لا تطيق إيناس الدغيدي أن تعيش في حالة صمت رغم أنها أطلقت على فيلمها المقبل "زنا المحارم" اسماً جديداً هو "الصمت"!


مع قيام "ثورة يناير" وإيناس تهدد بمغادرة مصر بحجّة أن الإسلاميين سوف يحتلون البلد، ويمسكون بمقاليد السلطة. وهم سبق أن حللوا دمها، وبعضهم ممن كان رحيماً بها، قال إنها تستحق أن تجلد في مكان عام 100 جلدة بسبب أفلامها وتصريحاتها. وهكذا فإنها تعتقد أنّها مستهدفة. ورغم أنني واحد من أكثر الأصوات التي تنتقد أفلام إيناس المليئة بالحس التجاري والخالية من الإحساس الفني، إلا أنّني أرى أنّها تختلق هذه المواقف كي تبدو صاحبة رؤية فكرية، مطاردة من أصحاب العقول المنغلقة رغم افتقار أفلامها إلى تلك الرؤية. فهي تلعب دور الشهيدة المضحّية بحياتها من أجل مبادئها وهو ما يكذبه الواقع. إيناس تفتعل دوماً هذه المواقف لتظل في البؤرة.


هي تسعى لحالة الصخب لتظل تحت الأضواء لأنّ أفلامها لا تتيح لها أن تعيش في حالة وهج فني حقيقي. عادة، لا يسفر الأمر عن حالة إبداعية تستحق المتابعة. ولهذا تضع كل اهتمامها وهي تبحث عن القضايا الجنسية لتقدمها في أفلامها. لكنك عندما تشاهد الفيلم، لا ترى فناً ولا حتى قضية. هي فقط تعتقد أنّ دورها هو دخول التابوهات والممنوعات الرقابية في عالمنا العربي وهي: الدين والجنس والسياسة. وهي في العادة تترك الدين والسياسة، وتتجه مباشرة إلى الجنس. ويحدوها الأمل بأن تجد جمهوراً يقبل على أفلامها بينما الحقيقة بالأرقام تؤكّد بأنّه لا يوجد لديها أرقام شباك. فهي تصنع الفيلم على مقاس الجمهور ومزاجه أو هكذا تعتقد. ثم تكتشف بأنّ شباك تذاكر يشير الى رفض جماهيري. وربما بعد هذا العدد من الإخفاقات المادية المتعددة، صار عليها أن تبحث بين الحين والآخر عن مهنة تتربح منها. هكذا اتجهت قبل عامين إلى تقديم البرامج وأشهرها "الجريئة". بل إنها في وقت ما قررت أن تنشئ مع صديقتها يسرا قناة تحمل اسم "الجريئة"!
بعد "ثورة 25 يناير"، قالت إيناس إنها سوف تغادر أرض الوطن لو جاء الإخوان رغم أنّ أروع ما في الثورة المصرية أنّ صناعها من الشباب، وكان أول أهدافهم التأكيد على مدنية الدولة. إيناس لا تريد أن تبتعد عن الضوء، وها هي تبدأ علاقتها في العهد الجديد بأن تنتج فيلماً باسم "الصمت" يتناول زنا المحارم. الرقابة كعادتها ترددت في البداية ثم سمحت بالسيناريو. والغريب أنّ الذين اعترضوا بعد التصريح بالسيناريو هم بعض الفنانين الذين اعتبروا بأنّه ليست هذه هي الحرية التي نسعى إليها.


وتعجبت لأنّ على الفنان ألا يصادر حق أي إنسان في التعبير وفي تناول كل القضايا مهما بلغت خصوصيتها وحساسيتها. لقد سبق أن رأينا قضية زنا المحارم في أكثر من فيلم مصري مثل "الغابة" للمخرج أحمد عاطف الذي عرض قبل عامين و"الوتر" للمخرج مجدي الهواري الذي عرض تجارياً قبل أشهر ولم يعترض أحد. أنا أعلم بالطبع أنّ إيناس كعادتها سوف تحيل القضية الجادة التي تتناول الانحراف الاخلاقي إلى حالة تجارية. أغلب أفلامها بالمناسبة تحمل قضايا جادة، لكن إيناس لا تفكر إلا في شباك التذاكر. وهي تعتقد بأنّ الطريق إليه مفروش فقط بالمشاهد الساخنة والشذوذ. تبدو لي أنّها وجدت ضالتها المنشودة في فيلم "زنا المحارم". تابعوها مثلاً في أفلام مثل "مذكرات مراهقة" الذي يتناول مشكلات المراهقين في هذه المرحلة العمرية الحساسة. لن تجد قضية المراهقة بل مجرد مشاهد جنس تسعى المخرجة إلى إعادتها أكثر من مرة من أجل أن يقبل عليها الجمهور. أتذكر مثلاً فيلم "الباحثات عن الحرية". نحّت المخرجة جانباً قضيتها وهي الحرية واختصرتها فقط في حرية المرأة الجنسية. دائماً ما تفسد الأفكار العظيمة بسبب هذا اللهاث التجاري. الغريب أن الجمهور يكتشف سريعاً اللعبة. ولهذا فإن أفلامها التجارية لا تحقق رواجاً تجارياً؟!


علامَ تراهن إيناس إذن؟ إنها تراهن على حالة الصخب. أن تدخل في معارك مع الرقابة ثم مع بعض الفنانين الرافضين لفيلمها من أجل أن تثير حولها ضجيجاً لعل وعسى يأتي في أعقابه الجمهور. أنا أرى أنّه ينبغي أن نترك الجريئة تصنع أفلامها كما يحلو لها. وبدلاً من الـ 100 جلدة التي وعدها بها أحد المتشددين دينياً، فإنها تتلقى عقاباً أقسى وهو أنّ الناس دأبوا على مقاطعة أفلامها. شباك التذاكر الخاوي هو العقاب القاسي الذي ينزله بها الجمهور. على مدى 20 عاماً هي عمرها الفني، وإيناس تتلقى هذه اللسعات التي هي بالمناسبة أشد إيلاماً من الكرباج!