لا تزال نسبة النساء الحائزات جوائز «نوبل»، منذ إطلاقها عام 1901، متدنية في الميادين العلمية والاقتصادية. لكنها مشرفة في ما يخص «نوبل للسلام»، التي حظيت بها، في هذه السنة، ثلاث نساء، هنّ: ناشطة حقوق الإنسان اليمنية توكّل كرمان، ورئيسة ليبيريا، وناشطة أخرى، لييبرية أيضاً.


لجوائز «نوبل» كلها، حتى العلمية منها، مدلولات سياسية، وخبايا وخفايا وضغوط معينة، من لدن «لوبيات» معينة. لكن، الحق يقال: يخضع إيلاء جوائز الميادين العلمية والاقتصادية أيضاً، لاعتبارات علمية واقتصادية، و«لا نار من دون حطب». فعلى الرغم من التوجهات، غير الموضوعية أحياناً، للجان اختيار الفائزين، ثمة معطيات ملموسة تدفع أعضاءها إلى اختيار هذا المرشح دون ذاك، وحجج قوية لتبرير الاختيار، قائمة على أساس إنجاز علمي معترف به، وليس مجرد «مجاملات» ومجاراة. أما في ما يخص «نوبل للسلام»، وبدرجة أقل «نوبل للآداب»، فتكاد الخلفية السياسية، وظروف العالم الآنية، تشكل الثقل الأعظم، إن لم نقل الأوحد، الذي يسيّر خيارات لجنة التحكيم، فيرجح كفة هذا المرشح أو ذاك.


»كسر القيود«
فمثلاً، عام 2003، اندرج في ذلك السياق اختيار الإيرانية شيرين عبادي، التي كانت أول امرأة مسلمة تنال تكريماً في أهمية نيل «جائزة نوبل للسلام». وفي هذه السنة، مرّ «الربيع العربي» من هنا. فكان أن تم، من بين ثلاث فائزات، تتويج سيدة عربية، من بلد عصف به ذلك الربيع. فالناشطة اليمنية توكُّل كرمان، عرفت منذ سنوات بسعيها الحثيث من أجل حرية أكبر، واحترام أكثر لحقوق الإنسان، لاسيما حقوق المرأة، وصحافة أقل لجماً. وفي هذا الإطار، شاركت في تأسيس جمعية «صحافيات بلا قيود». ففي دول العالم الأخرى، لاسيّما في أوروبا، تشكّل جمعيات كثيرة من فئة «بلا حدود»، على غرار «أطباء بلا حدود»، «صحافيون بلا حدود»، إلخ. إذ تجاوزوا، هناك، مرحلة القيود، فلم يعد يخطر في أذهانهم تسمية جمعية من صنف «بلا قيود».


أما توكل عبد السلام خالد كرمان، البالغة من العمر 32 عاماً (ولدت في 7/2/1979، في محافظة تعز)، فلم تنعم بمثل ذلك الجو، نعني جو تلك البلدان التي قطعت مراحل متقدمة في فهم الآخر، وتقبل رأيه، حيث الحصول على الأشياء والكتابة عنها أسهل بكثير، وحيث التحقيق في التجاوزات لا يعني السجن، ودحض الاستبداد، وفضح الفساد، لا يفضيان إلى شر العواقب، ولا يؤديان إلى التهلكة. في بلدان أخرى، لم تصل بعد إلى تلك المنزلة، يشكل المرور في مرحلة «كسر القيود» محطة أساسية، لا بد من إنهائها أولاً، تمهيداً لطموحات أكبر. والناشطة كرمان كسرت القيود، وواجهت تلك المصاعب كلها من أجل رفع صوتها، والمطالبة بحقوقها كامرأة، وكمواطنة، وكصحافية وكاتبة، وأيضاً كمعارضة سياسية، بما أنها عضو في «حزب التجمع اليمني للإصلاح». وهي، بذلك، تستأهل التقدير والاحترام، وتستحق أيضاً ما نالته من تكريم عالمي، وذلك أياً كانت النوايا «الخفية» التي، ربما، سيّرت وقوع الخيار عليها. فالنضال من أجل حقوق أساسية في ظروف سياسية بالغة الدقة، منطوية على محاذير إن لم نقل مخاطر، مدعاة فخر أكثر من النضال «من الخارج»، والاستنكار في ظل أنظمة ديمقراطية، لا تأبه بالانتقاد والشجب والدحض، وتغض النظر حتى عن التشهير والقدح. تلك العوامل كلها، مع عدم إغفال ناحية «الضغوط» المشار إليها، بررت خيار لجنة تحكيم «نوبل للسلام». ومقر هذه الأخيرة في العاصمة النرويجية أوسلو، حيث يجرى انتخاب أعضائها من جانب البرلمان النرويجي. أما لجان تحكيم جوائز «نوبل» الأخرى، فكلها تعمل في العاصمة السويدية، ستوكهولم، موطن مؤسس الجائزة، ألفريد نوبل (1833-1896).


واجهت التحديات
الفائزة الثانية هي رئيسة ليبريا، إيلين جونسون سـِرليف Ellen Johnson-Sirleaf. في نهاية 2005، انتخبت لمنصبها، الذي تسنمته في مطلع 2006 في ظروف حرجة. لذا، توجهت الأنظار نحو هذه السيدة، البالغة من العمر 73 عاماً حالياً، لمعرفة ما إذا كانت «على قد المقام»، لاسيما أنها أيضاً أول رئيسة دولة في أفريقيا. فبلادها كانت خاضت حرباً أهلية مدمرة، دامت 14 عاماً، أنهكتها وقضت على اقتصادها. وربما شكل التحدي الاقتصادي أحد أسباب فوزها، في انتخابات 2005، على مواطنها جورج ويا، أفضل لاعب كرة قدم في أوروبا والعالم لعام 1995. فهي خبيرة اقتصادية أكثر من كونها سياسية، رغم شغلها منصب وزيرة في الماضي. وحازت شهادة من «جامعة هارفارد» الأميركية الشهيرة، وعملت في البنك الدولي سنوات. وهذه الخبرة، تحديداً، أعانتها على تسيير شؤون ليبيريا، التي وُضعت ماليتها تحت الوصاية الدولية، بإشراف البنك الدولي.
وتحتم على الرئيسة المنتخبة مواجهة تحديات عديدة، أهمها إعمار ليبيريا، وإعادة الماء والكهرباء. كما توجب على الأرملة المنتخبة إجادة التعامل مع «أمراء» الحرب الأهلية، التي لم تكن جراحها التأمت بعد. فصحيح أن الرئيس السابق، تشارلز تايلور، المسؤول الأكبر عن بلاء البلاد وتفجير جنونها الدموي لفترة عقد ونصف العقد تقريباً، كان لاذ بالفرار، فلجأ إلى نيجيريا في 2003. لكن أزلامه ظلوا بالغي النفوذ، ما عقد الأمور على الرئيسة الجديدة. إلى ذلك، ما من شك في أن جونسون سِرليف، التي أمّنت حمايتها قوات الـ«مارينز» الأميركية، كانت مرشحة واشنطن المفضلة. وهذا ما يفسر مشاركة وفد مهم من الإدارة الأميركية في مراسم تنصيبها وأدائها القسم الدستوري، في 16/1/2006. وضمَّ الوفد «ألمع» وجهين نسويين في أميركا، وقتها: وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، ولورا بوش، حرم جورج بوش، أي «السيدة الأولى». وسبب تلك المشاركة الاستثنائية، فضلاً عن إرادة واشنطن تعزيز مكانة مرشحتها المفضلة، يكمن في أن للعلاقات بين البلدين جذوراً تاريخية: تأسست ليبيريا عام 1822 من جانب عبيد سود فرُّوا من مستعبديهم الأميركان البيض. وهذا ما يفسر اسم البلاد: «ليبيريا»، اشتقاقاً عن «ليبرتي»، أي «الحرية». إذن، يجوز القول إن الليبيريين «أميركيون سابقون» نوعاً ما، عادوا إلى ديارهم الأفريقية الأصلية. وهذا ما يفسر تشابه علم ليبيريا مع العلم الأميركي، مع فارق أن مستطيله الأعلى الأيسر لا يضم سوى نجمة واحدة.


»الإضراب عن الجنس«
وبالمناسبة، حضر مراسم تنصيب سِرليف أيضاً العقيد معمر القذافي، الزعيم الليبي المتواري عن الأنظار حالياً، إضافة إلى عدد من زعماء أفريقيا وممثلين عن الاتحاد الأوروبي ودول عديدة. في أي حال، «ورثت» جونسون سِرليف بلاداً محطمة، مهشمة، مدمرة، يجيد شبابها وصبيانها التصويب والرمي، لكن يجهلون القراءة والكتابة. وفي رأي المراقبين السياسيين، تمكنت الرئيسة الأولى المنتخبة ديمقراطياً في تاريخ القارة السوداء من رفع معظم التحديات. ويشددون، مثلاً، على أنها استطاعت فرض حق التصويت للنساء. ويعد ذلك خطوة مهمة في درب إحقاق حقوق المرأة، وإنصاف «النصف الآخر»، لاسيما في بلد عانت فيه النساء كثيراً جراء الحرب الأهلية. فعدا عن حالات الاغتصاب العديدة، التي تعرض لها بعضهن خلال 14 عاماً من الاقتتال، ترملت مئات الآلاف منهن، أو أصبحن ثكالى أو يتيمات، بعد فقدان زوج أو ابن أو أب أو أخ. وفي الحديث عن الحرب الأهلية، يعترف المراقبون لجونسون سِرليف بقدرتها على احتواء جمرها، الراقد تحت الرماد، ما جنب الليبيريين اشتعالها مجدداً.
ويبدو أن أعضاء لجنة «نوبل للسلام» اقتنعوا بتلك الإنجازات، فعدّوها إسهاماً ملموساً في مسيرة السلام في العالم، ما برر فوز جونسون سِرليف بالـ«تثالث»، وليس التناصف، بما أنها تقاسمت الجائزة مع اثنتين أخريين. ومن بينهما، إحدى مواطناتها: ناشطة حقوق المرأة ليما غبوي(Leymah Gbwee). فهذه الأخيرة، مثل رئيستها، ناضلت أيضاً من أجل إحلال السلام في بلادها، أيام الحرب الأهلية. وأسست «حركة نساء ليبيريا من أجل السلام». وتمثلت أغرب مبادراتها في حض الليبيريات على «الإضراب عن الجنس». إذ دعتهن إلى «الامتناع عن الواجب الزوجي إلى أن تنتهي الحرب الأهلية»، أملاً في أن يسهم «حرمان» الرجال في إرغامهم على بذل جهود أفضل لإنهاء الحرب. فهم أفارقة، لا يطيقون مثل ذلك «الصيام» الإجباري.
في تلك الفترة، ذاع صيت غبوي، وأصبحت ذات شعبية عالية بين مواطناتها، وحتى بعض مواطنيها. هكذا، وجد الرئيس السابق، تشارلز تايلور، نفسه مرغماً على إشراكها، ومعها «حركة نساء ليبيريا من أجل السلام»، في المفاوضات متعددة الأطراف، التي أفضت إلى وقف إطلاق النار، ثم التوصل إلى هدنة بين الأطراف المتحاربة، ثم فترة انتقالية دامت 30 شهراً، انتهت بتنظيم انتخابات رئاسية. وذلك ما مهَّد الطريق أمام جونسون سِرليف لكي ترشح نفسها. والتالي نعرفه. وطبعاً، استمرت غبوي في أنشطتها للمناداة بحقوق المرأة الليبيرية، واتخذت مبادرات كثيرة في هذا الشأن، وساندت الرئيسة جونسون سِرليف، مواطنتها حائزة «نوبل للسلام». وتلك هي العوامل، في رأي لجنة التحكيم، التي بررت إيلاء ليما غبوي «ثلث» جائزة 2011.

 

للمزيد:

صور:النجمات "قبل وبعد"... في الأفلام


فيديو:ماذا قال صنّاع «18 يوم» عن الفيلم؟