لقاء: عواطف إدريس - لم تكن الممثلة القدير موزة المزروعي أول امرأة تَعتَلي خشبة المسرح الإماراتي فحسب، بل تُعتبر الإماراتية الأولى التي سبقت عصرها، وعملت في مجالات عديدة كانت حِكراً على الرجل، حيث سطعت نجمة في سماء الفن المسرحي الإماراتي، منذ عام 1972، وكان لها شرف السَّبق في التحدّي والرِّيادة. وعلى الرغم من أنّ لقاء «زهرة الخليج»، بالفنانة القديرة، كان غير مُخطَّط له وبلا موعد مسبَق، غير أن المزروعي، التي كانت قد خرجت قبل ساعات معدودات من غرفة العمليات، حيث خضعت لجراحة في القلب، رحبت كعادتها باللقاء الذي جاء حافلاً بالذكريات المحفورة في ذاكرة وجدانها، والمخطوطة بأحرف من نُور على جميع مسارح الزمن الجميل، ما يؤكد أن «أم المسرحيين» لا تزال تتعامل مع وسائل الإعلام، كما عوّدتنا، برقيّ وحفاوة. وهي أكدت لنا أن قلبها بخير حالياً، لكنها رأت أن المسرح «يمرّ بحالة فتور».


أبو الفنون
بعد الاطمئنان على قلب «أم المسرحيين»، انتقلنا إلى الحديث عن عشقها الأول والأخير للمسرح، فبعد مرور 4 عقود من اعتلائها خشبة المسرح للمرة الأولى، لا تزال تؤكد «أهمية المسرح ودوره الفعال في معالجة القضايا الاجتماعية»، لافتةً إلى أن مقولة: «أعطِني مسرحاً، أعطِك شعباً»، «هي من المقولات القديمة المتجددة، التي تؤكد دور المسرح في طرح العديد من المشاكل الاجتماعية السائدة، وتسليط الضوء على سُبل معالجتها بطريقة السهل الممتنع، كما حدث مع مسرحية «زلّة عُمر». تضيف: «لم يقتصر دور المسرح في الإمارات على التمثيل فحسب، بل كانت له اليد العليا في تسليط الضوء على مختلف أنواع الفنون، لأنه مسرح تَميّز بالشمولية، إذ تُعرض على خشبته ألوان عديدة من الفنون، مثل الفنون الشعبية، الموسيقى، الغناء، وكل ما يَمتّ إلى الثقافة والأدب بِصِلة». تتابع: «لهذا، لم يكن المسرح الإماراتي مسرحاً للفرجة فقط، بل كان ولا يزال المرآة الحقيقية للمجتمع بمختلف فئاته، وألوان طيفه، لهذا استحق المسرح عموماً أن يُطلق عليه أبو الفنون».


وفي حديث الذكريات، الذي أعاد موزة المزروعي 4 عقود إلى الوراء، تَطرّقت « أم المسرحيين» إلى الصعوبات التي واجهتها في بدايات ظهورها على خشبة المسرح، مشيرة إلى أن «المجتمع، كان يَفرض على المرأة قيوداً تَحول بينها وبين الاقتراب من ميادين عمل ونشاط عديدة، على رأسها الظهور على خشبة المسرح جنباً إلى جنب مع الرجال، حتى إن كانوا من كبار الفنانين.. أمثال صقر الرشود وإبراهيم جلال، وزكي طليمات». وتكشف أنها من خلال ذلك التحدّي، نجحت في فرض واقع جديد على مجتمع الإمارات. تقول: «كانت الأدوار المسرحية الخاصة بالمرأة في ذلك الوقت، يقوم بأدائها ممثلون من الرجال، من بينهم الفنان القدير زعل خليفة، وذلك لصعوبة وجود ممثلة إماراتية، تستطيع الوقوف على خشبة المسرح، لأسباب لم تكن خافية على أحد».


لم تكن موزة المزروعي أول إماراتية تَعتَلي خشبة المسرح فحسب، بل كانت أول امرأة تطرح فكرة أهمية وجود شرطة نسائية، لتصبح نفسها أول مَن حمل لقب شرطيّة في الإمارات، حيث عملت في مطار دبي، وفي دائرة المرور والترخيص (قسم فحص السيدات)، وهو ما يؤكد أنها تعشق الرِّيادة، وتهوى ركوب الصعاب، وفوق هذا وذاك، فهي صانعة قرارات صعبة، في زمن كانت تحتاج فيه تلك القرارات إلى جرأة وتَحدٍّ، وإلى تضحية ونكران ذات. وفي هذا السياق، تقول المزروعي: «لقد تسلّحتُ بالإرادة والإصرار، إيماناً منّي بأن انتصاري على التحديات الجسيمة التي واجهتها، سيضع الرافضين ظهور المرأة على خشبة المسرح أمام الأمر الواقع».


الرعيل الأول
على الرغم من أنها ابنة المسرح، إلا أن الحديث حول المسرح الإماراتي يثير شجوناً كثيرة لدى الفنانة موزة المزروعي، تقول: «يمر المسرح في الوقت الراهن بحالة من الفتور، ولا يكاد يشهد انتعاشاً إلا أثناء مواسم «أيام الشارقة المسرحية». وفي معرض تفسيرها الأسباب التي تقف وراء ذلك، تشير المزروعي، إلى أن «الأمر يعود في المقام الأول إلى القائمين على المسرح، الذين صَرَفوا النظر عن الرعيل الأول من الممثلين والممثلات والمخرجين». لافتة، إلى أنه «على الرغم من توافر نصوص جيدة، إلا أن القائمين على المسرح لم يحرصوا على الإفادة من الخبرات المتراكمة لدى المبدعين الأوائل في هذا المجال، حتى أصبح حكراً على الوجوه الشابة والجديدة». تُضيف: «صحيح أنه يَتكشّف أحياناً عن مواهب واعدة، إلا أن عدداً كبيراً من تلك الوجوه يختفي بسرعة، تماماً كما ظهر بسرعة، لعدم قدرة أصحابها على الصبر والمثابرة».