هل السينما تساوي المتعة بالنسبة إليك؟ أي أنك تعتبر أنّ الفيلم المسلّي هو الأهم؟ إذا كانت إجابتك بنعم، فإنك سوف تسعد بفيلم «مهمة مستحيلة: بروتوكول الشبح» من بطولة وإنتاج توم كروز الذي افتتح الدورة الثامنة من «مهرجان دبي السينمائي الدولي» يوم الأربعاء الماضي. إنه الجزء الرابع من سلسلة «مهمة مستحيلة» التي ارتبطت بالنجم العالمي!
في هذا الجزء، تستطيع أن تعثر على لمحة تعيدنا مرة أخرى 60 عاماً إلى الوراء، وتحديداً إلى الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بين أميركا والاتحاد السوفياتي (روسيا اليوم). شهدت تلك السنوات في مطلع الخمسينيات، استخدام سلاح السينما في خط المواجهة الساخنة. وكانت الحرب قد أدت إلى تقسيم أوروبا والعالم كله بين شرق وغرب. شاهدنا قذائف سينمائية متبادلة بين القطبين بل إنّ المهرجانات السينمائية كانت تعبّر من خلال توجهاتها عن هذا التناقض. ومن أشهر الأفلام التي قُدمت بروح ساخرة تحمل إدانة لتلك الحرب فيلم «الروس قادمون» الذي كان يحمل رسالة تفيد بأنّ الخوف الكامن في العقول هو الخطر الحقيقي الذى يهدد أميركا!


خفتت حدة الحرب الباردة قبل 20 عاماً مع موجة «البروسترايكا» التي قادها الزعيم الروسي غورباتشوف وأدت إلى سقوط التوجه الشيوعي وإعادة رسم الخريطة السياسية لأوروبا، خصوصاً بعد توحّد ألمانيا الشرقية والغربية. إلا أنّه تحت الرماد، نجد عدداً من الوقائع والأفلام التي تروي شيئاً من الماضي أو تتعامل مع تفاصيل من هذا الزمن، وتؤكد على أن الصراع لم ينته بعد. هكذا مثلاً تباينت بل تناقضت المواقف الروسية والأميركية تجاه ثورات الربيع العربي!
جاء فيلم الافتتاح في مهرجان دبي «بروتوكول الشبح» في قالب بوليسي ساخر. والسخرية تسمح ببعض المبالغات في الدراما وأيضاً في الأداء، شرط أن يدخل المتفرج صالة العرض مدركاً شروط اللعبة!


في العالم كله، تستطيع أن تدرك ببساطة أنّ 80% من الأفلام تجارية. وهذا النوع تشاهده بقدر من المتعة أو الغضب. فإما أن تتقبل قانونه الفني أو الدرامي، أو ترفضه ولا طريق ثالثاً لأنّه عليك الاختيار وتحمّل النتائج. إذا كانت السينما تساوي المتعة بالنسبة إليك تماماً مثلما «تقزقز» الفشار، فقد وقع اختيارك على الفيلم الصحيح. لكن لو كان التأمل هدفك الأثير وتريد أن تنعش عقلك ووجدانك بالعمل الفني، فأنت بالتأكيد قد ذهبت في هذه الحالة إلى الفيلم الخاطئ!


في «مهمة مستحيلة4»، يتواصل اللقاء مع توم كروز في دور العميل إيثان هانت يقدمه المخرج باعتباره صاحب قضية وموقف يريد تبرئة ساحته من هذا الانفجار الذي وقع فى الكرملين ولم يكن مسؤولاً عنه لكنّه أدى إلى توتر العلاقة بين أميركا وروسيا. وتبدأ الأحداث عاقدةً هذا الاتفاق الفني مع المتفرج. سوف تضحك مع الأحداث التي تحمل عنفاً وتشويقاً لكنه عنف غير ملوث بالدماء كي يظل الإحساس الكوميدي هو المسيطر عليك حتى نهاية الفيلم. إنه القانون الذي حرص عليه المخرج براد بيرد الحائز جائزتي أوسكار والقادم من أفلام التحريك (الرسوم المتحركة) وعالم السينما الروائية الطويلة.


المهمة المستحيلة تبدو هذه المرة مزدوجة: المخابرات الأميركية تريد معرفة شفرة الصاروخ الروسي الذي سينطلق إلى مهمة تدميرية وفي الوقت عينه تعلن أنّ ليس لديها أي مخططات ضد روسيا. كما أن العميل الأميركي (توم كروز) يريد أن يؤكد بأنّه ليس مسؤولاً عن فشل العملية الأولى التي أدت إلى تفجير مبنى الكرملين في روسيا. هو يحمل على عاتقه مهمة مزدوجة تقضي بتبرئة نفسه والوكالة التي يعمل لحسابها من تلك الاتهامات. أما القسط الوافر من أحداث «مهمة مستحيلة»، فتجري في «برج خليفة» أعلى برج في العالم، فيما يدور جزء آخر في مدينتي مومباي وموسكو. وبالطبع، فإن الفيلم يحوي كل التفاصيل الخاصة بالإثارة والخوف على البطل والإقدام على المستحيل وغيرها من المشهيات التي لا يخلو منها أي عمل فني يندرج ضمن سينما التشويق. نشاهد العديد من التفاصيل التي تبعدك عن التصديق لكنك تصدقها فقط في حالة واحدة: لو أردت ذلك، خصوصاً أنّ مشاهد التفجير نُفِّذت بحالة بدائية. وبالطبع لا يشفع للفيلم أنّ البطل توم كروز تحمّل العديد من المخاطر، وحرص على أداء أغلب المشاهد الصعبة بل المستحيلة بهدف منح مصداقية أكبر للعمل الفني.


اعتاد «مهرجان دبي» أن ينتقي فيلمي الافتتاح والختام من الأعمال الفنية التي تحصد جوائز الأوسكار بعد أن يكون المهرجان قد انفرد بتقديمها لجمهوره. نتذكر مثلاً «خطاب الملك» العام الماضي، وقبله «مليونير العشوائيات» و«أفاتار» الذي نافس بقوة وحقق أعلى رقم عالمي في تاريخ الإيرادات وغيرها من الأعمال التي تحصد الجوائز. لكن هذه المرة اختار المهرجان فيلماً للتسلية فقط. على مستوى القيمة الفنية، لا تعيش هذه الأفلام أكثر من زمن عرض الشريط. مع ذلك، فالفيلم لم ينس أن يعدك قبل النهاية بجزء خامس تلتقي به قريباً!


يطلقون على هذه الأعمال تسمية «أفلام الفُشار» لارتباط السينما عند البعض بتناول الـ «بوب كورن»، فإذا كنت تحبّ «الفشار» وتحبّ توم كروز، ننصحك في هذه الحالة ألا تفوّت الفيلم!

 

المزيد

توم كروز: "مهمّة مستحيلة" على برج خليفة

توم كروز... الرومانسي الأبدي