رغم فرحة الولادة، تعيش كلّ أم جديدة حالة من القلق والخوف والارتباك. فكيف تتعاطى مع الصغير؟ كيف تطعمه؟ كيف تغسله؟ كيف تواسيه حين يبكي؟ هل هو مريض؟ كلّها أسئلة تتدافع في رأسها طيلة الوقت، وكلّ همّها ألا ترسب في امتحان الأمومة الأوّل، وتصير أماً ناجحة...
"هذه ردّة فعل غريزيّة، تنتج عن رغبة الأم الطبيعيّة في حماية ابنها أو ابنتها من أي شيء مؤذٍ"، تقول الطبيبة كاترين جوسلام.


لكن ماذا يعني أن تكوني أماً ناجحة؟
"هذا يعني بكلّ بساطة أن تسمعي طفلك أو طفلتك، وأن تتكيفي مع حاجاته، وأن تستجيبي لها"، تلفت جوسلام.
فحتى لو كنت جديدة في عالم الأمومة، فإنّ بعض الأمور ستكون بديهية، ولا حاجة لتقلقي بشأنها أبداً. حين يبكي، عليك أن تهدهديه، أو أن ترضعيه، ولا تسألي نفسك كيف أفعل ذلك. فالعلاقة بين الأم والطفل تنسج نفسها بشكل طبيعي وتلقائي يوماً بعد آخر. وهي علاقة خاصة جداً، تجعل الأم تفهم متى يكون ابنها (أو ابنتها) جائعاً، أو مرتاحاً، أو يشعر بمغض في معدته...
الأم الناجحة هي أيضاً التي تترك مساحة كافية لوجود الأب، ولا تحوّل ابنها إلى مركز حياتها. فالكثير من الجنوح نحو المثاليّة قد يخنق الطفل، ويسلبه مساحة الحريّة الضروريّة لبناء شخصيّته، حتى لو كان لم يتخطَّ بعد أشهره الأولى. فهذه المرحلة تترك تأثيرها عليه، بشكل كبير، ولا تعتقدي أنّه لا يفهم ما يدور حوله، على العكس.


"أشعر دوماً بقلق من أنّه لم يأكل بشكل كاف، وأكاد أجنّ حين يرفض أن يرضع، أو أن يتناول قنينة الحليب"، تخبرنا سيرين (25 عاماً). سيرين أم منذ شهرين فقط، وهي تعتقد، كغيرها من الأمهات، أنّ شهية المولود الجديد يجب أن تكون مفتوحة دائماً. "إطعام الرضيع يأخذ بالنسبة إلى الأم شكلاً رمزياً، لأنّها تعتقد أنّها بهذه الطريقة، تواصل منحه الحياة"، تشرح كاترين جوسلام. لهذا حين يرفض المولود الجديد أن يرضع، تشعر الأم بالخوف الشديد، وأنّها لا تملأ دورها، وأنّها أم سيئة.
إن كانت حالتك كحالة سيرين، لا تجعلي الأمر يقلقك، لأن شهيّة الطفل تتغير من يوم إلى آخر. قد يكون السبب في رفضه لتناول الحليب أنّه يشعر بتوعّك بسيط. ما دمت تتابعين صحته عن كثب بالتعاون مع الطبيب، ليس عليك أن تقلقي، ومن الأفضل ألا تظهري له أنّك قلقة، ومتوترة، لأنّ الرضيع يستشعر ذلك، ما يخلق عنده ردّة فعل تجاهك، فيواصل رفضه للأكل.


بلغت ابنة ساميا (29 عاماً) سبعة أشهر، ولا تزال الأم ترفض تركها، والخروج مع زوجها، أو زيارة صديقاتها. "لا أريدها أن تشعر بالخوف عندما أضطر إلى تركها وحدها"، تقول. تعيش الأم والطفل حالة تواصل عضوي، ويصعب على الكثير من الأمهات ترك أبنائهنّ ولو للحظة واحدة. لكن ما العمل ولا مفرّ من ترك الطفل وحيداً ولو لساعات قليلة؟


أولاً، لكي تكوني مطمئنة، عليك أن تتركي المولود الجديد في أيدٍ أمينة، تثقين بها، مثل أمك، أو أختك، أو المربية...
ثانياً، عليك أن تدركي أنّ الإنفصال عن الطفل أمر طبيعي، ولا بدّ من أن يحدث بشكل أو بآخر، وهو جزء لا يتجزأ من عمليّة النمو. فلا يمكن أن يكون ابنك جزءاً منك، بل كيان قائم بذاته، ترعينه بكل ما أوتيت من محبة، لكن لا يمكن أن تخنقيه بخوفك الزائد.

ابن خلود (23 عاماً) بدأ يحبو، وهذا ما يسبب لها قلقاً إضافياً." أخاف أن يصيبه مكروه, صار ينقل نفسه بين كراسي الصالون، وأنا أخشى أن أفلته ولو للحظة" تخبرنا.
لا يمكنك أن تمسكي يده في كلّ لحظة، هذا مستحيل. هو لم يكبر، لكنّه لم يعد صغيراً جداً. العالم يجذبه، وسيحاول أن يكتشف كلّ شيء. عوضاً عن الخوف والقلق، اتركيه يشبع فضوله. لكي تفعلي ذلك وأنت مطمئنة، سهلي حركته، أبعدي عنه قطع الأثاث الحادة، والثقيلة.
في هذه المرحلة أيضاً، عليك أن تبدئي بإفهامه بعض الممنوعات، كأن تجعليه يدرك أن لمس الأشرطة الكهربائية خطير، وكذلك الإقتراب من الدرج. وما عليك إلا أن تغلقي باب المطبخ للمزيد من الأمان.