هي سعادة السيدة هدى الخميس كانو، مؤسس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، كانت أول من يتسلم جائزة "منظمة المرأة معاً" من منطقة الخليج العربي، إذ حصلت على هذه الجائزة تقديراً لجهود 15 عاماً من تشجيع الفن والموسيقى في الإمارات العربية المتحدة والخليج العربي، ولا سيما بين النساء والأطفال. "أنا زهرة" التقت بكانو، مديرة مهرجان أبو ظبي للموسيقى والفنون، والذي تشهد الإمارة فعالياته هذه الأيام، إذ أقيم أول من أمس حفلاً لأوركسترا العالم لأجل السلام.


السيدة هدى كانو قبل 15 عاماً من هذه اللحظة كيف كان حلمكِ فيما يتعلق بمجال الفنون في الإمارات؟ وكيف أصبح هذا الحلم الآن؟
قبل 15 عاماً تقريباً، وتحديداً في عام 1996، كانت الإنطلاقة الحقيقة لحلمي الكبير، حيث تمكنا بحمد الله من تأسيس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون برئاسة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الدولة. ومنذ تلك اللحظة بدأ الحلم يكبر تدريجياً ويتحول إلى واقع ملموس، وبدأ الاهتمام بالفنون والثقافة يلقى صدى أكبر واهتماماً أوسع من فئات متعددة في المجتمع وبين مجموعات متزايدة من الجمهور والشباب وطلبة المدارس.
ومع كل إحساس بتحقيق بعض الإنجاز، كان يتولد في نفسي إحساس آخر بالإصرار على مواصلة الرحلة وتحقيق المزيد من النجاحات، واليوم أشعر بأن المجموعة كان لها دور فعّال في المساهمة في تعزيز الميول الفنية وتشجيع الإبداع وتحفيز الحراك الخلاق في الساحة الثقافية والفنية في أبوظبي، وباتت تتحمل مسؤولية أكبر، بصفتها مشجّعاً ولاعباً مهماً في نشر الوعي والثقافة الفنية الراقية في المجتمع، نحو تعزيز وترسيخ مكانة أبوظبي كمركز إقليمي وعالمي رائد لنشر الفنون والثقافة، وأصبحت أبوظبي اليوم منارة ثقافية للعالم بفضل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وبفضل توجيهات الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث كان لهما الأثر الفاعل في دفع الفنون والثقافة وتأسيسهما وبنائهما على دعائم صلبة وراسخة، وبتنا نشهد في الوقت الحاضر تحقّق رؤية منفتحة على العالم وداعمة لجميع مجالات الفنون والثقافة، والعمل على نشرها وإيصالها لفئات الشباب ودمجها بشكل أكبر في فعاليات وأنشطة المؤسسات التعليمية المختلفة، حيث أصبحت جامعاتنا تضم تخصصات فنية وعلوماً إنسانية لم تكن موجودة من قبل. ومع ذلك مازال حلمي متواصلاً ومستمراً لنشر الثقافة والفنون بين جميع المجتمعات والثقافات داخل الدولة وخارجها.


هل شعرت في أي لحظة أن ثمة ما يقف في طريقك كامرأة؟ وبشكل عام ما الذي يقف في وجه المرأة ويعوقها عن أن تكون مبدعة برأيك؟
أنا والحمد لله عشقت الثقافة والفنون منذ طفولتي المبكرة، ونشأت في أسرة مولعة بالشعر النبطي والكلاسيكي، وكنت أتردد على مجلس الوالد لأستمتع بالفن الشعري الراقي، حيث كنت مهتمة بمختلف مجالات الفنون ولقيت الدعم والتشجيع بشكل مستمر من جميع أفراد أسرتي، كما تأثرت بالتنوّع الثقافي والحضاري المحيط بي نتيجة اختلاطي وتعايشي مع مجتمعات وثقافات عدة. وأسهمت دراستي للأدب الفرنسي وتاريخ الفن، ومشاهدتي لأروع الأعمال الفنية في العالم وبخاصة في متاحف العاصمة الفرنسية، في توسيع آفاقي الفنية. ومن هنا ترسّخ لدي إيمان وثقة كبيرة بأن التحلي بالتصميم والإرادة هو الوسيلة الفعّالة لكل امرأة لتحقيق ما تصبو إليه من نجاح وتميّز، حيث إن الإبداع هو صفة تميّز عمل أي امرأة في العالم طالما تحلت بالتصميم على تحقيق النجاح، وتوفرت لها المقومات المعرفية والعملية المطلوبة.


ماذا عن مهرجان أبو ظبي؟ ماذا تريدين له وماذا أنجز حتى هذه اللحظة؟
يعد مهرجان أبوظبي منذ تأسيسه في عام 2004، أحد أبرز الفعاليات الفنية والثقافية التي تقام في إمارة أبوظبي، وهو مهرجان المدينة والناس، لأنه يجمع ما يزيد على ثلاثين مؤسسة ثقافية، وأكثر من مائة مؤسسة تعليمية، لأن الثقافة للمجتمع والناس، الأمر الذي يوسّع مجالات الإبداع لدى مختلف شرائح المجتمع في الإمارات، وقد حقق سلسلة رائعة من النجاحات والإنجازات الهمة على مدى دوراته الثماني الماضية، حيث قدّم مجموعة كبيرة من الفعاليات والأنشطة الفنية والثقافية التي استهدفت شرائح واسعة ومتعددة من مجتمع إمارة أبوظبي ودولة الإمارات، كما عمل من خلال برامجه التعليمية والمجتمعية المبتكرة على جذب أعداد كبيرة ومتنوّعة من الجمهور، وأسهم في بناء حوار متبادل ومنسجم بين مختف الثقافات، وزيادة الوعي والحس الفني في المجتمع. ونتمنى أن يستمر المهرجان في توطيد العلاقة المجتمعية المميّزة التي تمكن من بنائها مع جمهور الفن الراقي وأفراد المجتمع الإماراتي خلال دوراته السابقة، وأن يواصل إسهاماته الكبيرة في إثراء المشهد الثقافي والفني في دولة الإمارات، وصناعة ثقافة فنية واسعة تعزز التفاعل والتواصل والانفتاح الثقافي والفني لدى الشباب وقادة المستقبل، لترسيخ مكانة العاصمة أبوظبي كمنارة في مجالي الثقافة والفنون الراقية على الصعيد الدولي، وكوجهة عالمية في هذا الإطار.


هل آمنت يوماً أن المكان ربما يكون عائقاً في وجه الإنسان وخاصة المرأة؟ هل كنت ستصلين للنتيجة نفسها الآن لو لم تذهبي للدراسة في باريس؟ ماذا تعطي المدن لمن يسكنها؟
ليس المكان بالضرورة هو الذي يصنع تميّز ونجاح الإنسان أو يضع العوائق في وجه المرأة، بل يعد المكان سواءً كان بلداً أو مؤسسة تعليمية أو مكان عمل، أحد العوامل الداعمة والمساعدة لتحقيق النجاح والإبداع إذا ما قمنا باستغلال ذلك المكان على الوجه الأمثل، واستفدنا من ما يحويه من تشجيع ودعم حكومي رسمي ومجتمعي تطوعي لجميع أنماط الحراك الثقافي المتعددة، والفرص التعليمية المميّزة، والخبرات العملية والمواهب الواعدة.
بلا شك أسهمت دراستي للفنون، ومعيشتي في دول عربية وعالمية مختلفة لأكون في المساحة التي تلتقي فيها الثقافات والحضارات، وتتواصل عبرها الشعوب على اختلاف لهجاتها ولغاتها وقيمها الثقافية والمعرفية، مما أهّلني للتشبع بتراث إنساني متنوّع، وملأ ذاتي فكرياً وروحياً بتقاليد عريقة لدين أهلي وأصالتهم كأمة ذات حضارة عظيمة ودور تاريخي إيجابي عبر آلاف السنين، ومع ذلك أنا شديدة الاقتناع بأن المرأة هي التي تصنع نجاحها، وليس المكان هو الذي يصنع نجاح المرأة.


ارتبط اسم هدى كانو بالثقافة والموسيقى الراقية هل هذا الارتباط جزء من شخصيتك؟ أم اهتمامك العام؟
تربطني بالثقافة والفنون علاقة وثيقة، فالموسيقى الراقية تغذي الروح التي تسكن الجسد، كما أن الثقافة تغذي العقل وترتقي بالإنسان. فدائماً ما تخاطب الموسيقى الراقية وجداني، لتتغلغل داخل روحي وتأخذني إلى عالم جميل مليء بالوئام والسلام والمحبة. والفنون هي مرادف للحياة، وهي جزء مهم من تركيبة شخصيتي، وأشعر بها تكبر وتنمو معي. ونتيجة لهذا الارتباط الوثيق بيني وبين الموسيقى الراقية والثقافة، أصبحت مجالات الفنون والثقافة هي الاهتمام العام لي من خلال مختلف الأنشطة والفعاليات التي أقوم بها شخصياً أو عبر مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون وغيرها من المؤسسات المجتمعية التي أرتبط بها.


هل تعتقدين أن ثمة مكان فعلا للموسيقى الكلاسيكية في العصر الحديث؟
بما أن الموسيقى الكلاسيكية هي أحد مجالات الفنون الراقية، فحتماً سيبقى لها دائماً مكان وسط مجموعة الفنون الراقية في العصر الحديث، حيث إن الفن الراقي ليس حكراً على عصر دون آخر، فالفنون والموسيقى هي جسر فريد للتواصل بين مختلف الشعوب والثقافات، ولغة التواصل العالمية المفهومة للجميع.


هل وجدتم إقبالاً موسيقياً لدى الشباب؟ وهل المهرجان محاولة لرفع سوية الذائقة العامة؟
أولى المهرجان منذ تأسيسه أهميةً كبيرة للبرامج والفعاليات المخصصة للشباب والأطفال والطلبة وتلاميذ المدارس والجامعات والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث آمنّا دوماً بضرورة تقديم المعرفة والإفادة المثلى من جميع الفرص التعليمية المتاحة لأجيال المستقبل. وذلك لتشجيع روح التواصل والإبداع من خلال أنشطة وبرامج ثقافية وفنية منوّعة ومبتكرة، لتشجيع الميول الفنية بين الشباب والأطفال ومختلف المجتمعات في الدولة، والتعريف بجمالية وروعة الفنون، بوسائل وفعاليات وبرامج جذّابة ومبدعة تبرز قيم التسامح والاحترام، وتحتفي بالموروث الثقافي والفني الغني لدولة الإمارات. وقد لمسنا خلال الدورات الماضية إقبالاً متزايداً من الشباب على حضور البرامج والفعاليات الموسيقية الفنية في المهرجان، حيث حرصنا بشكل مستمر على تخصيص تذاكر مجانية لتشجيع الطلبة والشباب على الحضور والتفاعل الإيجابي مع أهم الشخصيات الثقافية والفنية العالمية المشاركة في الحدث، وتنمية الحس الإبداعي والفني في نفوسهم، ونحن اليوم سعداء بالعلاقة المجتمعية الوطيدة التي بناها مهرجان أبوظبي مع جمهور الفنون وأفراد المجتمع الإماراتي عاماً بعد آخر.
ومهرجان أبوظبي يعتبر بحق مهرجاناً جماهيرياً يستهدف جميع شرائح وفئات المجتمع، ومن أهم أهدافه نشر الوعي الفني والثقافي بين الجمهور والتعريف بجمالية الفنون، وقد بدأنا منذ انطلاق المهرجان عام 2004، في ملاحظة تزايد الإقبال والاهتمام الجماهيري بشكل كبير تجاه مختلف فعاليات وأنشطة المهرجان، الأمر الذي يدلل على زيادة الوعي العام ونضج الذوق والحس الفني لدى الجمهور.


ماذا تقولين للفنانات الموسيقيات؟ أين أنتن؟ لماذا أنتن غائبات عن المشهد؟
نحن كشعوب عربية نمتلك كنزاً ضخماً وموروثاً كبيراً من الثقافة والفنون الموسيقية الراقية والمتنوّعة، ولكننا للأسف لم نتمكن من إيصال هذا الفن الراقي ومشاركته بالصورة المثلى والمطلوبة مع الجمهور العالمي، ومن تجاربي الشخصية يمكنني القول بكل ثقة إن فنوننا العربية ستلقى نجاحاً كبيراً في الأوساط العالمية، وأذكر هنا مشاركتنا في مهرجان بيتهوفن في وارسو عاصمة بولندا، حيث قدمنا حفل الموسيقى العربية الذي حقق نجاحاً كبيراً ولقي إقبالا واستحساناً واسعين من الجمهور الغربي، وقمنا بتكرار هذه التجربة في مهرجانات أخرى عدة وكانت النتيجة دائماً متميّزة. وهنا أقول للفنانين والفنانات العرب المبدعين إن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتقكم لنشر الفن والموسيقى العربية الراقية في المحافل الدولة من خلال تكثيف المشاركة والتفاعل مع التظاهرات الفنية حول العالم، وأشير هنا إلى أن هناك فنانات وفنانين عرباً مثل الفنانة السوبرانو هبة القواس والفنان المبدع نصير شمة لهم مشاركات عالمية متنوّعة في العديد من المهرجانات العالمية، وأتمنى أن يخطو زملاؤهم المبدعون على دربهم وعلى درب غيرهم من حاملي مشعل الفن الموسيقي العربي، لنشر الثقافة والفن العربي حول العالم.


ماهي نصيحة العمر التي تعطينها للمقبلات على العمل العام؟

تمثل الحياة العملية خطوة كبيرة ومرحلة جديدة لكل فتاة، حيث تبدأ منذ تلك اللحظة في رسم خريطة أحلامها والسعي لتحقيق مختلف أهدافها وتطلعاتها في الحياة. ونصيحتي بكل بساطة للمقبلات على العمل العام هي، التحلي أولاً بالمسؤولية والعمل الجاد، والإصرار على تحقيق النجاح والتفوّق من خلال الانفتاح على المعرفة والعمل على تطوير الذات واكتساب الخبرات. فكل شخص مؤمن بقدراته لابد أن يجد طريقه للنجاح والتميّز، وبلا شك أن مسيرة النجاح ليست بالطريق السهل أو المليء دوماً بالمفاجآت السارة، ولذلك أُذكر الجميع بتلك المقولة الجميلة "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس"، فالمثابرة في العمل هي أحد أهم مفاتيح تحقيق النجاح.

المزيد على أنا زهرة: