لم يكن صباح يوم الثلاثاء السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، كغيره من الصباحات في دبي، حيث شهدت الإمارة حادثاً مروعاً تجلَّى بقيام سيدة بإلقاء نفسها من الطابق الثامن للمبنى الذي تسكن فيه، بعد سقوط طفلها من النافذة أمام عينيها، ليلقى الاثنان حتفهما في لحظات.
المكان: منطقة «بُحيرات الجميرا» وبالتحديد برج «ليك تاور 214» في إمارة دبي.
الزمان: الساعة السابعة صباحاً.
الموضوع: أقدمت سيدة إيرانية الجنسية، في العقد الثالث من العمر، على الانتحار بعدما شاهدت طفلها الصغير (كوروش) ذا الأعوام الخمسة، يسقط من الطابق الثامن أمام عينيها. وفي تفاصيل الحادثة، إن الأم كانت قد نزلت مع ابنتها الكبرى (15 عاماً) لتوصيلها إلى الحافلة المدرسية، وتركت طفلها الصغير وحده في الشقة. وأثناء وجودها في الشارع في انتظار الحافلة، سمعت صراخاً، فاتّجهت نحو مصدر الصوت، فإذا بطفلها الصغير يسقط من نافذة الشقة التي تقع في الطابق الثامن. حاول حارس البناية أن يقف عند نقطه سقوط الطفل حتى يتمكن من إنقاذه والإمساك به، لكن الطفل ارتطم بكتفه، وباءت محاولة الحارس لإنقاذه بالفشل فقضَى كوروش فوراً.
لم تتحمل الأم صدمة فقدانها طفلها خلال ثوانٍ معدودة، وبطريقة هستيرية هرعت إلى الشقة، واتّجهت إلى النافذة التي سقط منها ولدها، في حين وقف الجميع ينظرون إليها في ذهول من أسفل البرج، وهي تحاول إخراج جسدها من النافذة لتلقي بنفسها وتسقط إلى جوار جثة طفلها وتُفارق الحياة بعد أقل من خمس دقائق. مشهد صعب، ومأساة حقيقية عاشتها تلك العائلة وتحديداً تلك الفتاة اليافعة، التي فقدت شقيقها الأصغر، وأصابتها حالة هستيرية عندما شاهدت جثة أخيها المغرقة بالدماء، فهرعت إليه تحتضنه بعد أن فارق الحياة، لترى والدتها بعد دقائق معدودة تسقط هي الأخرى جثة هامدة قربها.


مأساة واقعية
عن تفاصيل الواقعة المأساوية، يقول العميد خليل إبراهيم المنصوري، مدير الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي: إنّ «الأم ألقَت بنفسها من الطابق الثامن، وهي في حالة هستيرية، بعدما شاهدت ابنها يهوي أمام عينيها، ما دفعها إلى الصعود بسرعة إلى الشقة، وإلقاء نفسها من المكان نفسه، لتلقى حتفها على الفور إثر ارتطامها بالأرض». مؤكداً، أن «الابنة أصيبت بحالة من الفزع والذهول وهي تشاهد جثتي أمها وشقيقها ملقاتين أمام عينيها». يُضيف العميد المنصوري، أن الواقعة «حدثت في السابعة صباحاً، عندما نزلت الأم مع ابنتها الكبرى 15 سنة، لتوصيلها إلى حافلة المدرسة». ويُوضح، إنه «عندما وَرَد البلاغ إلى غرفة العمليات، تم الانتقال فوراً إلى موقع الحادث، وتابَعهُ القائد العام لشرطة دبي، الفريق ضاحي خلفـان تميم، من خلال مركز القيادة، وانتقل نائب القائد العام اللواء خميس بن مزينة إلى مكان الحادث، وعاينه بنفسه للوقوف على ملابساته، حيث راح يُهدئ من روع الفتاة التي رأت أخاها وأمها يلقيان حتفيهما أمامها».


أحداث سريعة ومتلاحقة
«الأحداث جاءت سريعة ومتلاحقة خلال ثوانٍ معدودة فقط»، هذا ما يؤكده مدير إدارة البحث الجنائي في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، المقدم أحمد حميد المري، حيث يفيد بأن «حارس الأمن (الناطور) حاول إنقاذ الطفل، بأن يتلقاه بيده في نقطة السقوط، لكن قوة دفع الطفل سببت كسراً بيد الحارس وأفقدته الوعي». ويوضح المقدم المري، أن «الطفل سقط على رأسه وارتطمت أنحاء جسده بالأرض»، لافتاً إلى أن «روايات الشهود أكدت أنه كان يتنفّس بصعوبة، ومات بعد دقيقة واحدة من لحظة وقوعه، ثم فوجئ الناس الذين كانوا مُتجمهرين بالمصيبة الأخرى، وهي سقوط الأم». يقول المقدم المري: «إنه تَبيَّن وجود طاولة بالقرب من النافذة، وأن الطفل كان قد تغيب من المدرسة في هذا اليوم بعدما تأخر عن موعد حافلة مدرسته، فتركته الأم بمفرده ونزلت مع ابنتها لتوصيلها إلى حافلة المدرسة». يضيف: «عندما سمعت الأم صوت صراخ هرعت إلى موقع الصوت، لتجد ابنها مضرجاً بدمائه على الأرض، وحارس البناية يصرخ مستنجداً بالمارّة بالقرب من مدخل مواقف البرج». ويُعرب المقدم المري عن اعتقاده بأن «الأم لم تتمالك نفسها، فهرعت إلى شقتها لتلقي بنفسها من النافذة نفسها، التي سقط منها ابنها. ومن الغريب أن النافذة اتسعت لجسمها، ما يدل على أنها كانت تشكل خطراً على الأطفال». ولـفـت، إلى أن «شرطة دبي حذرت مراراً وتكراراً العائلات، وبخاصة الأمهات، من خطورة النوافذ في الأدوار العليَا خوفاً من سقوط الأطفال». مؤكداً أنّ «تكرار هذه الحوادث يجعلنا نأخذ الدروس والنصائح المستفادة، حتى لا تتكرر في الأبراج المرتفعة».
ويشير المقدم المري، إلى أنّ «ردّ فعل الأم كان عنيفاً وسريعاً من هول الصدمة، فما كان يدور في رأسها طوال الوقت، هو الخطأ الذي ارتكبته بتركها الطفل بمفرده في البيت، وأنها سوف تتعرض للوم شديد من أهلها وزوجها على التقصير في حقه، وجاء تصرفها من باب الضغط والحزن الشديدين». يُضيف: «في ظل غياب العقل جاء قرارها العنيف وتصرفها غير المحسوب، وكأنها تريد أن تعيد اللحظة وتسقط وراءه مضحيةً بحياتها من أجل إنقاذه». يُوضح المقدم المري، أنّ شرطة دبي «استدعـت خبير الأمن والسلامة في البلدية، لمعاينة مثل هذه النوعية من النوافذ المنزلقة للخارج، التي لا تتناسب مع الأبراج العالية، نظراً إلى صعوبة تركيب أي حاجز لها»، داعياً إلى «تلافي مثل هذا النوع من التصاميم في المستقبل، مع اعتماد أعمدة مُساندة تمنع الأطفال من السقوط». يؤكد المقدم المري، أن الأطفال عموماً، لديهم صعوبة في تقدير المسافات والسرعات والارتفاعات. لذا، فإن معظم ضحايا السقوط من الأدوار العليا والدهس، هم من الأطفال نتيجة سوء تقديرهم». لافتـاً، إلى أن «شقيقة الطفل انتقلت في يوم الحادث إلى بيت عمّها وهي في حالة نفسية صعبة، بعد موافقة الأب الذي كان خارج الدولة في ذلك الوقت».


شهادة النبل والشجاعة
حارس البرج 214، الذي يُدعى أونجوين (30 سنة)، نال شهادة النبل والشجاعة من شرطة دبي، تقديراً على ما قام به من محاولة لإنقاذ الطفل الإيراني. وهو روى لـ«زهرة الخليج» تفاصيل ما حدث في صباح ذلك اليوم، قائلاً: «لم أتردّد بشأن إنقاذ الطفل، عندما رأيته يتدلى من نافذة شقته في الطابق الثامن، وكان ذلك عند الساعة السابعة صباحاً، وكنت حينها قد انتهيت من فترة عملي، وأستعد لتسليم الوردية إلى زميلي». يُضيف: «وقتها، فوجئت بسائق يعمل لدى أحد السكان يصرخ ويشير إلى الأعلى، فإذا بالطفل يتدلى بجسده من نافذة الشقة بالطابق الثامن». ويوضح «على الفور انطلقت مع زميلي إلى النقطة التي توقعت سقوطه فيها، محاولاً الإمساك به، من دون التفكير في أن ذلك يمكن أن يُعرض حياتي للخطر». يُتابع أونجوين: «حاولنا الصراخ في الطفل حتى يعود عبر النافذة، لكنه سقط عليَّ، فوقعنا معاً على الأرض. للأسف، لم أتمكن من إنقاذه». يُضيف: «وجدت نفسي في «مستشفى راشد»، بعد أن فقدت الوعي نتيجة كسر في يدي، إضافة إلى جرح في رأسي، وساقي اليمنَى». يُوضح: «كنت أتمنّى أن أنقذ الطفل، لأني أحبه واعتدت أن أداعبه كلما رأيته، فهو في عمر أبنائي»، مُضيفاً «لم أرَ الأب كثيراً بسبب أسفاره الدائمة، لأنه رجل أعمال والأسرة انتقلت إلى هذا البرج منذ شهر ونصف الشهر».


مواصفات الأمن والسلامة
حول إجراءَات الأمن والسلامة، يقول رئيس قسم الإشراف الهندسي في بلدية دبي، مروان عبدالله: إنّ «إجراءَات السلامة متوافرة في البناء». يضيف موضحاً: إنّ «فتحات النوافذ والشرفات في البنايات المرتفعة، تُطبَّق عليها قوانين الأمن والسلامة المطابقة للمواصفات العالمية، التي تتضمّن أن مستوى فتحة النافذة، لا بد أن يكون على ارتفاع 90 سنتيمتراً من سطح الخرسانة للطابق، وكذلك أسوار الشرفات، بحيث لا يستطيع الطفل الصغير أن يصل إليها». يشير إلى أن الطفل لا يتمكن من الوصول إلى النافذة إلا بواسطة كرسي أو منضدة، وأن فتحة الشبّاك الذي سقط منه الطفل في بُرج «ليك تاور»، تقع على ارتفاع 110 سنتيمترات من السطح الخرساني». يُتابع مؤكداً: «إنّ المشكلة ليست في فتحة الشباك، لكن في الذراع الآمن الذي يُحدّد مقدار فتحة الشباك إلى الخارج، التي يجب ألاّ تتجاوز الـ17 سنتيمتراً، ولكن الشباك الذي سقط منه الطفل ووالدته، كانت فتحته 20 سنتيمتراً».


رَدّ فعل هستيري
عن رد الفعل العنيف والحالة الهستيرية التي دفعت الأم إلى الانتحار، يقول الطبيب النفسي الدكتور علي الحرجان: «إنّ من أصعب المواقف التي يُمكن أن يشهدها أي إنسان، هو أن يرى فقدان عزيز عليه، يَقضي نحبه أمام عينيه». يُضيف: «إنّ رَدّ فعل الأم كان قوياً وخارجاً على إرادتها ووعيها، نتيجة الفاجعة والمأساة التي حدثت لها، التي تَمثَّـلـت في وفاة صغيرها أمام عينيها». يُعقّب د.الحرجان مُوضّحاً، إنّ «الإنسان، عندما يتعرّض لموقف عَصيب، فإنه يلجأ عادةً إلى البكاء أو الصراخ، لتفريغ شحنة الانفعال الداخلي، ولكن في بعض الحالات ينتهي الأمر برَدّ فعل عنيف يُؤذي خلاله الإنسان نفسه، كما حدث في هذه الحالة». يُبيّن د.الحرجان، أن «الدراسات النفسية تؤكد، أن فقدان شخص عزيز هو أقصَى ما يتأثر به الإنسان، خصوصاً عندما يرى موته أمام عينيه». لافتـاً إلى أنه «عندها، تحدُث انفعالات نفسية شديدة وتغيرات كيميائية داخل الجسم والدماغ، تجعل الإنسان يأتي بتصرفات غير محسوبة، ومنها مثلاً، عندما ترى الأم طفلها وهو يغرق في البحر، فترمي نفسها تلقائياً في الماء محاولةً إنقاذه، بينما هي لا تعرف السباحة».
يوُضّح د.الحرجان، أن «رد الفعل في الدماغ، يأتي من المراكز العصبية السفلية المتخصصة، وليس من المراكز العليا التي تختص بالتفكير والعقل. فالإنسان الذي يصيبه مسمار في قدمه، يكون رد فعله فجائيّاً ويتجلّى برفعها في حركة غير إرادية، بعيدة عن مَصدَر الألم». يُؤكد: «إنّ الحركة غير الإرادية في الحبل الشَّوكي، غالباً ما تحدث في الحالات المفاجئة والمؤلمة. وعندها، يستجيب الجهاز العصبي بشكل سريع ومُؤسف». يختم بالإشارة إلى أن «الاستجابة الآنية لا تحتمل التفكير، ولا شك في أن مشهد سقوط الطفل ووفاته أمام والدته، يعدُّ حادثاً مفاجئاً وسريعاً ومُدمّراً للإنسان».

 

للمزيد:

بدور النويس اماراتية نجحت في ريجيم "الطاقة"


صور:أمهات يتشبّهن ببناتهن لمظهرٍ شاب

فيديو:تسريحة لعروس مميزة