تواجه سارة مشكلة حقيقة مع ابنتها ذات الأعوام السبعة. لين لا تستطيع حصر تركيزها على موضوع معيّن. "لكي تنجز واجباتها المدرسيّة، تحتاج لساعات وساعات. أواجه صعوبة في جعلها تبقى على طاولتها لربع ساعة متواصلة"، تقول لنا الأم اليائسة. لكنّ صديقتنا لا تعرف أنّ حالة ابنتها مشكلة شائعة، بين الأطفال والبالغين على حد سواء. ضعف الإنتباه والتركيز عند الإنسان المعاصر، نتيجة حتميّة لتأثر أدمغتنا بوسائل التكنولوجيا الحديثة، وخصوصاً الإنترنت، وألعاب الفيديو، وحتّى... الريموت كونترول.


"في القرن التاسع عشر، كان معظم مرضى فرويد من ذوي الشخصيات الهستيريّة. أمّا الآن، فأغلب المرضى الذين نلتقيهم في عياداتنا من الذين فقدوا قدرتهم على التركيز"، يقول المعالج النفسي الفرنسي يان لورو.


فقدان حاسة الإنتباه أشبه بمرض العصر إذاً! لهذا أصبح الشغل الشاغل لعلماء النفس المتخصصين بدراسة علاقتنا بالشاشة، والإنترنت، وألعاب الفيديو. طبيب لين مثلاً، نصح والدتها أن تراقب الوقت الذي تمضيه أمام لعبتها الإلكترونيّة المفضلة. تنبّهت الأم إلى أنّ دماغ ابنتها اعتاد على إيقاع اللعبة السريعة، لهذا فقدت قدرتها على الصبر، وتمضية وقت أطول أمام صفحات الكتاب المدرسي.


دخول التكنولوجيا إلى مختلف جوانب حياتنا، وتأثيرها المباشر في تفاصيل يومياتنا، يشتتت تركيزنا باستمرار. هذه المعضلة أرّقت طوال سنوات عالم النفس الأميركي المتخصص بتأثير الإنترنت على الدماغ، نقولا كار. ويسأل كار: "هل يحوّلنا غوغل إلى أغبياء؟" للإجابة على هذا السؤال، قام عالم النفس الشهير بمراقبة تصرفاته. وبعد مدّة، اكتشف أن الوقت الذي يمضيه مع الإنترنت، كانت له آثار سلبيّة على ذهنه. "قبل سنوات، كان الغوص في قراءة كتاب أمراً سهلاً بالنسبة لي، أمّا الآن، فمن النادر أن أتمكًّن من إنهاء عمل بدأته. وجدت أنّ تركيزي يتلاشى بعد الصفحات الثلاث الأولى. عندها، أشعر برغبة في الحركة، أفقد تسلسل أفكاري، وأبحث عن شيء آخر لأفعله. أشعر أنني أجبر دماغي على

 التركيز، فبعدما كانت القراءة أمراً طبيعياً، تكاد الآن تصبح صراعاً". ويلفت كار إلى أنّ هذه الحالة شائعة جداً، بسبب تنقلنا بشكل سريع من نافذة إلى نافذة أخرى على الإنترنت، أو من قناة إلى أخرى على شاشة التلفاز. هذا التنقل العشوائي والسريع من شيء إلى آخر، يعوّد دماغنا على نمط انتباه متقطّع، ويفقده تدريجياً القدرة على مواصلة التركيز لمدّة كافية.
كما أثببت دراسة أوروبية حديثة، أنّ قدرة الفرد المعاصر على التركيز على مهمة واحدة لا تتعدى الـ12 دقيقة. هذه الدقائق، ستقطعها من دون شك، رسالة نصية قصيرة على الخليوي، أو رسالة على البريد الإلكتروني، أو موجز أخبار!
حالة لين ليست فريدة كما قلنا. فالبشرية كلها تتجه لتصبح مصابة باختلال التركيز، الذي تتشابه أعراضه مع أعراض مرض النشاط المفرط عند الأطفال. هذا على الأقل رأي عالم النفس الفرنسي فرانسوا باج. وقد قال هذا الأخير لصحيفة "لو فيغارو" الفرنسيّة، أنّ تشتت التركيز أصبح أشبه بعادة اجتماعية، ونمط حياة. "نلاحظ أن الكثير من الراشدين، يجدون صعوبة في الجلوس لفترة تزيد عن خمس دقائق، من دون أن يقاطعهم الهاتف. ومعظمهم ينسون ما الذي كانوا يقومون به قبل دقيقتين".


وينصح المتخصصون ببعض التمارين التي يمكنها مساعدتنا في حصر انتباهنا، وتطوير مهارتنا على التركيز، وسط هذا العالم الغارق بمسببات اللهو. النصيحة الأفضل هي تخصيص ربع ساعة يومية للتأمل، بعيداً عن الهاتف، والتلفاز، والإنترنت...

 

 

المزيد على أنا زهرة:

أحبِّي نفسك كما أنتِ
مرضى الفصام ضحيّة الخرافات الشعبيّة
الماء... أسئلة أجوبة
الصداع... جسدك يدقّ جرس الإنذار
الغذاء الصحي يطيل العمر