واجهت صباح شائعة موتها بقدر كبير من الثبات. قالت إنّها لا تريد أن تصاحبها أي مظاهر للصخب في وداعها... فكيف لمن عاشت تحت الأضواء أكثر من 60 عاماً، أن تتمنى وداعاً هادئاً؟

 إلا أنّ "الصبوحة" بقدر ما تقبّلت الموت، بقدر ما أزعجتها الشائعة وتساءلت عن سبب الاستعجال في رحيلها. وألمحت إلى أنّ هناك من يلاحقها بهذه الأقاويل ليسرق هدوءها النفسي. هل شائعات الموت التي طالت كثيرين في الأشهر الأخيرة، يقف وراءها عقل مجنون أم قلب أسود؟

تثير هذه الشائعات الكثير من الأشجان لدى الفنانين، خصوصاً عندما تمتزج بإحساس الترصد. يعتقد الفنان أحياناً أنّ هناك من يقصد أن يشيع عنه هذا الخبر بسبب الغيرة المهنية أو الكراهية الشخصية.

 وبحكم المهنة، كثيراً ما أتلقى مكالمات من بعض الزملاء الصحافيين والمذيعين في مصر والعالم العربي وهم يقولون لي: "سمعت شائعة موت فلان". فأقول لهم: "هل تأكدتم؟". تأتي الإجابة: "نريد أن نتأكد منك والخبر يتم انتقاله على "النت".

 يصبح الأمر في غاية الحساسية: هل أتصل ببيت الفنان؟ فإذا رد عليّ أحد أفراد أسرته، أسأله: "هل الفقيد لا يزال على قيد الحياة؟". وفي حال سماعي صوت الفنان، هل أقول: "أخبار صحتك إيه؟"". وبما أنّني لست ممن يسألون عادةً عن صحة المرء، سوف يشكّك الفنان في خلفيات هذا السؤال.

 ثم إنّه يكون غالباً قد تلقى عشرات من المكالمات المشابهة التي لا تفصح مباشرة عن هدفها ولكنها تثير الريبة والشك. ثم تنتهي هذه المكالمات عادةً بعبارة: "الحمد لله، أنا اطمنت عليك". بالتأكيد، فالفنان الذي يتلقى كل هذه المكالمات من أشخاص لم يعتد على التواصل الدائم معهم، سوف ينتابه الشك بأنّ هناك أمراً جللاً حدث له. وقد يعتقد أنه انتقل فعلاً إلى رحمته لكنّه لا يدري!

قبل أشهر، سرت شائعات موت عمرو دياب، وعادل إمام، ونادية لطفي، وسمير غانم قبل أن تنتشر شائعة موت صباح. واجه عادل الخبر بسخرية لاذعة، سيما أنّه قبل أسابيع من تلك الشائعة، واجه واحدةً مماثلة. ولهذا كتب بنفسه يسخر من الموت وحرص على أن يلتمس الأعذار لمن لم يستطع المجيء إليه في لحظة وداعه، مؤكداً أنه تسامح معه خصوصاً أنّه يعلم أن بعضهم قد توقع أنّها شائعة لكثرة تكرارها. كما أنّ هناك من انشغل في الاستديو وهو لا يستطيع أن يلوم أحداً!

في كواليس الحياة الفنية، لا تنقطع تلك الشائعات وأتصوّرها تعبّر في جانب منها عن فرط الحب، وليس عن الحقد والكراهية كما قد يتبادر مباشرة إلى الذهن. شائعة الموت تنتهي فور تكذيبها، بينما الشائعات الأخرى تنمو وتكبر حتى بعد تكذيبها.

 مثلاً لو أنّ هناك من يطلق على فنان شائعة إصابته بالإيدز ويظهر الفنان عبر أجهزة الإعلام مكذّباً الخبر، فالناس أو بعضهم على الأقل لن يصدّقوه. يظل هناك احتمال قائم بتصديق الشائعة، ناهيك عن الشائعات الأخلاقية التي تظل تلاحق الفنان أو على الأقل بقاياها مهما حاول التكذيب. أنا على عكس أغلب الزملاء. أرى أنّ في بعض شائعات الموت قدراً من الحبّ، لكنه حبّ عاجز عن اختيار التوقيت والمفردات الصحيحة. هو يحمل بداخله خوفاً كامناً على الفنان.

 وإذا قال بعضهم مثلاً إنّ المتربصين بعادل إمام كثر، وقد يحقد بعضهم عليه، فماذا نقول عن شائعات الموت التي أطلقت دوماً على النجمتين الكبيرتين فاتن حمامة وشادية المبتعدتين عن أي منافسة فنية؟ الاختفاء يفتح الباب على مصراعيه لإنتشار هذه الشائعات وشادية وفاتن بعيدتان عن التواجد الإعلامي. ولهذا تتعرضان لهذه الشائعات. 

كما أن الانتشار المبالغ فيه قد يؤدي مع الأسف إلى النتيجة نفسها كما حصل مع سمير غانم الذي تواجد في رمضان الماضي من خلال الإعلانات. شهر رمضان كان "وش السعد" على كل أفراد عائلة غانم: دنيا سمير غانم وإيمي سمير غانم ودلال عبد العزيز احتلّين الشاشتين الصغيرة والكبيرة في أعمال ناجحة. وربما لهذا السبب انطلقت تلك الشائعة!

ويشهد التاريخ على العديد منها. ومن مفارقات شائعات الموت تلك التي أطلقت على فريد شوقي قبل أربعين يوماً من رحيله. كان ذلك عام 1998 عندما ظهر فريد على التلفزيون المصري، مؤكداً أنّ شائعة موته مجرد بروفة وأنّه تأكد من حبّ الناس، ولم يعد يخشى الموت!

لا أتصور أن شائعات الموت قابلة للحياة أكثر من دقائق معدودة في ظل الانتشار الفضائي ولهذا فلم تعد سلاحاً من الممكن استخدامه للنيل من أحد كما أنها تبدو في جانب منها نوع من الحب الذي قال عنه الشاعر الكبير بشارة الخوري "ومن الحب ما قتل".. "صباح" أمد الله في عمرك نتمنى لك سنوات مقبلة وتظل الشائعة مجرد شائعة!!

للمزيد

كارول سماحة: "الشحرورة" أجرأ منّي
"الشحرورة" تبحث عن فتاة شابة
إنّ أي تشابه بين شخصية "الشحرورة" وكارول سماحة مجرد صدفة!