إعلاميّة استطاعت أن تجد لنفسها مكاناً خاصاً في عالم امتلأ بالشاشات. أثبتت تميزها عن السائد منذ انطلاقتها الأولى في التسعينيات مع البرامج الفنية. لكنّها قرّرت مؤخراً إعادة رسم خريطتها الإعلامية وخوض تجربة البرامج الإجتماعية من خلال تقديم "سيدتي" على قناة "روتانا خليجية" الذي يهتم بمناقشة القضايا الإنسانية التي تهمّ الأسرة العربية.
"أنا زهرة" التقت نادين فلاح، فكان هذا الحوار:


هل طلّقت البرامج الفنية الى غير رجعة؟
طلّقتها ثلاثاً! منذ زمن بعيد، قررت ألاّ أقدم برنامجاً فنياً.


هل كان قراراً شخصياً أم أنه لم تُتح لك فرصة تقديم برنامج فني؟
اتخذت قراراً شخصياً عن سابق تصوّر وتصميم، بعدم تقديم برنامج فني. وفي مرحلة معينة، قدمت هذا النوع من البرامج. ولا أنكر أنّها كانت بداية جميلة، ومرحلة لها قيمتها ووهجها، لكن مع الوقت، بدأ هذا الوهج يخفت تدريجياً.


هل يعود ذلك الى أنّ شخصيتك لا تحتمل دلع الفنانين ومزاجهم، أو دفاعهم عن الشائعات وتنميق الحقائق؟
أنا امرأة لا تعرف "المسايرة"، ولا أحتمل أمزجة الفنانين وغير قادرة على تحمّل عدم انضباطهم في المواعيد. أنا امرأة نظامية، أعرف حدودي وحدود الآخرين، وأتصرف على هذا الأساس. كما أجيد تقييم الأشخاص، فأعرف حجمهم وحجمي. بالإضافة إلى ذلك، أتطلع الى تقديم برامج أخرى منذ فترة طويلة. اجتمعت هذه العوامل لتؤكد قناعتي بأنّ تقديم البرامج الفنية كان مرحلة وانقضت.


لكنك لم تنتقلي الى تقديم البرامج السياسية؟
أنا امرأة فاعلة سياسياً من خلال المشاركة والمتابعة والممارسة اليومية. لا أتعلّق بالأشخاص بطريقة عمياء، حتى لو كنت ميالة الى فئة دون أخرى، أظل أتعامل معها بالنقد والانتقاد. أنا، باختصار، واقعية الى أقصى الحدود. لكن في ما يخص الإعلام السياسي، فأنا لم أقدم برنامجاً من هذا النوع.


ألا يشبه الفنانون السياسيين في أمزجتهم وتجميل الحقائق؟
في الشأن السياسي، كل الأمور واضحة ومكشوفة، ولا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يتذاكى على أحد. كي ينجح الصحافي في الإعلام الفني أو السياسي، لا بد من أن يتحلى بالدبلوماسية وعذوبة اللسان. كما عليه أن يحبّ أجواء البشر الذين سيقابلهم. على سبيل المثال، أنا شخصياً لا أحب الأجواء الفنية، لأنّها لا تستهويني. بين الفنانين لا أشعر بمتعة، فسعادتي أجدها في مكان آخر.


الآن، هل وجدت ضالتك المنشودة في برنامج اجتماعي؟
وجدت جزءاً من ضالتي. هو جزء إيجابي، يكفيني في المرحلة الحالية، وأعتبر أن هذا الانتقال هو بمثابة بداية مفيدة وجميلة. أحب التنوّع الإعلامي على الشاشة، حيث أطرح القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنجاحات والإخفاقات، وأعالج السعادة والفرح. هذا التنوع يتيح لي الاحتكاك بجميع شرائح المجتمع من أناس بسطاء وعاديين الى اختصاصيين وأطباء وناجحين ومثقفين.


الجزء الآخر من الطموح، أين يقع؟ هل تحلمين في نوع إعلامي آخر؟
لا أحلم لأنّني فتاة واقعية. الحلم في ميدان الإعلام في العالم العربي، يعادل مصطلح المبالغة. ما أسعى إليه هو تحقيق طموحي.


لماذا الحلم يعادل المبالغة؟
باعتقادي، الإعلام في العالم العربي موجه، وقع في إخفاقات كبيرة كون معظم العاملين من نجومه لم يتم اختيارهم بناء على خبراتهم. محترفون كثيرون في ميدان الإعلام، قد لا تتوافر لهم الفرص الملائمة إذا قرروا الانتقال الى محطة أخرى. للأسف، البديل للمحترفين، مفقود على عكس الواقع الاعلامي في أوروبا والولايات المتحدة حيث يمكن لإعلامي يبلغ الستين أن يجد فرصة أفضل بكثير في محطات أخرى.


هل تعتبرين أن الغرب تجاوز عقدة الشكل والعمر؟
الأوروبيون يعوّلون على الخبرة والقدرة على الحوار والتأثير في الآخرين والحضور الإعلامي. السوق الإعلاني في الغرب كبير جداً، والمدخول مختلف.


وفي العالم العربي، هل تتاح الفرص للبناء على العلاقات الشخصية والشكل الحسن؟
الشكل ليس شرطاً في اختيار الإعلامي في العالم العربي، لأن جميع من يطلّون على الشاشة يتمتعون بشكل جميل، ومن لا يملكه يستطيع أن يحسّن شكله. لكن العلاقات الشخصية تعتبر سبباً أساسياً في اختيار الإعلامي، بالإضافة الى أنّ مالكي المؤسسات الإعلامية لا يتمسكون بإعلامي، في وقت ينتظر فيه كثيرون فرصتهم ويقفون بالدور أمام أبواب المؤسسات. في النتيجة، الإعلام العربي ليس ناضجاً بعد، كونه لا يتطلع الى الكفاءات.


هل تؤكدين بأنّ خبرتك كانت الدافع الأساس لتكوني حيث أنت اليوم في قناة "روتانا"؟
عوامل عدة دفعت بي الى الموقع الذي أشغله الآن. أولها الخبرة، ثم طريقة التعاطي مع الناس والإدارات التي عملت معها، بالإضافة الى الحدود التي رسمتها لنفسي وللآخرين. وقد حافظت على صورتي الإعلامية، وقررت أنني إعلامية فقط.


هل يعني ذلك أنك رفضت عروضاً أخرى؟
طبعاً، لقد رفضت عروضاً تمثيلية أيضاً، وقررت وجهتي. الخيار الذي اقتنعت به هو الإعلام، وأنا سعيدة في موقعي رغم أنني أنتظر نقلة نوعية مختلفة تماماً. لن أضيع فرصاً تحقّق طموحي الكبير.


ما أبرز الإنجازات التي حققتها في برنامجك؟
محاولة مساعدة الناس، والإضاءة على القضايا الاجتماعية الهامة في المجتمع، وتعزيز حضور المرأة وتسليط الضوء على نجاحاتها وإنجازاتها.


هل صادفتك حالات إنسانية معينة تسبّبت لك بالألم؟
نعم، الأم البلجيكية التي ذبحت أولادها الخمسة. هذه القضية أحزنتني، وأثّرت بي كثيراً. المآسي تثير عواطفي وتؤثر بي.


الى أي مدى يحق للإعلامي أن يظهر تأثره على الشاشة ويتخطى حياديته؟
لا يمكن أن تشاهد مأساة إنسانية ولا تتأثر بها. الإعلامي في النهاية انسان لا آلة، ويحق له إظهار تأثره.


أين تختبرين قوتك؟
حين أقلب الصفحة في تعاملي مع بعض الأشخاص، ويأتي ذلك بعد منحهم فرصاً كثيرة. أنا غير انفعالية، بل "نفسي طويل". حين أصل الى مرحلة "قلب الصفحة"، أمشي ولا أنظر الى الخلف.