كلّ أمّ، أي أمّ، مهما كانت محبّة وعطوفة، قد تجد نفسها في الكثير من الأحيان في موقف من الغضب المسعور تجاه أولادها. تصرفات الأطفال المفاجئة، وصعوبة التعاطي مع متطلباتهم الكثيرة، أسئلتهم التي لا تتوقف، والمواقف المحرجة التي قد يضعون الأم فيها، كلّها مسببات ممكنة لموجات من الغضب السلبيّة والمؤذية للأم والطفل معاً.

"أحياناً يصل بي الغضب إلى تهديد ابنتي بتركها في المدرسة بعد الدوام، إن لم تمتثل لأوامري"، تخبرنا لبنى. أمّا فاتن، فتعبّر عن غضبها بطريقة أخرى: "أشعر أنني غير قادرة على ضبط نفسي، فأبدأ بالصراخ، ولا أشعر بالندم إلا لاحقاً حين أرى الحزن على وجه ولدَيّ".

ضغوط الحياة والعمل تدفع الكثير من الأمهات أحياناً إلى تنفيس توترهنّ وغضبهنّ في الأولاد. هذا الغضب المكبوت، يجعل العواقب قاسية، وقد تصل أحياناً كثيرة إلى الضرب. تعترف لينا أنّها تجد صعوبة في منع نفسها عن ضرب ابنها على يده، وأحياناً على وجهه، حين يقوم بتصرّف خاطىء. "أشعر بعدها برغبة شديدة بالبكاء".

"تطال موجات الغضب غير المقنّن عدداً كبيراً من الأمهات"، تشرح المعالجة النفسيّة أليس حمدان. "موجات الصراخ، والعقابات القاسية، وحتى الضرب، أمر شائع جداً في العائلات الميسورة منها وتلك التي تعاني من ضيق مادي"، تقول. "تحمّل مسؤولية طفل واحد أو أكثر ليس بالأمر السهل أبداً في عصرنا الحالي، لهذا تكون الضغوطات على الأم مضاعفةً، لكن التوتر النفسي، والضغوط المادية والإجتماعية، ليست عوامل كافية لفهم فورات الغضب تلك"، تقول المعالجة.

أحياناً يكتنف غضب الأمهات شيئاً من العدائية، ويكون أحياناً كثيرة ًغير إرادي، فما السبب في ذلك؟
بحسب علم النفس، فإنّ تكرار الغضب المبالغ فيه على الأطفال، يخفي مشكلةً أعمق. "تكرار هذه الأفعال الغاضبة بشكل دائم، يشي بمحاولة عند الأم لتفريغ كبت داخلي ما، وعندما تفرّغه، تشعر بالذنب".

لتفادي هذا الغضب، تنصح حمدان الأمهات اللواتي يعانين من هذه المشكلة أن يعدن إلى أصلها.

"في البداية يجب تهذيب الطاقة العنيفة التي تجتاحنا، لأنّ ذلك يؤذي علاقتنا بأطفالنا. الصرامة في التربية تختلف عن الغضب والعنف والضرب، على العكس يمكن أن تؤذي هذه الأفعال صورة الأم في ذهن أطفالها"، تقول حمدان. "عوضاً عن الصراخ، اطلبي من أولادك التصرف بشكل لائق بجمل مفهومة وواضحة وصارمة. هكذا يفهمونك أكثر، أمّا الصراخ فيشعرهم بالخوف وفقدان الأمان".

لكن من جهة أخرى، يجب أن تبحث الأم عن السبب الدفين الذي يجعلها تتصرف بهذا الشكل. "قد يكون السبب عنفاً تعرضت له الأم في طفولتها. قد يكون السبب أيضاً رغبة في الإنتقام من طفولة ناقصة، لم تستطع الأم حسم ذكرياتها قبل أن تنجب أولادها"، تشرح المعالجة.

"هناك فرضيات أخرى، منها رغبة دفينة بالعودة إلى السنوات السابقة للأمومة، وشعور ما بأنّ الطفل قد سرق من الأم سنوات ومشاريع وأحلاماً كانت ترغب اتمامها قبل أن تتحمّل مسؤولية عائلة"، تقول حمدان. "يجب أن تسأل المرأة نفسها إن كانت راضية بالفعل عن نفسها كأم، أم أنّ لا وعيها الدفين يراها في صورة أخرى".

مهما كان السبب، سارعي لإكتشافه بمفردك، ولا تخجلي من المواجهة مع نفسك. النتيجة المرجوّة هي علاقة صحيّة ومتوازنة مع أطفالك، تجعلهم يكبرون بهدوء، ولا يحملون من طفولتهم عقداً هم في غنى عنها.