مساء الخميس المقبل، تعلن جوائز الدورة الخامسة من "مهرجان وهران السينمائي". أعتقد أنّ هند صبري ستحصل هذه المرة على الجائزة التي تستحقّها كأفضل ممثلة عن دورها في فيلم "أسماء". وكانت الجائزة قد تجاوزتها في "مهرجان أبو ظبي" الذي عقد قبل شهرين.


لا شك في أنّ الفيلم مغامرة إبداعية، وهند صبري قدمت دوراً لا ينسى. ربما عند إعلان الجوائز، يصبح حظ الفيلم الجزائري "نورمال" لمرزاق علواش أوفر في الجوائز. وسوف ينافسه "هلأ لوين" للبنانية نادين لبكي، و"حبيبي رأسك خربان" للفلسطينية سوزان يوسف في جائزة أفضل فيلم. لكنّي أرى أنّ لا أحد سينافس هند صبري في فنّ الأداء الدرامي في الأدوار النسائية. عُرض الفيلم تجارياً في مصر لكنّه لم يحقق الإيرادات لأسباب قد نرصدها نفسياً وليس إبداعياً فقط.
هل ضبطت نفسك عاجزاً عن النظر إلى صورة منشورة في الجريدة تظهر وجهاً ممتلئاً بالبثور مثلاً؟! حزنت وأشفقت نعم، لكنك أيضاً ولا شعورياً، كنت تخشى أن تنتقل إليك العدوى رغم أنّنا نتعامل مع صورة. أتصور أنّ تلك هي المعضلة التي واجهت فيلم "أسماء" للمخرج عمرو سلامة. فالعمل يتناول قصة امرأة خمسينية مصابة بالإيدز، أي أنّه منذ البداية وضع مساحة من التباعد بين الشاشة والجمهور. ما هي معاناة مريض الإيدز في العالم؟ إنها تلك النظرة المحمّلة بالإشفاق التي ترفع رايةً كُتب عليها: ممنوع الاقتراب! لا يزال الرعب يسيطر على الجميع عندما نضطر للتعامل مع مريض الإيدز، وهو أيضاً يتعامل معنا كمنبوذ. وربما لهذا السبب، شاهدنا في اللقطة الأخيرة من الفيلم هند صبري وهي تنزع القفاز وتسلّم على مقدم البرامج التلفزيونية الذي أدى دوره ماجد الكدواني. إنّه تفصيل دقيق لكنّه يعني أنّ كل طرف عبر إلى الضفة الأخرى للثاني.


المعاناة في وجهها الأقسى لمريض الإيدز، تستطيع أن تلمحها في المجتمع الشرقي من خلال تلك النظرة التي تحمل اتهاماً أخلاقياً لكل من يحمل الفيروس. يتوقّف الفيلم عند تلك القضية وهي أنّ اتهاماً بالانحلال الأخلاقي يسيطر على الناس عند تعاطيهم مع مريض الإيدز قبل أن يحدّدوا موقفهم منه: هل يمنحونه نظرة شفقة أم ازدراء؟ هم يريدون أولاً شهادة البراءة.. لو رأيت إنساناً تلتهمه النيران، يفترض أن لا تسأل عن سبب اشتعالها قبل إطفائها. إلا أنك مع مريض الإيدز تترك النيران تلتهمه ونحن ننتظر حكماً أخلاقياً!


هدف الفيلم أن يحطّم هذا الجدار. ولهذا، فإن البطلة التي تحمل المرض الذي لا يظهر عليها، تبحث عن فرصة لإجراء عملية المرارة. لكنّ كل المستشفيات ترفض أن تجري لها العملية خوفاً من نقل العدوى رغم أن الأمر محسوم طبياً في أسلوب التعامل جراحياً مع مريض الايدز. نظرة الاتهام تسيطر حتى على البسطاء الذين يتعاملون معها في المطار، إذ أنّها عاملة نظافة. إلا أنّ الفيلم وقع في خطيئة درامية عندما أذاع السرّ لجمهوره ومنعه عن أبطاله. نحن كمتفرجين نعرف أنها ضحّت بنفسها وأصيبت بالعدوى من زوجها عندما رفضت أن تتركه يموت. ونعلم أنّه بعدما أخبرها الطبيب بحقيقة المرض، أقامت العلاقة مع زوجها كي تمنحه الطفل الذي يتمنّاه. وهي طبقاً لوصيته ترفض أن تبوح بسرّ مرضه. 

المخرج روى لجمهوره ما هو ممنوع عن أبطاله، وخان العمق الذي يريده أن يصل إلينا وهو أن نتعاطف مع المريض ونوفر له أسباب العلاج قبل أن نسأل عن السبب. وقع الفيلم في تناقض بين المعنى والمبنى. مع ذلك، فإنّه بقدر ما يحمل مرارة، يزرع أملاً. وهو ما عبّر عنه عمرو سلامة بكل المفردات الفنية في التصوير والديكور والموسيقى. ويبقى أنّ المخرج تقدّم كثيراً في فيلمه الروائي الثاني بعد باكورته "زي النهارده". وستمكث هند صبري طويلاً في الذاكرة وهي تتقمص دورها بإبداع وألق في نبرة الصوت والإيماءة والحركة والنظرة. ولا يزال ماجد الكدواني قادراً على إدهاشي في طريقة التقاطه تفاصيل الشخصية التي يؤديها. لقد حصل الكدواني بالفعل على جائزة أفضل ممثل في "مهرجان أبو ظبي". ومن حقّه أن يحصل عليها مجدداً هذه المرة. في هذا الوقت، تنتظر هند أن تنالها في "وهران" بعدما تجاوزتها في "أبو ظبي" وهو ما يتوقّعه كاتب هذه السطور!