محمد السعدي- مجلة زهرة الخليج

قدوم طفل حدثٌ من أسعد أحداث الحياة. لكن الأمر ينطوي على تعب وأرق وسهر، وتبديل حفاضات وإرضاع وغسل وغسيل ومراجعات مستشفى ولقاحات... وربما منغصات. فكيف إذا وُلد 8 أطفال معاً، لاسيّما إن كان لهم 6 إخوة وأخوات أكبر، منهم توائم أيضاًً؟

لابد أنكم سمعتم بناديا سليمان، تلك السيدة الأميركية، المنحدرة من أصول عراقية، التي أنجبت ثمانية أطفال قبل زهاء عامين ونصف العام، تحديداً في 26 يناير (كانون ثاني) 2009. الآن، بلغ عمر «أواخر العنقود» الثمانية زهاء 30 شهراً، وهم في أتم صحة وعافية بحسب العارفين. والأم نفسها، التي ستحتفل في 11 يوليو (تموز) بعيد ميلادها الـ35 (باعتبارها من مواليد 11/7/1976)، هي أيضاً، في حال ممتازة، بعدما فقدت نحو 65 من الكيلوغرامات الـ123 التي كانت تزنها قبيل ولادتها الأخيرة. بل، تؤكد سليمان أنها تسعى إلى أن تشبه أكثر وأكثر «قدوتها»، الممثلة الأميركية أنجلينا جولي، التي لها ملامح منها.

هكذا، لقّب الأميركيون مواطنتهم سليمان «أوكتوموم» («Octomom»)، أي شيئاً من قبيل «الأم الثُّمانِية». أما أصدقاؤها وصديقاتها، وبشكل خاص زميلاتها في نادي التنحيف، فلقبوها الـ«بلاستيك»، في تنويه لقابلية بطنها «المطاطي» على التمدد والتوسع، لغاية حمل 8 أجنة، كلهم ولدوا وعاشوا، ثم العودة إلى وضع طبيعي، أو يكاد يكون طبيعياً خلال وقت قصير. فمن رآها في مطلع 2009، قبيل قدوم الثُّماني، ذُهل من كبر حجم بطنها، وتكوره بشكل عجيب، بحيث برز زهاء نصف متر إلى الأمام. وبعد مضي عام واحد، وحسب، عاد إلى وضعه الطبيعي، كأي امرأة في سنها، وربما أكثر رشاقة من بعض قريناتها ممن لم يحملن ولم ينجبن قط.


الثُّماني الثاني

وتلك لم تكن «الضربة» الأولى لناديا سليمان. إذ أنجبت ابنها البكر عام 2001، ثم ابنتها الكبرى عام 2002. ثم حملت ثلاث مرات أخرى، فأصبح عندها ما مجموعه أربعة أولاد ذكور، وابنتان اثنتان. ففي كاليفورنيا، تحديداً لوس أنجلوس، «عاصمة العالم» في مجال الإخصاب الصناعي، خضعت سليمان لأحدث تقنيات الإخصاب في أنابيب الاختبار. ويذكر أن الطبيب الذي تابعها، الدكتور مايكل كامرا?ا، أُقصي من «جمعية طب الإنجاب الأميركية»، في نهاية 2009، ثم مُنع رسمياً من ممارسة الطب. إذ تعرض لانتقادات شديدة، حتى من جانب زملائه، ولامه كثيرون على تماديه في إخضاع مريضاته لتلك التقنيات بُغية الشهرة والجاه، على الرغم من المحاذير. في أي حال، مع الثُّماني الأخير، أصبحت سليمان أماً لـ14 طفلاً، هم الآن بين سني عامين ونصف العام، لأصغرهم، و10 سنوات للبكر، واسمه «إيلايجا».

وأحد أسرار اشتهار ناديا سليمان، إثر أنجاب «عفاريتها» الثمانية، هو أنها كانت الحالة الثانية في الولايات المتحدة، وإحدى حالات قليلة في العالم، التي تحمل فيها امرأة ثمانية أجنة، فيولدون ويعيشون جميعهم، من دون استثناء. فقبلها، عام 1998، كانت هناك سابقة واحدة لما سُمّي «ثُماني أسرة تشوك وو»، الأقل شهرة.


ابنة عسكري عراقي

أما ناديا سليمان نفسها، فولدت في كاليفورنيا (في ناحية «فولرتون»، في جنوب غربي الولاية) لأسرة من أصل عراقي «آثوري» (اقترن أبوها إدوارد داود سليمان، وأمها ?يكتوريا، عام 1974، وتطلّقا عام 1990 وهي ابنتهما الوحيدة). والـ«آثوريون»، أحفاد «الآشوريين» القدامى، يُعدّون السكان الأصليين في وادي الرافدين، مع الكلدانيين والسريان. لكن تسمية «آشوريين» حُرّفت، فحلَّ حرف الثاء محل الشين، فأصبحوا «آثوريين». ومنذ خمسينات القرن الماضي، هاجر معظمهم إلى أميركا، واستقر كثيرون في ديترويت وضواحيها. أما أولادهم من الأجيال التالية، فأصبحوا أميركيين، وانصهروا في محيطهم الجديد، كباقي الجاليات المهاجرة. على الرغم من ذلك، لم يَنسَ بعضهم أصوله تماماً. فمثلاً، سمت ناديا سليمان ابنتها الكبرى «أميرة»، بينما يؤكد والدها، إدوارد داود سليمان (69 عاماً حالياً، باعتباره من مواليد 1942)، أنه كان سابقاً منتمياً إلى الجيش العراقي، لكن من دون تحديد رتبته.

ويضيف سليمان أنه، إثر إنجاب ابنته التوائم الثمانية، سعى إلى العودة مجدداً للعمل في العراق كمترجم مع الجيش، على الرغم من تقدمه في السن، من أجل «مساعدة ابنته على إعالة 14 طفلاً، بما يتطلبه ذلك من تكاليف»، بحسب ما يشدد عليه. لكنه لم يتمكن من الحصول على وظيفة، ربما بسبب سنه التقاعدية. فالأسرة، بمن فيها الوالدان المطلقان، تعاني ضائقة مالية، بحيث تمَّ عرض بيت جدة الأولاد في ناحية «ويثير» (في كاليفورنيا أيضاً)، للبيع في المزاد العلني لسداد ديون مترتبة على الأسرة، تبلغ زهاء مليون دولار.


معونات إعالة

والبيت الذي تقطنه ناديا سليمان نفسها، المسمّى «لا هابرا»، هو أيضاً مهدد بالبيع في المزاد. فعلى الرغم مما تجنيه «أوكتوموم» من عقودها مع بعض المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام، تظل في حالة ضنك مادي، مواجِهة خطر الحجز على ممتلكاتها في أي لحظة، جراء تراكم ديونها وديون أسرتها. كما أن تربية 14 «عفريتاً»، وفي بلد كالولايات المتحدة، تنطوي على أعباء باهظة، وتوظيف خادمات ومربيات، وتطبيب وعلاج.. إلخ. فوق ذلك، رفضت إحدى المحاكم إيلاء ناديا سليمان حرية التصرف في التبرعات، من هنا وهناك، التي وهبها للتوائم الثمانية أشخاص من أنحاء متعددة من العالم.

وعلى ذكر النفقات والإعالة، كان بعض الأميركيين اتهموا مواطنتهم «أوكتوموم» بأنها، بإنجابها ذلك العدد من «العفاريت» الصغار، سعت إلى الإثراء من خلال الشهرة، وأيضاً بفضل تسلُّم معونات إعالة «سخية» من جانب أجهزة التعاضد الاجتماعي الأميركية. لكنها تردُّ على خصومها بتوكيد أنها لم تفكر قط في أي مطامع مادية، وأن دوافعها تقتصر على حب الأطفال والتطلع إلى الأمومة، ليس إلا.

كما تفند سليمان ادعاءات، شاعت كثيراً عنها، تتهمها بإجراء عمليات جراحية متعددة، سراً، لكي تخفف وزنها بسرعة غير معهودة، وربما أيضاً لكي تشبه النجمة أنجلينا جولي. وعلى متهميها، ترد بحزم مكررة أنها لم تخضع لأي عملية جراحية. وتضيف أن سر رشاقتها يكمن في ممارسة الرياضة والتمارين، بمواظبة وثبات، حتى ليلاً. فبعد مضي شهور من الإنجاب، التقت في صالة التدريب (الـ«جيم») مدربة متشددة، كانت سابقاً «بطلة» كمال أجسام، أخضعتها لبرنامج تدريب قاس. هكذا، مثلما توضح، تستيقظان في الثانية بعد منتصف الليل 4 مرات في الأسبوع، وتتدربان معاً 3 ساعات متواصلة، مع تخصيص كل جلسة لجزء معين من الجسم. وتقول أيضاً إنها تتمنى لو تقدر على ممارسة اليوغا، «لكن ليس عندي الوقت، لأن الجلسات تجرى في النهار، وفي النهار أعتني بأولادي، ولا أطيق تركهم».
على الرغم من ذلك، تعترف سليمان بعملية جراحية واحدة، أجرتها في سن الـ17، لتقليص حجم ثدييها، شارحة أنها كانت ضرورة طبية، جراء إصابتها بانزلاق في الغضروف الفقري (أو الـ«ديسك»). تُضيف: «لا أرى أي مبرر أو مسوِّغ لأي عملية جراحية تجميلية سوى عندما تكون ضرورة طبية، لامناص منها، وأنا لم أخضع لأي عملية تجميل عدا عن تلك، التي كانت لابد منها». وفي شأن الرشاقة، وفقدان الوزن في زمن قياسي، أعربت مؤخراً أيضاً عن رغبتها في إصدار كتاب، ومعه قرص مدمج «دي.?ي.دي»، لكي تستعين بهما السيدات النفساوات، ممن أنجبن حديثاً، لاستعادة وزن معقول بسرعة، بحسب ما خبرته من تجربتها الشخصية.


سبب طلاقها

كما تؤكد «أم الجهال» (يعني «أم الأولاد» باللهجة العراقية) أنها لا تتبع أي حمية غذائية، إنما تأكل بنهم، وربما شراهة، كل ما يقع بين يديها من أطعمة، موضحة أنها تفضل الدجاج وأكلة الـ«سوشي» اليابانية (التي تضم لحم سمك نيئاً)، والأرز الخام (أي بالنخالة، من دون تبييض)، والأجبان منخفضة السعرات الحرارية، لكن أيضاً الـ«پيتزا»، المعروفة بسعراتها العالية، وحتى الشوكولاتة، التي يتزاحم عليها معها «عفاريتها» الـ14. ومن مفارقات سيرة سليمان أن والديها، كليهما، لم يرزقا سوى بها، ابنتهما الوحيدة، بينما أنجبت لهما «لوحدها» 14 حفيداً وحفيدة. نقول «لوحدها» لأنها أدت حالات حملها كلها وفق التلقيح الصناعي، من دون زوج، من آباء مجهولي الهوية.

فسرُّ طلاق ناديا سليمان من زوجها الوحيد، ماركو غوتييريز (الذي يبدو من لقبه أن أصوله منحدرة من أميركا اللاتينية)، كان عدم توصلهما إلى إنجاب أطفال معاً، عقب عِشرة دامت 4 سنوات، بين 1996 و2000، تلاها انفصال، ثم طلاق رسمي عام 2008. ويؤكد غوتييريز، الذي تزوج من جانبه وأنجب، أنه ليس والد أيٍّ من أطفال طليقته الـ14. وفي الوقت نفسه، أعرب مراراً عن تمنياته لها بالتوفيق والسعادة. ويا لها من سعادة: مضروبة في 14! وفي الوقت نفسه، يا له من شقاء، وتعب وسهر، مضروب في 14 أيضاً!

للمزيد:

صور: تعرفي على أمهات الفنانات

فيديو: مكياج بألوان الببغاء