ريما كيروز - مجلة زهرة الخليج

 

يُطل الصيف كل سنة حاملاً مع قَيْظه بعضاً من نسمات البرودة، التي تبدو معلقة بتطلعات كثيرين إلى الهروب إلى فيء مكان يخفف عنهم الحر، ويعدهم بإجازة استجمام واسترخاء في جزيرة أحلام يحملون إلى رمالها ما يحبون، ويتركون خلفهم كل ما من شأنه أن يعكر مزاجهم.

ما هو المكان الذي ترغب في قضاء إجازتك الصيفية فيه؟ ما هو الغرض الذي تأخذه معك لأنك لا تستطيع أن تعيش من دونه؟ وما هو الشيء الذي ترفض أن تحمله معك إلى ذلك المكان لأنك تخاف من أن يفسد إجازتك؟ شروط تختلف بين فرد وآخَر، وتختلف أيضاً بين من اختار أن يأخذ معه في إجازته غرضاً عزيزاً إلى قلبه، وآخر قرر أن يتخلّى عن كل الأدوات التي تربطه بالعالم، و حتى عن زوجة أو ابن أو قريب، أو ربما عن صورة سياسي لا يحبه، لكي يستمتع بإجازته مثلما يرغب. وحتى لا نثير غيظ أحد من أحد، ارتأينا أن نكتفي في هذا التحقيق بذكر غرض ملموس واحد قرر كل واحد ممن قابلناهم أن يتركه، أو أن ياخذه معه إلى جزيرة الأحلام، التي اقترحنا أن تكون مكاناً لتمضية الإجازة هذا العام. فماذا كانت الإجابات؟

 

لا للعائلة
قبل أن يختار محمود العريان (أستاذ فيزياء، متزوج منذ 12 سنة ولديه ولدان) الجزيرة التي يحب أن يقضي عليها إجازته الصيفية، يعلن ممازحاً: «أهم ما في الأمر، هو ألا تفرضوا عليَّ اصطحاب زوجتي وولديّ معي، لأنها بذلك لن تكون إجازة ممتعة لي». ونظراً إلى علامة الدهشة في عيوننا، يتابع موضحاً: «إذا أردت أن أنفي نفسي إلى جزيرة تكون بمثابة حلم لي، فهذا شرطي الأوحد. لا أمانع أن آخذ معي صديقي الحميم، ولكن لا وألف لا للعائلة. أرجوكم أريد أن أرتاح». يكشّر محمود عن ابتسامة صفراء، ويقول متردداً: «أريد جزيرة استوائية صغيرة، تتوافر فيها كل وسائل التسلية والترفيه، وتكون مَلاذاً مُريحاً للاستجمام والهدوء. وإذا كان عليّ أن آخذ إلى الجزيرة غرضاً وحيداً معي، فسأختار سكيناً كبيراً لأستخدمه في أمور عديدة، مثل الصيد والنجارة وغيرهما».

 

فخ
للأحلام أساليب مختلفة تحكي عن صاحبها. وصاحبة حلم السفر إلى جزيرة "فوكيت" في تايلاند، هي وجيهة ناجي (موظفة مصرف) التي تبوح بحماسة واضحة: «هو حلم من أحلامي الكثيرة، بأن أزور هذه الجزيرة الرائعة، لقد سمعت عنها الكثير من أصدقاء استمتعوا فيها، وشاهدت صوراً تؤكد ذلك». ماذا ستفعلين على الجزيرة؟ سؤال تستغربه وجيهة فترد من دون تفكير: «بالطبع، سوف أسترخي على شاطئ رائع، وأمارس رياضة السباحة والـ«سنوركلينج» والغطس، ولن أضيع لحظة واحدة من دون أن أستمتع بها».

ولتحتفظ باللحظات الجميلة إلى الأبد، وجدت وجيهة حَلاًّ، تحكي عنه: «سآخذ معي كاميرا متطورة، تحفظ لي صور اللحظات السعيدة، لأستعيدها كلما شئت ذلك». ولكونها موظفة مصرف، وتلمّ بتعقيدات الأمور المالية، تنصح نفسها وغيرها قائلة: «لن أحمل بطاقة ائتمانية، وأدعو الآخرين إلى أن يفعلوا مثلي. سأتصرف بمال نقدي أحمله معي، لن أترك فرصة لبطاقة الائتمان لكي تخرب عليَّ إجازتي، فهي قد تتعطل لسبب من الأسباب، وتعطل حالي معها.. هذا أمر يحصل كثيراً، ولست بصدد أن أقع في فخه».

 

خواطر الكسل
ما إن يسمع سؤالنا، حتى يشرع محمد فهيم (مهندس مدني، متزوج منذ 9 أعوام، ولديه 3 أولاد) في أن يعدَ نفسه بإجازة خيالية يشرد لها فكره للحظات طويلة، ليَفيق منها لاحقاً ويُعلن: «الجزيرة التي أحلم بزيارتها هي جزيرة مَنْفيّة لم تطأ يابستها قدم، وأريد أن أعيش فيها لشهر كامل لوحدي تماماً». 

يتلفت محمد حوله ويتابع تعليقه: «سوف آخذ معي قلماً وورقة فقط، لأدوّن ما أفعله طيلة النهار على شكل خواطر، أعود لأقرأها حين أعود من الجزيرة». يشرد محمد قليلاً ثم يتمتم: «سوف يكون يومي حافلاً بالكسل والاسترخاء على رمال ذهبية، تعكس دفء شمس تتوسط السماء لي وحدي. ولن آخذ معي ساعة يدي ولا أي شيء ينبهني إلى الوقت»، يضيف بشرود: «أريد للزمن أن يتوقف في الجزيرة، لا ضرورة لمعرفة الوقت بالساعة والدقيقة..».

 

خطة
«تبدو الجزيرة فكرة رائعة لي، لكي لا آخذ سجائري معي وأتوقف عن التدخين، وأريح صدري وقلبي من سمّها القاتل». 

حجة الجزيرة التي يتخذ منها أحمد أمين متراساً يقف خلفه، سرعان ما تَخْبو حين يعلو صوته ملاحظاً: «آه نسيت أنه في الإمكان إيجاد سجائر على الجزيرة، وبالتالي تكون خطتي قد نُسفت من أساسها». ثم يعود أحمد ليتساءل: «هل هناك جزيرة يُمنع عليها التدخين؟». يبتسم أحمد وقد وجد نفسه شرد كثيراً بأفكاره، ويقول بصوت جاد: «أودُّ الذهاب إلى جزر المالديف، لأستمتع بشاليهاتها المعلّقة على مياه البحر المتلألئة بلون المرجان. لقد رأيت صوراً رائعة لمنتجعات هذه الجزر، وأنتظر الوقت المناسب للسفر إليها». وإذا كانت السجائر هي الغرض الذي يريد أحمد أن ينساه خارج الجزيرة، فما الذي يلتصق به ويحرص على أن يرافقه في المالديف؟ سؤال لم يشغل باله سوى للحظة قبل أن يجيب: «القرآن الكريم هو كل ما أحتاج إليه». ثم تتبدّل ملامح أحمد، وهو يعقّب بصوت درامي: «لو شاء الله أن تنتهي حياتي على تلك الجزيرة، رجائي أن يكون كتابه هو آخر ما أقرأ».

 

جهاز السونار
يقال إنه لكل مقام مقال، ولكل امرئ هَمّه الخاص، منه مَن يتعلق بعمله، ومنه بعائلته أو بظروفه الخاصة. وللدكتورة ندوى حسين (طبيبة أمراض نساء وولادة، و أم لولد وبنت) همها الذي تريد أن تنساه، وهو يرتبط مباشرة بعملها، تخبر: «أولاً سوف أختار جزيرة خضراء جداً، مثل جزر الـ«موريشيوس» لأستمتع بخضرتها البهية والمريحة للنظر. ولأنني أنوي قضاء أجمل أوقات الاستجمام، لن أفكر لحظة في أن آخذ جهاز الـ«سونار» معي، بل أرغب بشدة في أن أنساه تماماً وأحذفه من قاموس ذكرياتي.

 هذا الجهاز يُذكرني بعملي، وأنا لا أريد أن أفكر فيه». وإذا كان جهاز الـ«سونار» هو الذي ترفض د.ندوى أن تأخذه معها إلى الجزيرة، فهي تصرُّ في المقابل على حمل غرض عزيز إلى قلبها، وهو سجادة الصلاة، حيث توضح أنه «في أوقات الفرح والتسلية والاستجمام، يجب أن لا ننسى الصلاة وشكر الرب على نعمه. وبصراحة سأشعر براحة نفسية، لو أنا أخذت سجادة الصلاة معي».

 

استكشاف
«الراديو هو ما يهمّني على الجزيرة، فأنا أحب الموسيقى لأنها مكمّلة لرحلة الاستجمام والاسترخاء، وتمدّني بكثير من السعادة».

 الشمس والماء والرمل والموسيقى، هي العناصر التي يتطلع إليها سمير دبغي (محاسب متزوج منذ 21 عاماً، ولديه ولدان) ليقضي الإجازة التي يحلم بها. ولكن، ما اسم الجزيرة التي يختارها؟ يعلن بكل ثقة: «جزيرة رودوس في البحر الأبيض المتوسط، أسمع الكثير عن مزاياها وعليَّ أن أذهب لأستكشف الأمر بنفسي».

ثم يتذكر سمير أمراً، فيُعلّق مُمازحاً: «قد يترتب عليَّ أخذ نظارتي الطبية بدلاً من الراديو، لكي يتسنّى لي قراءة فاتورة المطعم حين تأتيني لأدفعها». ويسترسل في الضحك وهو يختم كلامه قائلاً: «أكثر ما يُريحني هو أنني سوف أتخلص من ربطة عنقي، لن أكون مضطراً إلى أخذها معي إلى الجزيرة، أنوي قضاء عطلتي ببنطلون قصير ومريح».

 

إضافة
بالنسبة إلى ريم خلف (ربة منزل، متزوجة منذ 4 أعوام، ولديها ابنتان) فإن عدة التجميل هي أهم ما سيرافقنها في رحلتها. تقول: «لا أستطيع أن أستغني عن فكرة التجمّل، حتى ولو كنت أستمتع على جزيرة نائية ومهجورة. فأنا أعتبر أن التبرّج يزيد في جَمالي، ويضيف إلى شخصيتي الكثير».

 صراحة وعفوية ريم، تدفعانها إلى أن تكمل بنبرة الصوت ذاتها، وتقول: «سأختار جزر الكاريبي لتمضية إجازتي، وأتمنى أن تكون طويلة جداً، لأتمكن من مشاهدة كل ما أريد مشاهدته على هذه الجزر الرائعة، كما تظهر الصور التي نطالعها عنها».

وباستسلام غير مُتوقَّع، تحاول ريم اختيار غرض تتخلّى عنه قبل المغادرة إلى جزر الكاريبي، فلا تجد إلا أن تقول: «سوف أترك مجوهراتي، لأنها ستربكني لو أخذتها معي، وقد تتوتر رحلتي بكاملها بسبب خوفي من فقدانها أو سرقتها. السفر من دون مجوهرات أحسن بكثير».

 

الاطمئنان
لأن محمد أمين (مدير مبيعات، متزوج منذ 7 أعوام، ولديه ولدان)، يشعر بأن الأجهزة التكنولوجية «هي أدوات لابد منها، لكونها تربطنا بالعالم». ويقول: «سوف أحرص على اصطحاب جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي، إلى الجزيرة التي أريد قضاء إجازتي فيها.

 ذلك أني أعتبره أداة رائعة ومهمة للاتصال بالعالم خارج المكان الذي سوف أكون فيه، وهذا الأمر يولّد في نفسي الشعور بالاطمئنان». يفكر محمد مليّاً قبل أن يعود ويضيف: «قد تكون جزيرة بالي هي وجهتي، فقد سمعت عنها الكثير وأرغب بشدة في زيارتها». وعن الغرض الذي يتركه وراءه لكي لا يعكر صفو استجمامه، يقول محمد مُعاتباً: «في العادة، حتى ولو لم أكن ذاهباً إلى جزيرة للاستمتاع، أرفض أن أحتفظ بأي شيء يسبّب لي الإزعاج في حياتي اليومية. ولكن إذا كان عليَّ أن أختار غرضاً واحداً قد يُسَرْبلني في رحلتي، فأرى أنه عليَّ ترك ملابسي الرسمية في البيت، مكتفياً بملابس البحر فقط».

 

متعة الحياة
على النقيض، يقف نديم تيسير (مدير تسويق، متزوج منذ 5 أعوام، ولديه ابنة وحيدة) ليعترف: «أريد أن أترك كل أدوات التكنولوجيا خلفي، وأرفض أن أحمل أداة واحدة ومهما تكن أهميتها، لأني لا أريد أن أهتم في إجازتي بغير راحتي وسَكِينتي.

 أعتقد أن أدوات الاتصال والتكنولوجيا سوف تمنعني من الجلوس مع نفسي، وإعادة حساباتي والاسترخاء بحق». أما الجزيرة التي يختارها نديم، فهي «جزيرة من جزر الكاريبي»، موضحاً: «لقد شاهدت صوراً رائعة لأرخبيل جزر الكاريبي، فكل جزيرة أجمل من الأخرى، وهي بمثابة الحلم الرائع الذي يراود كل مَن يراها، ولا أنكر أنه لو تحقق لي وذهبت إلى هناك فسوف أكون سعيداً جداً».

 أكثر ما يريد نديم أن يأخذه معه في الرحلة الحلم، هو « فرشاة ومعجون الأسنان»، إذ إنه يشير إلى أنه لا يستطيع أن يَحَيَا من دونهما «لا بل سوف تنتهي متعتي بالحياة لو نسيتهما، فهما غرضان عزيزان جداً جداً إلى قلبي».

 

أسلحة فتاكة
بالنسبة إلى رجل الأعمال حميد القائدي (متزوج منذ 33 عاماً، ولديه 14 ولداً) يعتبر أن من حقه أن ينأى بنفسه عن العالم كله، ليحلم بجزيرة تؤمّن له المتعة والراحة والسعادة، يُصرّح: «أحب جزيرة بروكاي في الفلبين، إنها جزيرة رائعة بكل ما للكلمة من معنى، وأنا مستعد لأن أقضي فيها إجازتي بكل رحابة صدر».

 يبقى أن الـ«موبايل»، هو الغرض الوحيد الذي يريد حميد أن يصطحبه معه إلى جزيرة بروكاي، مُعلّلاً بقوله: «لا أستطيع أن أعيش من دونه. لذا سوف أحرص على أن يبقى معي على الجزيرة». ومثل كثيرين غيره، يصرّ حميد على أن الشيء الوحيد الذي يودُّ لو يتركه وراءه، ولا يأتي به معه في رحلة الاستجمام هو «همومي وأفكاري وضغوط العمل». لافتاً إلى أن تلك «ليست أشياء محسوسة، ولكنها أسلحة فتاكة للنفس والروح والجسد».

 

القهوة
أما نائلة المعضم (ربة منزل، متزوجة منذ 10 أعوام، ولديها ابنة وحيدة) فتقول إنها لا تهتم بالذهاب إلى جزيرة معينة، لافتة إلى أن «المهم أن تكون جزيرة جميلة وهذا يكفيني». تضيف: «سوف آخذ قهوتي معي بالتأكيد، فأنا لا أصحو من دونها، وأخشى أن لا تكون متوافرة هناك».

 تشرد نائلة في البعيد وهي تضيف بحزم: «على العكس ممّن لا يستغنون عن الموبايل، تراني أصر على تركه خلفي». تختم قائلة: «نعم.. يستحيل أن آخذه معي في رحلة استجمامي، لأنني متأكدة من أنه سوف يفسدها».

 

النقود
في رأي مماثل، يقول محمد فياض (مهندس معماري، متزوج منذ 6 شهور): «لابد لي من نسيان الموبايل، وإلا فلن أستمتع بإجازتي كما يجب». يضيف: «إنه بالفعل مصدَر إزعاج لي ولملايين من الناس غيري، ولو كان معظمنا لا يستطيع التخلص منه في حياته العملية».

وبعد محاضرة محمد حول الموبايل، ينتقل ليعلن أن «جزيرة سريلانكا هي الجزيرة التي سوف أقصدها لأنها جزيرة رائعة، سبق لي أن اختبرتها في شهر العسل، وأرغب بشدة في العودة إليها».

 واستناداً إلى الاختبار الذي عاشه محمد في جزيرة سريلانكا، أو «أرض الشاي» كما يدعونها، يقول: «يتوافر في الجزيرة كل شيء يخطر في بال السائح، كما أنها مكان مثالي للسباحة والاسترخاء، لذا لا يحتاج المرء إلى أشياء كثيرة يأخذها معه. إذا عاد الأمر إليَّ شخصياً، فلن أحمل في رحلتي، إلا مبلغاً كبيراً من النقود لأستمتع».

 

كِريمات
على العكس من محمد، تؤكد هايدي وحيد (صيدلانية، متزوجة منذ 7 أعوام، ولديها ابنة وحيدة) أن الشيء الوحيد الذي لن تأخذه معها هو المال، وتقول: «لن أكون في حاجة إليه، إذ دفعت مسبقاً ثمن رحلتي بالكامل، أي أنني سددت ثمن الإقامة والمأكل والمشرَب»، 

وتكمل: «أختار جزيرة من جزر الباهاماس، والاستمتاع بالبحر والرمل والشمس، هو كل ما أتمناه. ولن أنسى ممارسة الرياضات التي أحبها مثل رياضة الركض وغيرها». وبما أن هايدي صيدلانية، ما يعني أنه لا مفرّ من تدخل حسّها الطبي في أمور الصحة وشؤونها، تنصح: «شخصياً سأحرص على أخذ كريماتي الخاصة بالشمس والهواء. هذه أشياء ضرورية للجميع ويجب ألا ننساها، لأن الكريمات التي قد تتوافر على الجزر لا تناسب الجميع، وأنا لا أريد أن أعرّض بشرتي للخطر. وبالطبع لن أنسى العطر الذي أحبه، وسيكون في حقيبتي إلى جانب الكريمات التي تحدثت عنها».

 

حالة هروب
في تعليقه على الموضوع، يقول الطبيب النفسي الدكتور طلعت مطر: «إن لكل الناس حلماً بأن يحصلوا في يوم من الأيام على رحلة رائعة. فالرحلة في حدّ ذاتها هي الجميلة وليس المكان، لأنها في مضمونها تكون محصلة لخبرات ومواقف تؤثر في نفس الشخص، سواء أكانت جميلة بتفاصيلها أم العكس».

 يضيف شارحاً: «هناك نزوع إلى الارتحال إلى ما خلف الواقع، لأن البشر لديهم الكثير من الخيال الفائض في هذا المجال. ويمكن الإشارة إلى أن الجزيرة في المطلَق، تمثل للكائن البشري كل ما وراء الخيال، وتثير عنده حالة من الهروب والنزوع نحو الراحة، لكونه مثل الجميع، يحتاج إلى الحفاظ على تكامل الذات واستقرارها».

وإذ يتطرق د.مطر في كلامه هذا، إلى الإجازة وأهميتها في حياة المرء، يقول: « ما إن نفكر في الإجازة حتى تُدغدغنا الأفكار المنفلتة من عبء العمل وهمومه وضغوطه، وتَرانَا نبتسم لفكرة تَخَلِّينا عن مسؤولياتنا اليومية، وكأننا نرمي بملابسنا الرسمية ونرتدي الخفيف والملون تماماً. كما أن مجرد رسم عناوين للإجازة في مخيلتنا، يُريحنا كثيراً، مثل التفكير في التمرُّغ واللعب على رمل البحر على غرار صغارنا، متحرِّرين من كل القيود التي تُكبّلنا في أيامنا العادية».

 وفي الشق الثاني من حديثه، يفنّد الدكتور مطر شخصيات التحقيق، مُحلّلاً: «إنّ الأشخاص الذين اختاروا أن يأخذوا إلى الجزيرة أدوات اتّصال تمكنهم من التواصل مع الآخرين، هم شخصيات اعتمادية، لا يمكنها التخلي عن ارتباطها بالآخَر. في المقابل نجد أشخاصاً يخشون حمل أي أداة اتصال تُمكّنهم من الاتصال بغيرهم من الناس، وهؤلاء أصفهم بالاستقلاليين والانطوائيين، الذين يحبون الانقطاع عن العالم تماماً، وفي الوسط يقف الوسطيون، أي الذين لا يمانعون في تلقّي اتصال أو إجراء اتصال بدافع الاطمئنان على الآخرين، من حين إلى آخَر». يضيف: «هناك نوع مختلف من الناس، لا يمكن ضمّه إلى لائحة أيٍّ من الذين ذكرناهم، يهتم فقط بممارسة الهوايات التي يحبها، مثل المطالعة والألعاب الرياضية والمائية وغيرها».

 ويشير د.مطر في هذا الإطار: «تحدثت عن فئة تريد أن تبتعد عن الناس، وفئة لا تقوَى على العيش من دون الناس، لأقول إن الوقوف عند اهتمام كل شخص، يجعلنا ندرك ماهية شخصيته». يتابع: «إنّ المرء يهرب من العمل الذي لا يحبّه ويمثل ضغطاً حقيقياً عليه، كما يبتعد عن الناس الذين يتصرفون معه بعدائية، أو يمارسون عليه ضغوطاً كبيرة. والواقع هذا ينطبق على الأشياء المحسوسة التي تبدو لكثيرين كفرض وواجب مُلزمين بهما. ونراهم من ناحية ثانية يلتصقون جيداً بالأشياء المرتبطة بلذاتهم ورغباتهم وهواياتهم». ويخلص الدكتور مطر إلى الملاحظة بقوله: «يريد الجميع أن يتحرروا من ضغط الحياة. لذا، يتوجب علينا التأكيد أن الإجازة ليست مسألة اعتباطية، إنما ضرورة مُلحّة ومقدَّسة، فهي التي تحفظ للناس التكامل، وتُعيد إليهم الصحة والعافية، ومن دونها يكون هناك خطر على الشخص نفسياً وجسدياً». يضيف شارحاً: «إذا تَعذّر على المرء أخذ إجازة، فسوف يتعب نفسياً ويُصاب بالاكتئاب وبتوتر دائم وبارتفاع الضغط والسكر عنده، وهي أمراض ناتجة عن ضغوط العمل، وإذا لم يتم التعامل معها، تتحول إلى أمراض عضوية مؤلمة للجسد».