يجب أن نعترف. أقصد يجب على المهرجانات العربية أن تعترف أنّها باتت تستغلّ اسم "الصبوحة" من أجل إضفاء البريق والوهج على فعالياتها، وأنّ تكريم صباح صار مجرد مجاملة أو ربما هي أيضاً لا تطيق الابتعاد عن الأضواء، ولهذا تلبي الدعوة بالحضور.

المشترك في أغلب تلك المهرجانات والحفلات والتكريمات مع اختلاف توجّهها أنّك ستلمح سمير صبري متصدّراً المشهد يغني مع "صباح" تارة،  ويستمع إليها طوراً، وأحياناً يجري حواراً بالنيابة عنها!
ربما يتصور البعض أنّ كثرة لقاءات صباح الفنية تعزى إلى عرض مسلسلها الرمضاني "الشحرورة" وما صاحبه من قضايا كانت صباح أساساً صاحبة إحدى هذه الدعاوى التي تطالب بمنع عرض العمل. إلا أنّ تواجد الفنانة اللبنانية الإعلامي بكثافة سبق المسلسل بسنوات عديدة، وأرى أنّ هذا الإلحاح الإعلامي ليس في مصلحة صباح ولا تحتاجه أصلاً.

وعلى رغم أنّ أغلب هذه اللقاءات لا يخلو من تصفيق فيما تعتقد صباح أنّ الجمهور لا يزال يصفّق لها الآن بالحرارة نفسها التي كان يستقبلها بهاقبل أكثر من خمسين عاماً، إلا أنّ هناك ثلاثة أنواع من التصفيق: تصفيق "الإعجاب"، تصفيق "التقدير"، وتصفيق "جبر الخواطر". ثلاث نغمات تستطيع أذن الفنان الحساسة أن تلتقط الفوارق بينها. الإعجاب تبدأ نغمته في التصاعد (كريشندو في لغة الموسيقى) مع ذروة عطاء الفنان. أما نغمة التقدير، فإنها على العكس تلمح فيها هبوط "الشحنة" (ديمنوندو)، وتأتي مع اقتراب الغروب ونهاية المشوار. وأخيراً هناك تصفيق "جبر الخواطر"وما أقساها من نغمة. إذ يختلط فيها التقدير مع الحسرة على ما آلت إليه حال الفنان. إنه نوع من "مصمصة الشفاه" يعبّر عنها بالأيدي!

والنجوم الكبار يغادرون عادة المسرح قبل أن يستمعوا إلى نغمة تصفيق الشفاه. إلا أن بعض النجوم يتحوّل الضوء عندهم إلى أوكسيجين. وماداموا يتنفسون أوكسيجين الحياة، فهم أيضاً يتنفسون ضوء الحياة، ويمارسون الفن حتى الضوء الأخير مثلما يتنفسون الحياة حتى النفس الأخير!

وأشعر أنّ الفنانة الكبيرة صباح تعيش تلك الحالة. تعتقد أنّ الجمهور لا يزال يصفّق لها إعجاباً بالصوت وبصاحبة الصوت. أتابع صباح في العديد من البرامج وهي تتحدث قليلاً وتغني كثيراً وأتساءل: هل هذه هي صباح التي قالت يوماً "مال الهوى ياما مال"؟ أليست هي التي حذّرت "من سحرعيونك ياه"، وهي التي توعّدت "أكلك منين يا بطة"؟ تغيّرت كثيراً صباح. الزمن خصم الكثير من جمال الصوت وجمال الصورة!

منذ أن بدأت مشوارها الفني في مطلع الأربعينيات في القاهرة بعد انطلاقها من بيروت، وصباح تعقد هذا التوازن بين جمال الصوت وجاذبية المرأة.بلغت القمة في الغناء مع جيل فايزة أحمد، ونجاة، وشادية، ووردة. وعلى رغم أنها تسبقهن في العمر الزمني، إلا أنّ "شحرورة الوادي" تحدّت بطاقتها الشخصية وتاريخ ميلادها لأنها حافظت دوماً على الأنثى الأسطورة التي تهزم سنوات العمر. ولهذا صدّقناها وهي تحبّ في أفلام فريد الأطرش، ومحمد فوزي، وعبد الحليم حافظ، وسعد عبد الوهاب وحسين فهمي!

صباح لا تكتفي الآن بالغناء في بعض البرامج، لكنها تطمح إلى الغناء في الحفلات وإعادة تقديم مسرحيتها "الأسطورة" على أحد مسارح القاهرة.  وتستند في ذلك إلى رصيدها الذي لم ينفد عند الجمهور!

أتمنى أن تراجع صباح قرارها بالعودة إلى الخشبة، مع نفسها ومع أصدقائها المخلصين. "شحرورة" الخمسينيات لا يمكن أن تظل "غندورة وسنيورة" حتى عام 2012 الذي يدق بابنا. أنا أعلم أنّ أصعب قرار يتخذه الفنان هو الاعتزال! لا أريد أن أرى الأسطورة مجرد "فقرة" تتم استضافتها في بعض البرامج وتغني في بعض الحفلات، ويتحسر بعدها الجمهور على نجاح زمان وصوت زمان وجمال زمان. لكن من يجرؤ  على نصح الصبوحة؟

إنهم يريدون ـــ أقصد صناع المهرجانات والحفلات والبرامج ـــ استغلال صباح حتى النفس الأخير، ونحن نتمنّى أن تظل "الشحرورة" في مكانتها بعيداً عن تلك السهرات التى تبيع اسمها حتى لو تم تصويرها وهي عاجزة عن السير إلا مستندة إلى أكثر من شخص، والتعب والإجهاد صاراملامحها. ما الذي يتبقى من هذه الصور سوى الحسرة على ما فعلته سنوات العمر بـ "الشحرورة"؟