حوار- سعيد شلش

في هذا اللقاء، تحاور «زهرة الخليج» رئيسة «برنامج الأمان الأسري» في المملكة العربية السعودية الدكتورة مها المنيف،
التي التقيناها في دبي مؤخراً، لتتحدث عن الجهود التي تقوم بها في إطار الدفاع عن قضايا المرأة والطفل.


طب الأطفال هو التخصص الذي دفع بالدكتورة مها المنيف إلى أن تصبح استشارية لطب الأطفال في «الحرس الوطني السعودي» ورئيسة لـ«البرنامج الوطني للأمان الأسري» في المملكة العربية السعودية، وهو البرنامج الذي تم تأسيسه في عام 2005 لمواجهة تزايد حالات العنف الموجه ضد المرأة والطفل في المملكة. وهي تسلط الضوء في هذا الحوار على عناوين عديدة، يأتي في طليعتها قضايا العنف ضد المرأة والطفل، والدور الذي يقوم به «برنامج الأمان الأسري»، إضافة إلى الأسباب المؤدية إلى تزايد حالات العنف في المملكة، وصورة المرأة السعودية في الإعلام الغربي. كما تتطرق إلى التغيير الذي بدأ يحدث في المجتمع السعودي، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ومدى تَقبُّـل المجتمع السعودي المحافظ هذه التحولات، خاصة في ما يتعلق منها بالمرأة.


كسر«التابو»


• ما هو الهدف من إنشاء «البرنامج الوطني للأمان الأسري» الذي ترأسينه؟
ـ هذا البرنامج تم تأسيسه حديثاً (في نوفمبر) عام 2005 بمرسوم ملكي من خادم الحرمين الشريفين. فنحن في المملكة نعيش في مجتمع محافظ، بالتالي كان من الصعب علينا كسر الـ«تابو» من ناحية العنف الموجه ضد المرأة. وقد أخذنا وقتاً طويلاً استغرق قرابة عامين تقريباً بهدف توعية المجتمع بخطورة العنف الموجه ضد المرأة، وعملنا على مستويين: الأول هو توعية الأفراد بالعنف وأسبابه وأشكاله، وفي الوقت نفسه توعية المهنيين المتعاملين مع المرأة والطفل، وتدريبهم على كيفية التعامل مع الحالات التي ترد إليهم، من ناحية طبية ونفسية واجتماعية وقانونية. وقد نجحنا في جعل الكل يتكلمون عن العنف. علماً بأننا نعترف بوجود هذه الظاهرة في المملكة، لأننا نعيش في مجتمع لا يختلف عن أي مجتمع آخر، وهو قضية عالمية وليست المملكة استثناء في هذا المجال.
زيادة في البوح


• كثيرة هي التقارير التي تنشرها الصحف السعودية حول ارتفاع معدل جرائم العنف ضد المرأة، فما هي الصورة على أرض الواقع؟
ـ نسبة العنف لم تزد في المملكة، ولكن نسبة الاعتراف والتبليغ والبوح به هي التي زادت. وبالتالي، فقد ظهر على السطح وصار أكثر وضوحاً، ولعبت الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع نسبة البطالة دوراً كبيراً في زيادة حالات العنف.


توازن قوي


• ما مدى مسؤولية المرأة عن تزايد حالات العنف الزوجي؟
ـ من الطبيعي أن يكون العنف الزوجي من ناحية الرجل بدرجة أكبر، خاصة أنه لا يوجد توازن في القوى. فالأقوى جسدياً ومعنوياً هو الذي يفوز. والرجل هو الذي يستخدم العنف جسدياً، إضافة إلى أنه في المجتمعات المحافظة، نجد أن السلطة الذكورية عالية. كذلك فإن العوَز الاقتصادي للمرأة، هو الذي يجعلها معتمدة اقتصادياً بدرجة أكبر على الرجل، إذن فالرجل هو المسيطر.


حماية الطفل


• هناك تقارير تُنشر بين حين والآخر تدل على زيادة حالات العنف ضد الأطفال، فما الذي يقدمه البرنامج الذي ترأسينه لحماية الطفل؟

ـ لدينا مشروع متكامل لحماية الطفل بدأنا فيه منذ عام تقريباً، واستعنا بمجموعة من المستشارين من خط نجدة الطفل الدولي، حيث قاموا بإجراء دراسة شاملة لتحديد الاحتياجات. وقد أظهرت الدراسة أن المملكة تحتاج إلى خط مخصص للإبلاغ عن حالات العنف الموجه ضد الأطفال. وبالفعل، قمنا بعقد اجتماع مع كل الجهات الحكومية المعنية بشؤون الطفل، وأطلقنا الرقم 116، وهو رقم دولي يهدف إلى سرعة الإبلاغ عن حالات الإساءة في معاملة الأطفال في المملكة، خصوصاً بعد أن تزايدت حالات العنف ضدهم، وهو ما دفعنا إلى إجراء الدراسة التي أشرت إليها سابقاً.
مسؤولية مجتمعية


• كطبيبة واستشارية أطفال، ما هو سر اهتمامك بالقضايا المجتمعية بهذا الشكل؟
ـ لقد تخرجت في«جامعة الملك سعود» بعد أن حصلت على شهادة البكالوريوس في الطب وتخصصت في طب الأطفال، ثم ذهبت إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث عملت كطبيبة متخصصة في طب الأطفال. وبعد عشر سنوات قضيتها هناك، حصلت فيها على الدكتوراه، عدت إلى المملكة ومارست مهنتي كطبيبة وما زلت. وقد شعرت بالمسؤولية المجتمعية والاهتمام بقضايا الطفل وحقوقه، نتيجة إدراكي أنه لا توجد إجراءات واضحة لحمايته. وقد أسست برنامج الأمان الأسري، الذي يشمل العنف ضد المرأة والطفل، وأصبحت مستشارة في مجلس الشورى السعودي، وانتُخبت كرئيسة لـ«الشبكة العربية لحماية الطفل في الوطن العربي».
الرجل في الميزان


• كزوجة وأم، ما هو دور زوجك في حياتك؟
ـ دور الزوج مهم جداً وفاعل، ومن دونه ترجح إحدى الكفتين: فإما أن تتقدم كفة العمل على المنزل أو العكس. ومثلما دخلت المرأة المجال الاقتصادي وميادين العمل، يجب أن يدخل الرجل أيضاً بقوة إلى الأسرة، وأن يشارك معها في تربية الأبناء، فحن مجتمعات شرقية نؤمن بأهمية العناية بالأطفال. كذلك، فإن عمل المرأة أصبح ضرورياً ليس لإثبات ذاتها فحسب، إنما لأنها تُسهم بفاعلية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. فهي في حاجة إلى العمل والوظيفة، كما أن الوطن في حاجة إلى الأيدي العاملة الوطنية. وهذا يقتضي من المرأة أن تعمل، وأن يتنازل الرجل عن دور «سي السيد»، فقد انتهى هذا العصر، ولابد من مشاركة الرجل، وإلا سيختل توازن الأسرة. فوراء كل امرأة ناجحة رجل داعم لها.


صورة نمطية


• ما ينشره الإعلام الغربي عن وضع المرأة في المملكة العربية السعودية يختلف إلى حد ما عن الواقع الذي تعيشه، فهل هناك مبالغة متعمَّدة في تضخيم هذه الصور عن المرأة السعودية؟
ـ الصورة النمطية للمرأة السعودية في الإعلام الغربي سيئة. فهم ينظرون إلينا من الخارج، ولا يرون جوهر القضية. لقد قطعت المرأة السعودية شوطاً كبيراً إلى الأمام. صحيح أنها تعاني بعض الضغوط ولم تدخل المجال السياسي بقوة، لكننا نتمنى أن نراها فاعلة في المواقع كافة. علماً بأن جزءاً من هذا الذي يتحدث به الإعلام الغربي موجود بالفعل، ولكن يتم تصويره بصورة مبالغ فيها، وكأن كل النساء السعوديات مهضومات الحق. نعم، هناك بعض القوانين التي تحرم المرأة من حقوقها وبعض العادات، مثل قيادة المرأة للسيارة. لكن الإعلام الغربي يصور منع المرأة من القيادة بأنه مرتبط بالشريعة وهذا خطأ، لأنه مرتبط بالموروثات والتقاليد، وليس بالشريعة. وأنا أعتقد أن تغيير أي مجتمع عاش لفترة طويلة ولديه هذه القناعات، يحتاج إلى سنوات عديدة، ولا يتم التغيير في عام أو عامين، لأن هذا سيخلق فجوة كبيرة بين المجتمع وصانع القرار. كما أنه لابد أن نهيئ المجتمع لتقبل هذا التغيير، وأن نبدأ بالتغييرات البسيطة. وما يحدث الآن على أرض الواقع، وما يتخذه خادم الحرمين الشريفين يصب في هذا الاتجاه. صحيح أنها عمليات تحوُّل بسيطة بالنسبة إلى العالم الخارجي ولكنها مهمة وكبيرة جداً بالنسبة إلى الداخل، فالتغيير الكبير وبسرعة، يهز المجتمع، خاصة مجتمعاً تمثل الشريحة المحافظة فيه أكثر من 90 في المئة. وهو ما يجعلني أؤكد أن المهم أن نبدأ بخطوات صغيرة. وخادم الحرمين يستمع كثيراً للنساء، وهو يدرك حاجاتهن وحقوقهن، ولديه خطط استراتيجية طويلة لإنصاف المرأة السعودية.