قبل عامين، تقدّم أحد النواب المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة حينها، بطلب بترحيل كل من هيفا وهبي، وإليسا ونانسي عجرم من القاهرة، وضُمّت إليهن أيضاً المصرية روبي.
بالطبع، لم يتجاوز الأمر مجرد طلب ولم يصدر أي قرار يمنع أياً من المطربات بمغادرة البلاد. الآن، تغيّر الأمر بعدما أصبح للإخوان أغلبية في مجلس الشعب المصري، ولم يعد الأمر بعيداً عن هيمنتهم. ماذا لو تجاوز الهدف مجرد الطلب إلى إصدار قانون في المجلس؟ هل تتحرك النقابات الفنية في مصر لحماية الفن من تلك الهجمة التي تتدثر بالدين وبالحفاظ على قيم المجتمع؟


الحقيقة أنّ الذي يحرك بوصلة أغلب الفنانين ليس الدفاع عن قيمة أو هدف ولا يعنيهم إلا المكاسب التي يحققونها. وبالتأكيد أنا لا أتحدث عن كل الفنانين. لكن كل الأحداث التي عاشتها مصر أظهرت أنّ قانون المصلحة هو الذي يحكم، والمصالح تتصالح في نهاية الأمر ومبدأ "أبجني تجدني" المنتشر في الوسط الفني هو الذي تخضع له الأغلبية. أعتقد أنّ أي مطرب أو مطربة يشعر أو تشعر بخفوت الضوء حوله، سوف يعتبر أن هذا القرار تأخر كثيراً، وسوف يسارع إلى تأييده من أجل أن يحظى بمساحة إعلامية أكبر بعد قرار المنع. إذ ستخلو الساحة له أو لها. مع الأسف، سيصبح المكسب الآني المؤشر إلى الموافقة أو الرفض. هكذا، يتصور الفنان الذي يفوته قطار النجاح أنّه إذا منع الآخرين من التواجد، سوف تخلو له الساحة.


وإليكم بعض المؤشرات. تعامل الفنانين مع شركات الإنتاج ذات التوجه الإخواني يشكّل أحد الملامح القادمة في الدراما سواء في الأفلام أو المسلسلات وأيضاً في الغناء. والحقيقة أنّ شركات الإنتاج التابعة للإخوان ليست وليدة هذه الأيام وليست متعلقة بـ "ثورة 25 يناير"، ولا باستحواذ الإخوان والسلفيين على قرابة 80% من مقاعد البرلمان. دائماً هناك أفكار ومشاريع لشركات ذات توجه إخواني، لعل أشهرها مسلسل وفيلم عن حياة حسن البنا مؤسس الجماعة رداً على مسلسل "الجماعة" الذي عرضه التلفزيون المصري وعدد من الفضائيات قبل عام ونصف العام، واعتبرته الجماعة وقتها أكثر عمل فني تم توجيهه ضدها. إلا أنّ ما حدث على أرض الواقع أنّ الناس تعاطفوا مع حسن البنا، وبدأ الشباب يقرأ عن تفاصيل حياة الجماعة. وأتصور أنّ المسلسل حقق نتائج عكسية وقتها للنظام المصري السابق. بالتأكيد، كان هناك تعنت وتعتيم على كل من ينتمي إلى الجماعة وأفكارها. إلا أنّ ما يجري الآن هو نوع من التعويض عن كل تلك السنوات. ومع الثورة، بدأت الشرعية تمنح للجماعة وتغيّرت صفتها من "المحظورة" إلى "المحظوظة"!


الإخوان يسعون اليوم إلى توجيه رسائل تطمينية للفنانين المصريين حتى إزاء الأعمال الفنية والنجوم الذين كانوا يتحفّظون على ما يقدمونه. بل إن بعضهم كان يطالب بجلد المخرجة إيناس الدغيدي مائة جلدة بسبب أفلامها الجريئة التي اعتبروها تستحق كحد أدنى هذا العقاب. هذا الجناح الذي يرفع شعار التحريم في الفن يقول الآن إنّه يسعى لطمأنة الفنانين الخائفين من سطوتهم!


الجناح الفني الذي كنّا نراه قبل ثورة يناير متشدداً في كل ما يتعلق بالفن، صار الآن أكثر رحابة في التعامل مع الفن. هل هي استراتيجية مرتبطة بسياسة الخطوة خطوة أي أنهم لن يستطيعوا في لحظة واحدة تغيير ملامح الفن؟!
مثلاً المسؤول عن الدراما في جناح الإخوان محمد النجار بدأ ينتقد عدداً من أفلام عادل إمام مثل "التجربة الدانمركية" وأفلام المخرج خالد يوسف. بل امتد الأمر إلى نجيب محفوظ بعدما هاجمه بضراوة السلفي عبد المنعم الشحات. وقد وجدنا أنّ المسؤول عن الدراما في الإخوان لا يقل عنه ضراوة في مهاجمة أدب نجيب محفوظ. فهو يعتبر أن نجاحه في السينما وزيادة مبيعات كتبه يعودان إلى الفجور الذي قدّمه في أعماله الأدبية. وقارنه بكل من الأديبين عبد المنعم الصاوي وعبد الحليم عبد الله، مشيراً إلى أن إحجام السينما عن الحفاوة بإبداعهما الروائي قياساً إلى نجيب محفوظ، يعود إلى طبيعة أدب نجيب المليء بالمشهّيات التجارية بينما أعمالهما الأدبية كانت خالية منها. وكم تظلم هذه الآراء نجيب محفوظ، وفي الوقت عينه تشير إلى أنّ توجه الإخوان نحو الفن سيظل محكوماً بنظرة أخلاقية تصل إلى حدود التزمت سيما في ما يتعلق بالسينما.


هل يختلف الأمر في مجال الأغنية؟ أرى أنّ القيود ستزداد عنفاً. أما النقابات الفنية، فليس لديّ ثقة في توجه النقباء بعد تلك الزيارة الشهيرة التي قام بها نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور إلى مرشد الجماعة محمد بديع. ولا أستبعد في السياق نفسه أن نرى عما قريب زيارة مماثلة من نقيب الموسيقيين إيمان البحر درويش تحت ستار أنّهم يبحثون عن الفن الهادف. القيود قادمة والأيام المقبلة سوف تكشف الكثير.
ماذا لو تقدم أحدهم إلى مجلس الشعب بطلب منع المطربات اللبنانيات من الغناء في القاهرة؟ أجب أنت في ضوء ما تقدّم!