بعد رحيل سعاد حسني، سألوا فاتن حمامة عن رأيها في أدائها للأدوار والفارق بينهما. أجابت فاتن: "سعاد أكثر جرأةً فنيةً مني".

بعنوان خادع هو "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة"، حصلت المخرجة اللبنانية رانيا اسطفان على جائزة أفضل مخرجة وثائقية في "مهرجان الدوحة ترايبيكا" التي أعلنت السبت الماضي. 

كمشاهد، يدفعك العنوان إلى التهيؤ لمشاهدة فيلم يتناول ما أثير من أقاويل وحكايات وافتراءات أيضاً عن سعاد حسني، وعلاقتها بأجهزة المخابرات المصرية من خلال تلك القصص الوهمية التي شغلت الرأي العام ونالت من سعاد حسني ولا تزال.

ومع الأسف، فإن العديد من الفضائيات والصحف العربية فتحت ملفّ سعاد الجنائي ولم تغلقه. حتى أنّ أسرتها تطالب الآن النائب العام في مصر بتشريح جثتها على اعتبار أنّ هناك جريمة متكاملة الأركان وراء انتحارها، وأنّها قتلت ولم تنتحر. وتلقى هذه الرواية درجة مصداقية عالية لدى الرأي العام وفي الوقت عينه، فإنّها تحجب الرؤية عن سعاد حسني الفنانة الكبيرة.

يأتي فيلم رانيا اسطفان رافعاً الظلم عن الفنانة الكبيرة. هو لم يتعرض إلى الشقّ الجنائي في اختفاء الفنانة الراحلة، فشاهدنا عملاً عن سعاد الفنانة على مدى أكثر من 70 دقيقة.

المقصود بالاختفاءات الثلاثة هو اختفاء سعاد حسني الفني في السنوات العشر الأخيرة من حياتها. بعد فيلم "الراعي والنساء" (1991)، لم تقدم أي عمل جديد واختفت أشرطة الفيديو من الأسواق ومن التداول. حتى أنّ المخرجة اكتشفت أن هناك أكثر من فيلم لسعاد لا تتوافر له نسخة على الفيديو. كما أنّ الاختفاء الأهم هو اختفاؤها القسري بالطبع عن الحياة!

تستطيع أن ترى الفيلم من خلال تلك الرؤية. سنشاهد سعاد حسني ونحللها كما هي في أفلامها كأننا نراها بعيون سعاد حسني! لجأت المخرجة إلى عشرات الأشرطة من أفلامها الكثيرة التي قدمتها إلى الشاشة ويتجاوز عددها الـ 82 عملاً روائياً ضاع مع الأسف بعضها بسبب عدم توافرها على أشرطة فيديو. كما أنّ بعضها لم يتم نقله  على" دي. في. دي".

المخرجة استعانت بأصوات أفلام ذات مردود نفسي في بنائها من أجل مشاهدة سعاد وهي تتساءل عن سعاد في أفلام مثل "أين عقلي" و"الحرمان" و"الاختيار".

استندت المخرجة إلى جمل من الحوار يرددها محمود المليجي، ورشدي أباظة ويحيى شاهين في تلك الأفلام لكي نرى سعاد حسني الشخصية الدرامية وهي تحاول أن تعثر على إجابة من سعاد عبر أفلامها على الشاشة. وانتقلت رانيا اسطفان من مشهد إلى آخر وهي تضع أمامها هدف الوصول إلى سرّ سعاد حسني.

لم نر في الفيلم أي محاولة لإجراء حوار تقليدي مثلما يحدث في عشرات من الأفلام التسجيلية المماثلة عبر استضافة أحد معاصري سعاد ممن تعاملوا فنياً معها ليلقي الضوء على جانب من إبداعها. كما أنّ المخرجة اكتفت بأن تترك المشاهد هو الذي يحلّل أداء سعاد من خلال هذا التراكم في الصور المتتابعة من الشريط. ظلت سعاد حاضرة طوال زمن الأحداث. نرى كيف أنّها النجمة اللامعة التي تستطيع من خلال أعمالها الفنية أن ترصد مثلاً تطور الجانات (الفتيان الأوائل) للسينما المصرية.

لقد كانت سعاد في مرحلة متوسطة بين جيلين، وشاركها البطولة جيل رشدي أباظة وشكري سرحان وأحمد رمزي. كما أنها كانت واحدة من النجمات اللواتي أسهمن في تأكيد تواجد الجيل التالي مثل نور الشريف، ومحمود ياسين وحسن فهمي وصولاً إلى أحمد زكي. كانت سعاد الأيقونة التي عاشت عليها السينما المصرية.

ومن خلال أفلامها، حقّقت المعادلة الصعبة: أن تقدم عملاً جماهيرياً ذا مردود فني. كما أنها لم تخضع للشباك. لم تكن تقبل أن تشارك في عمل فني لمجرد أنه مضمون في شباك التذاكر. واجهت العديد من القيم الاجتماعية البالية بمنطق فني. صارت هي نموذج الفتاة المصرية والعربية في الستينيات من القرن الماضي.

بذلت رانيا اسطفان جهداً في المونتاج، فهي أيضاً مونتيرة الفيلم. إلا أنّ الجانب السلبي في هذا العمل الفني أنّه كان ينبغي للمخرجة ألا تترك الأمر من دون جهد توضيحي كي تقترب من منهج سعاد حسني في الأداء الدرامي. لقد تركت المخرجة المشاهد هو الذي يحدّد سر الاختفاءات، فلم يكن فقط الاختفاء لسعاد ولكن مخرجة  الفيلم أيضاً!

هذا الفيلم لم يكن الأفضل في مسابقة الأفلام الوثائقية في "الدوحة". إذ تفوّق عليه فنياً فيلم "العذراء والأقباط وأنا" للمخرج نمير عبد المسيح الذي نال جائزة أفضل فيلم تسجيلي، و"التوق" للمخرجة لينا العبد الذي خرج بلا جائزة. إلا أنّ ميزة "اختفاءات سعاد حسني الثلاثة" أنّه أعاد الحديث عن سعاد حسني الفنانة الكبيرة في وقت امتلأت فيه الفضائيات بالأحاديث الوهمية عن سعاد حسني والمخابرات!