سلوى النجار


رزان المبارك، اسم إماراتي لامع في ميدان التنمية المستدامة وترويض التحديات البيئية المعاصرة،
فهي تشغل منصب العضو المنتدب لـ«جمعية الإمارات للحياة الفطرية» - «الصندوق العالمي لصون الطبيعة». والمتتبع نشاطها يدرك بوضوح أنها على الرغم من تشعب اهتماماتها وتعددها،
إلا أنها تنطلق من قناعة واحدة مفادها: «إذا كان من ضرر يلحق بالبيئة، فهو يؤذي الإنسانية برمتها».
رزان المبارك التي تحمل شهادة الماجستير في علوم الفهم العام للتغير البيئي من «يونيفيرستي كوليدج لندن» في المملكة المتحدة، تؤمن بأن «النوايا الطبية تجاه البيئة وحدها لا تكفي، إنما لابد معها من جهود حقيقية تستند إلى وعي بيئي مجتمعي مستنير، يساعد على جعل المعلومات البيئية المتاحة كافة، قابلة للتوظيف
والتفعيل لمصلحة البيئة». وتؤكد في هذا الحوار أن «لا عذر لنا نسوقه للأجيال القادمة إن نحن قصرنا في ذلك»، كاشفة «إننا نعمل من أجل إمارات مستدامة وكوكب أكثر صحة».


تتعامل دولة الإمارات العربية المتحدة مع قضية الطاقة المتجددة والمشكلات البيئية من خلال استراتيجية واضحة وبشكل عملي. ما هي أهم ملامح تلك الاستراتيجية؟ وإلى أين يصل سقف طموحاتها وتطلعاتها؟
- تسعى الإمارات جاهدة إلى خلق مستقبل مستدام، سواء عن طريق تبني معايير المباني الخضراء التي تشكل جزءاً مهماً من استراتيجية «مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني» ومن خطة 2030، أم عن طريق تقييم سياسات تسعى إلى تبني الطاقة المتجددة والاعتماد عليها في توفير 7 % من الطاقة بحلول عام 2020، أو عن طريق الاستثمار في البحوث البيئية. هذا إضافة إلى المبادرات والمشروعات الأخرى التي تحاول تقديم حلول متكاملة وجذرية مثل مبادرة «مصدر». لا بل إن الإمارات هي في أوج تطوير سياسات بيئية أكثر طموحاً يوماً بعد يوم، ومن المهم بأن يتم تقييم هذه السياسات على أساس علمي، قادر على دراسة أثرها الإيجابي في استدامة الدولة. ولهذا، قامت مبادرة «البصمة البيئية»، وهي من أهم المبادرات في مجال الاستدامة وتغير المناخ، بتطوير أداة محاكاة لبناء سيناريوهات نموذجية، ودراسة أثر السياسات البيئية المقترحة في انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. وهناك أيضاً العديد من الحملات التوعوية في الدولة، والتي تهدف إلى نشر الوعي البيئي وإحداث تغيير سلوكي جذري، ليتبنى الجميع أسلوب حياة مستدامة يدعم ما تسعى الاستراتيجيات والسياسات إلى تحقيقه.


معرفة بيئية
• التنمية النظيفة والمستدامة، ربما تكون هي البوابة التي يتعين على الخطط والاستراتيجيات كافة المتعلقة بالتنمية أن تعبر من خلالها. فما هو الشوط الذي قطعته دولة الإمارات في هذا الميدان؟

- لقد تم تطوير مقاييس عدة للمباني الخضراء في الدولة مثل «استدامة»، وتم كذلك تأسيس هيئات مستقلة قادرة على دفع عجلة التنمية النظيفة مثل «مجلس الإمارات للأبنية الخضراء» والذي تم تأسيسه في دبي. كذلك، بدأت الإمارات في تبني دور ريادي في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة، حيث تتم دراسة خيارات لتوليد الطاقة النظيفة والاستثمار في تطويرها على نطاق واسع، مثل التخطيط لمحطات توليد الطاقة الشمسية وغيرها. من المهم أيضاً التنويه بأن هناك تشجيعاً متزايداً للقطاع الخاص وقطاع الصناعات على تبني سياسات عمل أكثر استدامة، والتي ستأتي بمردود مادي إيجابي على الشركات وعلى اقتصاد الدولة. بالطبع، إن مثل هذا التغيير في التوجه يتطلب توعية بيئية تستهدف جميع شرائح المجتمع وقطاعاته. وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في نشر المعرفة البيئية ومشاركة الجميع في ما يحدث في المجال البيئي، ودور الحملات التوعوية ذات التوجه طويل المدى في ترويج أساليب الحياة المستدامة. وحملة «أبطال الإمارات» التي أطلقتها «جمعية الإمارات للحياة الفطرية» بالتعاون مع «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» (EWS-WWF) بالشراكة مع هيئة البيئة في أبوظبي هي مثال على ذلك.


بصمة بيئية
• على الرغم من امتلاك دولة الإمارات العربية المتحدة واحداً من أضخم احتياطيات النفط، إلا أنها سبقت غيرها من الدول إلى الاهتمام بأجندة الطاقة النظيفة. كيف يمكن قراءة هذا الوعي المبكر بالتحديات البيئية؟ وما هو المردود البيئي الذي يمكن توقعه؟

- إن هذا الوعي المبكر سيعنى انتقالاً أكثر سهولة إلى أسلوب حياة مستدامة، سواء لقطاع الأعمال أم لسكان الدولة، والذي سينعكس لاحقاً في انبعاثات أقل من غاز ثاني أوكسيد الكربون واستغلال أفضل للموارد الطبيعية المتوافرة، من دون تجاوز حدود الاستدامة. هذا أيضاً سيساعد الدولة على تبني دور ريادي ونشط في مجال تطوير التكنولوجيا البيئية، والتي بدأت نحوه بخطى سريعة، حيث إنها ثالثة دولة في العالم تتعمق في مبدأ البصمة البيئية وبحوثها، وذلك من خلال مبادرة البصمة البيئية.


إلهام
• اكتسبت أبوظبي على مدى عقود طويلة خبرات واسعة في مجال حماية البيئة، ترسخت ضمن منظومة القيم والتقاليد المحلية. إلى أي حد مثلت تلك القيم والتقاليد والمفاهيم عاملاً محركاً ومرشداً للجهود في ميدان العمل البيئي بمفهومه الحديث؟

- إن علاقة أجدادنا الوطيدة بالصحراء وبالبحر، واعتمادهم الكلي على البيئة المحلية كمصدر للرزق وكموئل ووطن، جعلت من صون البيئة والمحافظة على مواردنا الطبيعية التي تعد نعمة وهِبة، إحدى أهم ركائز ثقافتنا وتراثنا. وكان للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله) دور ريادي في ترسيخ هذه المبادئ، حتى مع التطور السريع الذي شهدته الدولة. ولم يساعد المغفور له الشيخ زايد في صون الموارد الطبيعية فقط، بل كان له دور كبير في الحفاظ على الحياة الفطرية في الدولة، ليسهم في إعادة المها العربية التي كانت على حافة الانقراض إلى البرية. وهذا الاهتمام الفريد من نوعه، شكل إلهاماً عالمياً، ليتم تقليده وسام الباندا الذهبي، وهو أعلى وسام شرف يقدمه «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» (WWF). ولهذا التاريخ دور محرك وملهم وراء الجهود البيئية التي تبذلها دولة الإمارات حالياً.

تغير المناخ
• حظيتْ قضية التغير المناخي بتركيز استثنائي في المحافل الدولية، ما هي الإنجازات التي حققتها دولة الإمارات في هذا الميدان، وكيف تنظر إلى هذه المشكلة؟

- للإمارات استثمارات عديدة في مجالات الطاقة البديلة والمتجددة محلياً وعالمياً، وهي تسعى جاهدة إلى خفض انبعاثاتها الكربونية عن طريق الالتزام بتخزين والتقاط الكربون، وإنشاء مولدات للطاقة النووية، والسعي نحو الاعتماد على الطاقة المتجددة لتوفير نسبة 7 % من الطاقة بحلول عام 2020، والاعتماد على الطاقة النووية لتسهم بنسبة 25 % بحلول عام 2030. ينبع هذا الاهتمام من إيمان الدولة بأهمية مواجهة التحديات التي تفرضها ظاهرة تغير المناخ، والتزامها بإيجاد حلول عن طريق العمل مع الدول الأخرى في معاهدات متعددة الأطراف، وعن طريق الاستثمار لإيجاد حلول تساعد العالم بأكمله.


الحياة الفطرية
• تتميز دولة الإماراتة بثراء واسع على صعيد الحياة الفطرية، فما هي أهم المبادرات الاستراتيجية التي تتبناها الدولة في مجال حماية التنوع البيولوجي؟

- لقد تم تحديد العديد من المناطق البحرية والبرية في الدولة كمناطق محمية، من أجل محاولة الحد من تدهور الحياة البحرية. وهناك العديد من البحوث القائمة في الدولة والتي تركز على حالة الحياة الفطرية وكيفية حمايتها. بعض هذه الجهود تعود إلى سنوات عدة مضت، وتأتي من اهتمام الدولة بالحفاظ على الحياة البرية. واهتمام الشيخ زايد رحمه الله بالبيئة، هو الذي أرسى أولى ركائز التنمية المستدامة في الإمارات. إن التطور السريع والزحف العمراني، يهددان الكائنات البرية والتي تقطن موائل الدولة الطبيعية والتي يجهل العديدون وجودها. لذا، يجب الاستمرار في هذا التوجه والتعاون مع الجهات المختلفة لدراسة الوضع الحالي للبيئة المحلية، وتحديد أماكن ذات أهمية بيئية لتحتل أولويات أجندة محافظة بيئية متكاملة. علما أن أحد الإنجازات في مجال صون الطبيعة كان في عام 2007، عندما تم الإعلان عن «وادي الوريعة» كأول محمية جبلية طبيعية في دولة الإمارات العربية المتحدة، من قِبل صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة. هذا الإعلان جاء نتيجة تقييم مكثف شهد تعاون «جمعية الإمارات للحياة الفطرية» و «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» (EWS-WWF) وبلدية الفجيرة، وبدعم مادي من «بنك HSBC الشرق الأوسط»، ليبرهن على أهمية العمل معاً لحماية حياتنا الفطرية. لوادي الوريعة أهمية كبيرة من ناحية التنوع البيولوجي، حيث تدعم مياهه العذبة حياة العديد من الكائنات الحية، منها ما يُعتبر نادراً وعلى وشك الانقراض. بل تم اكتشاف العديد من الأنواع الأخرى لأول مرة في الوادي، منها 14 فصيلة من الحشرات حمل بعضها اسم الوادي، عندما تم تصنيفها بشكل علمي. يقع الوادي ضمن المناطق البيئية من الفئة 127 «المرتفعات العربية شبه القاحلة»، والتي قام «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» بتصنيفها كأكثر المناطق غنى بحياتها الفطرية وموائلها الطبيعية.


تعاون
• تعمل «جمعية الإمارات لحماية الحياة الفطرية» مع أكبر الجهات المستقلة في العالم وأكثرها خبرة في مجال حماية البيئة وهو «الصندوق العالمي لصون الطبيعة». فما هي أهم أهداف هذا الصندوق؟ وما هو الإطار العام لهذا التعاون؟

- تنص أهم أهداف «الصندوق العالمي لصون الطبيعة» على الحد من تدهور حالة الكوكب، وبناء مستقبل يعيش فيه الجميع بانسجام مع الطبيعة، ويعمل على تحقيق مهمته من خلال صون وحماية التنوع البيولوجي في العالم، وخفض الأثر البيئي الناتج عن الأنشطة البشرية. بينما تنص مهمة «جمعية الإمارات للحياة الفطرية» على المحافظة على التراث الطبيعي والتنوع البيولوجي لدولة الإمارات، والعمل على ترويج أساليب الحياة المستدامة لتخفيض الأثر البيئي المترتب على أنشطتنا. وكما هو واضح، فإن للجهتين المهمة نفسها، وإن تعدى الصندوق حدود الدولة وحدود المنطقة. وبهذا، بدأ التعاون منذ تأسيس الجمعية وذلك في عام 2001، لنعمل معاً بشكل متكامل من أجل إمارات مستدامة، ومن أجل كوكب أكثر صحة.


قيم بيئية
• من المؤكد أن الأجيال الصاعدة تحتاج إلى جهود تثقيفية تغرس لديها وعياً حقيقياً بمفاهيم صداقة البيئة والطاقة المتجددة. فما هي الخطوات التي تم تحقيقها في هذا المجال؟

- هناك العديد من المبادرات في الدولة، من أجل نشر الوعي البيئي وغرس القيم البيئية في أطفالنا منذ صغرهم، ولـ«EWS-WWF» العديد من المشروعات من هذه الناحية، بل إن معظم مشاريعنا لها هدف توعوي يكمل هدف المشروع الرئيسي، ولفريقنا اهتمام كبير بالتعليم البيئي، ليقوم معظمهم بإلقاء محاضرات حول مواضيع مختلفة وتتعلق بمشاريع مختلفة لطلبة المدارس والجامعات والموظفين والأفراد. ولكننا أيضاً نعمل على مشاريع تعليمية متخصصة. في عام 2002، أطلقنا مشروع «الماراثون البيئي»، والذي يُعرف الآن بمشروع «بيئتي وطني» في محاولة لإنشاء منهج بيئي متكامل، يمكن أن يساعد المعلمين على توصيل المعلومات المتعلقة بالقضايا البيئية للأطفال بشكل جذاب وسهل. ومرّ هذا البرنامج بمراحل عدة ليبدأ على الأقراص المدمجة. والآن في حلته الجديدة، سيتوافر بشكل كامل على الإنترنت مع امتحاناته وشهاداته. سيتمكن المدرسون من إدارة البرنامج، من خلال حساب خاص بالصف، وستتوافر لهم 7 مناهج تتعامل مع القضايا البيئية المختلفة، من إدارة النفايات، إلى التنوع البيولوجي، وحتى تغير المناخ لتناسب فئات عمرية مختلفة تتراوح بين 6 و14 عاماً. أيضاً، خلال عام 2010، قمنا بإطلاق برنامج «أبطال المدارس» الذي ينضوي تحت شعار حملة «أبطال الإمارات» وهي حملة توعوية تعمل بشكل اتحادي ومع جميع القطاعات والفئات العمرية، لنشر الوعي حول ظاهرة التغير المناخي وعلاقتها بالبصمة البيئية، وكيفية خفض هذه البصمة عن طريق ترشيد استهلاك الماء والكهرباء. ركز «برنامج أبطال المدارس» بشكل رئيسي على الطلاب، ووفر موقعاً إلكترونياً جمع العديد من المعلومات حول ظاهرة تغير المناخ وكيفية ترشيد استهلاك الماء والطاقة، من خلال نصائح بسيطة يمكن للجميع تطبيقها. هذا البرنامج قام بتنظيم مسابقة علمية اشترك فيها حوالي 200 طالب وطالبة من 100 مدرسة مختلفة، تمحورت حول منهج «بيئتي وطني» الذي تناول ظاهرة تغير المناخ. والمسابقة الثانية التي تم إطلاقها شجعت المدارس على خفض استهلاكها الطاقة والماء، من خلال نصائح وطرق مبتكرة وبسيطة، ليعمل المدرسون والطلبة معاً للتوصل إلى حلول فاعلة. في المحصلة، نحن نؤمن بأهمية غرس القيم البيئية في أطفالنا، لأنها وسيلتنا الأفضل والأكثر استمرارية لحماية تراثنا الطبيعي، من أجل أجيالنا المستقبل ومن أجل إمارات مستدامة والتي هي من حق كل طفل.