بمنع أغانيها على المحطات الحكومية الرسمية. وتحملت وردة مرارة هذا القرار. إلا أنّ أقسى ما واجهته هو الاستماع إلى من يطالبها بالاعتزال. شريطها الغنائي "اللي ضاع من عمري" الذي استمعتُ إليه قبل ثلاثة أشهر كان الأسوأ في تاريخها. لم تكن وردة موفقة في اختيار الكلمات ولا الألحان. كما أنها لم تكن في حالة لياقة إبداعية. صوتها كان بعيداً عن الألق الخاص بوردة.

لا شك في أنّ صوت المطرب يتأثر سلباً بالزمن. أم كلثوم في النصف الثاني من الستينيات ليست أم كلثوم قبل هذا التاريخ. ولو تأملت حفلاتها الأخيرة في تلك السنوات، سوف تكتشف أن مخارج ألفاظها تخونها. أكثر من ذلك، كانت الذاكرة لا تسعفها أحياناً في إيجاد الكلمات. مع ذلك، لو حذفنا السنوات الستّ أو السبع الأخيرة من رصيد أم كلثوم وتصورنا أنّها توقفت عن الغناء، كنّا لفقدنا كنزاً من أغانيها التي قدمتها بعد هذا التاريخ. الموسيقار رياض السنباطي كان أول من فكّر في إقناع أم كلثوم بالاعتزال بعدما غنت من ألحانه قصيدة "الأطلال" عام 1966 التي اعتبرها السنباطي الذروة التي لا يمكن لأم كلثوم تجاوزها. هو شخصياً، كان يريد أن يعتزل التلحين لكنّه لم يفعل. أمّا أم كلثوم فظلت تغنّي حتى مطلع عام 1972. وبعدها، لم تعد قادرة على إحياء الحفلات، فسجلت في الاستديو آخر أغانيها "حكم علينا الهوى".
وردة لا تزال في الميدان، تحيي حفلاً وتصدر شريطاً. فيروز أيضاً من جيل وردة، ولا تزال تبدع. لكن المؤشر الجماهيري لفيروز في صعود بعدما حققت إقبالاً جماهيرياً ضخماً في آخر أشرطتها وحفلاتها. فيروز منحها القدر في بداية مشوارها الأخوين رحباني (عاصي ومنصور) ثم أكملت الطريق مع ألحان ابنها زياد.

وردة حالة مختلفة. نعم شريطها الغنائي الأخير لم ينجح. العناصر كلها بما فيها أداء وردة لم تصل إلى المستوى المطلوب. لكنّ تاريخ وردة يشفع لها بأن نمنحها فرصة أخرى. وردة لا تزال تشعر بأن لديها ما تقدّمه للناس، وعلينا ألا نصادر مشاعرها!

المزيد:
انتقادات لوردة الجزائرية بسبب مشاركتها في "ستار أكاديمي"

وردة الجزائرية تصل إلى لبنان
نجوم الغناء ليلة رأس السنة 2012