حصل فيلم "هلأ لوين" لنادين لبكي على الجائزة الكبرى في الدورة الخامسة من "مهرجان وهران السينمائي".

 لم يثر الأمر استغراب أحد. لقد كان الفيلم مرشحاً للجائزة. أما الغريب حقاً، فهو فوز خالد يوسف بجائزة الإخراج عن فيلمه "كف القمر". 

قبل يومين من إعلان الجوائز، كان المخرج المصري في طريقه إلى المطار ومنه إلى القاهرة، إذ كان متيقناً أنّه لن يحصل لا هو ولا فيلمه على أي جائزة. لكن يبدو أنّ هناك من أخبره في اللحظات الأخيرة بضرورة البقاء لأن الجائزة آتية، فعدل عن قرار السفر!

لم يعتد خالد يوسف أن يحظى بجوائز من لجان التحكيم. رهانه كان دوماً على الجمهور وليس المهرجانات. شباك التذاكر هو الذي يستند إليه ويشكّل منطقة نفوذه وقوته في الوسط السينمائي.

 خالد الآن هو صاحب أعلى أجر بين المخرجين المصريين ولا ينافسه في هذا المجال سوى شريف عرفة. صار كل منهما صاحب اسم في شباك التذاكر، أي أنّ الجمهور يذهب قاصداً أفلامهما. هكذا مثلاً، ستجد أنّ نصيب خالد يوسف من الجوائز محدوداً منذ أول أفلامه "العاصفة" وبرصيد يصل إلى عشرة أفلام هي ثمرة عمله طوال عقد في الفنّ السابع.

 وهو بذلك على عكس أستاذه يوسف شاهين الذي اعتبر أنّ الجوائز قضية حياته وأنّ اعتراف العالم به شغله الشاغل. 

بل في كل أفلام السيرة الذاتية التي بدأت بـ "حدوتة مصرية"، تستطيع أن تلمح أنه يريد أن يبرّر للجمهور سبب عدم نيله الجوائز العالمية التي يستحقّها!

خالد هو آخر تلاميذ يوسف شاهين. لم يأخذ عن أستاذه هذا الدرس بل هو ينتظر رأي الجمهور الذي يعبّر عن نفسه في شباك التذاكر ولا صوت يعلو عن صوت الإيرادات التي تحققها أفلامه، خصوصاً في السنوات الأخيرة، أي منذ أن قدّم مع أستاذه يوسف شاهين فيلم "هي فوضى" (2007). 

هو الفيلم الوحيد في مسيرة يوسف شاهين الذي تجد أنّ هناك مخرجاً آخر يقاسمه الأفيش، وتستطيع أن تقول وأنت مطمئن أنّ الشريط يحمل روح خالد يوسف أكثر مما يشي بيوسف شاهين. فالعمل ينتمي أكثر إلى خالد، ولكن هذه بالطبع قصة أخرى.

"كف القمر" نال جائزة أفضل مخرج من "وهران". أتصوّر أنّ خالد كان الأكثر دهشة إزاء حصوله على هذه الجائزة، سيما أنّ "كف القمر" لم يكن العمل الفني الذي يخوّل المخرج الفوز بتلك الجائزة. لكن في لجان التحكيم، كثيراً ما تحدث هذه الأمور ونرى العديد من المفاجآت. 

كان ينافسه مخرجون أبدعوا حقاً منهم الجزائري مرزاق علواش في فيلمه "نورمال"، ونادين لبكي في "هلأ لوين". مرزاق كان مستبعداً لأنّ الجزائريين ينظرون إليه باعتباره يقدم أفلاماً ذات إنتاج مشترك لإرضاء المنتج الأجنبي على حساب بلده..

 أما نادين، فيبدو أنّ لجنة التحكيم اكتفت بمنح الشريط جائزة أفضل فيلم وجائزة التمثيل والسيناريو.. 

خالد اقتنص تلك الجائزة في ثاني تواجد للفيلم في المهرجانات. كانت محطته الأولى في مهرجان الإسكندرية في مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) حيث لم يحصل الفيلم سوى على جائزة إعلانية مقدمة من "اتحاد الإذاعة والتلفزيون" المصري. والحقيقة أنّ هذه الجائزة كانت محسومة لصالحه منذ البداية وبلا أي مشكلات. 

إذ أنّه كان العمل المصري الوحيد المنافس على الجائزة ولا توجد أفلام أخرى!

خالد يوسف استشعر أنّ "كف القمر" لم يحقق إيرادات ولا أتصوّر أن الخلاف بينه وبين غادة عبد الرازق قد لعب دوراً في امتناع الناس عن الذهاب إلى دار العرض.

 لكن المزاج النفسي للجمهور لعب دوراً عكسياً. الناس لا يعنيهم الخلاف بكل توابعه، بقدر ما تستوقفهم الحالة. لم ينجح الفيلم في الوصول إلى الناس عندما عرض بين أفلام عيد الأضحى، واحتل المركز الرابع والأخير بين الأفلام المشاركة في هذا السباق.

 كان المركز الأول لـ "إكس لارج" والثاني "سيما على بابا". حتى أنّ "أمن دولت" تفوّق عليه. لقد كانت هناك محاولات من بعض المشاركين في بطولة "كف القمر" مثل جومانا مراد، وحسن الرداد وصبري فواز للذهاب إلى دور العرض ومشاهدة الفيلم مع الجمهور لخلق نوع من الاهتمام.

 لكنّ هذه الزيارات لم تنجح في تحفيز الناس.

 وأعتقد أنّ خالد يوسف تعمّد ألا يذهب انتظاراً لما ستسفر عنه هذه الزيارات. وعندما باءت بالفشل، لم يكرّر المحاولة!

في السينما المصرية، يتحمّل النجم أسباب الإخفاق الجماهيري، وينسب إليه النجاح أيضاً إلا في حالات محددة يتحمل فيها المخرج النتائج نجاحاً أو فشلاً. من بين هذه الحالات الاستثنائية، فإنّ خالد هو المسؤول الأول عن النجاح والإخفاق الجماهيري. ولهذا يصبح حصوله على جائزة نوعاً من التعويض الأدبي له بعدما خذله الجمهور. 

هكذا وللمرة الأولى في حياته، قرر أن يستجير بالمهرجانات ليصبح مخرج مهرجانات وليس مخرج جمهور. ولا أتصور أنّ هذا هو طموح خالد، لكن الجائزة أنعشته قليلاً. إلا أنّه بمجرد عودته إلى القاهرة ومتابعة تردّي إيرادات "كف القمر"، ستضيع نشوة الجائزة في لحظات!

المزيد:

حصاد 2011: شائعات و"خناقات" وفضائح النجوم