سحر السينما يفضح كذب السينما! في الحياة الفنية، نعيش مع شخصيات يستحيل أن تتم استعادتها عبر الشاشة مرة أخرى... تلك الحالات الاستثنائية تتمتع بوميض خاص، ولهذا تفقد الكثير عندما تتم إعادة تجسيدها!
أتذكّر مثلاً سعاد حسني، وعبد الحليم حافظ، وليلى مراد، ومحمود درويش... كل هؤلاء وغيرهم، لم يصدّق الجمهور الممثلين الذين جسّدوا شخصيتهم لأنّ هؤلاء العمالقة يتمتعون بالقدرة على البقاء في الذاكرة حتى بعد رحيلهم عن الحياة. وتستطيع أن تضع بين النجمات العالميات مارلين مونرو على رأس هذه القائمة!


حالة الوهج الخاص التي يتمتع بها هؤلاء لا يمكن استعادتها. الأشرطة السينمائية القديمة لمارلين مونرو صنعت سحراً يفضح أي محاولة لإستعادته عبر شريط سينمائي جديد. أكثر من مرة، حاولت السينما مثلاً أن تقدم حياة مارلين مونرو. وفي كل مرة، كانت تبوء المحاولة بالفشل. وقد لعب رحيل مونرو المبكر والمفاجئ دوره لتكتمل ملامح الأسطورة وتظل ذاكرة السينما محتفظة بصورة ثابتة لها. إنّها الشابة دائماً التي تعانق الحياة. لا يمكن أن تؤدي دور مارلين مونرو سوى فنانة واحدة هي مارلين مونرو. ولهذا بدأ التفكير في إعادة مارلين مونرو إلى الحياة السينمائية من خلال أفلامها القديمة. إذ نشاهدها في لقطات تجميعية من أفلامها القديمة بعد أن يُكتب سيناريو جديد يضع منطقاً درامياً لهذا التتابع!


ولم يتوقف الطموح عند هذا الحد. هناك تفكير جدي في استخدام تقنية الأبعاد الثلاثة لتظهر لنا مارلين مونرو مجدداً وهي مجسمة على شاشة سينما 2012! أما ما شاهدناه في ليلة ختام مهرجان "دبي" فهي مارلين. مرة أخرى، نعود معها إلى زمن فيلمها القديم "الأمير وفتاة الاستعراض" الذي شاركت في بطولته وأخرجه سير لورانس أوليفييه عام 1956.
عنوان الفيلم "أسبوعي مع مارلين مونرو". هو لا يدّعي تقديم سيرة ذاتية لها ولكنه فقط يروي أسبوعاً عاشته عندما قرر المخرج والكاتب البريطاني كولين كلارك أن يصدر مذكراته التي أطلق عليها في البداية عنوان "الأمير وفتاة الاستعراض". وتناول كولن كلارك مذكراته أثناء تصوير الفيلم الذي استمر ستة أشهر. إلا أنّه أخفى أسبوعاً واحداً كان استثنائياً في علاقته مع مارلين مونرو. وقد قدمه لاحقاً في جزء ثان من مذكراته. إذ ارتبطا معاً في علاقة عاطفية رغم أنّها كانت تقضي شهر العسل مع زوجها الكاتب العالمي آرثر ميللر الذي انتقل من لندن عائداً إلى أميركا بعد بضعة أيام. بينما كانت مارلين تعيش فصول قصة حب ملتهبة مع مساعد المخرج الثالث كولين كلارك. العمل الفني مأخوذ عن مذكرات كلارك وأخرجه سايمون كيرتس. يطرح الفيلم أكثر من تحدٍّ رغم محدودية مستواه الفني. أولاً كيف نستعيد شخصية صنعت صورة ذهنية راسخة صارت هي أيقونة الإغراء في السينما في العالم كلّه؟ هل يمكن إحياء الزمن سينمائياً بكل تفاصيله؟ وكيف نعثر على مارلين أخرى؟ وهكذا يخسر الفيلم أولى معاركه لأنّ المقارنة ستحدث بين الأصل والخيال. أما التحدّي الثاني فهو عندما ارتبطت مارلين بعلاقة خاصة، هل يحق لأحد الأطراف أن يحكي من دون استئذان؟ وإذا علمنا أن تلك العلاقة لم تخرج من دائرة قريبة جداً ورحل أغلب شهود العيان، فهل ما يرويه كلارك هو الحقيقة أم أنّه يبالغ في إضفاء الكثير على تلك العلاقة التي تصب في صالحه؟ إنها ليست قيوداً شرقية كما يعتقد البعض لكنها قواعد عامة لا تفرق بين شرق وغرب!


أن تروي عن السحر، غير أن تعيش مع السحر. ولم تكن مارلين ممثلة عبقرية في الأداء، إلا أنّها كانت الأكثر حضوراً على الشاشة والأعمق وميضاً عند الجمهور. لم تتعلم فن التمثيل، بل استندت إلى حضورها وأنوثتها ودعمت كل ذلك بتلك التلقائية التي تنضح في أدائها. قدّم الفيلم علاقة أخرى لمارلين يعتقد البعض أنّها لم تكتمل مع النجم سير لورانس أوليفييه، إحدى أساطير الفن السابع. هو عاش أيضاً قصة حب من طرف واحد وإن كان أوليفييه قد أشار في مذكراته إلى أنّها علاقة بين طرفين. مشاعر مارلين توجهت إلى مساعد المخرج الثالث الذي توكل إليه عادة مهمة مراجعة السيناريو مع النجوم، فلم تكن له أي إضافة فنية في الفيلم السينمائي.


الحالة الإبداعية التي أرادها الفيلم أي أن تجسّد ممثلة سحر مارلين مونرو، باءت بالفشل. لم تستطع النجمة ميشيل ويليامز أن تعيد لنا شيئاً من مارلين رغم أنها تدربت كثيراً على الأداء وأيضاً الغناء. بينما نجح في تجسيد دور أولييفيه النجم كينيث برناه الذي منح الدور قدراً من الدفء. ربما لأنّ أوليفييه لم يتجسد سينمائياً ووجدانياً بالقدر نفسه الذي حظيت به مارلين... ولهذا صدقناه!


ويقتحم الفيلم بعض التفاصيل عن كواليس العمل الفني وحالة الغيرة التي قد تسيطر على فنان تجاه آخر وعاشها أوليفييه الذي اعتقد أنّ مونرو سوف تعيد إليه شبابه الغارب، فوجدها تتركه لتبحث عن شاب يصغرها وتعيش معه أسبوعاً لا ينساه.


"أسبوعي مع مارلين" حكاية من طرف واحد. هل حدثت بالفعل وبكل هذه التفاصيل؟ هل أمضت مارلين حقاً هذا الأسبوع مع مساعد المخرج الثالث أم أنّه كان يتمنى أن يقضي معها هذا الأسبوع ولو في شريط سينمائي؟!
ويبقى الحديث عن إعادة تقديم مارلين مونرو سينمائياً، سيما أنّ النجمة الاسترالية ناعومي واتس تصوّر بالفعل حياة مونرو في فيلم جديد.. هل يمكن أن يصدق الجمهور أنّ هناك مارلين مونرو أخرى غير مارلين مونرو؟

 

المزيد

طارق الشناوي: عادل إمام وغياب سياسي عن رمضان!

مهرجان دبي: كيس «بوب كورن» مع توم كروز!

معرض مارلين مونرو من Salvatore Ferragamo