هل تعلمين أنّ فقدان الشهية المرضي أو الأنوركسيا، هو المرض النفسي الوحيد الذي يؤدي إلى الوفاة؟ هذا ما بدأت عائلة سارة تخشاه فعلاً، حين توقفت ابنة الـ 13عن تناول الطعام نهائياً. وصل وزن الفتاة إلى أربعين كيلوغراماً وصارت أشبه بهيكل عظمي متحرك. توقفت عادتها الشهرية، وصارت تصاب بحالات إغماء. بقيت سارة شهراً كاملاً في المستشفى، ومنعت عنها الزيارات العائلية. بعد علاج مكثف، استعادت سارة بعض وزنها. الإكتشاف المبكر لحالة سارة أنقذها، وها هي قد استعادت صحتها بالكامل. العلاج الأمثل للأنوركسيا يبقى العائلة، وذلك بحسب التوجيهات الأخيرة "للهيئة العليا للصحة" في فرنسا.


مضاعفات الأنوركسيا، يصعب حصرها. العلاجات النفسية، والعضوية، تحتاج إلى وقت طويل لتعيد إلى الجسم ما فقده، وقد يتطلب نجاحها سنوات. لهذا، شددت الدراسة على ضرورة اتباع علاج عائلي لهذا النوع من المرض. ولفتت الدراسة إلى أنّ 49 في المئة من المريضات اللواتي تتم معالجتهنّ في إطار العائلة، يشفين بشكل تام خلال سنة. ودعت الهيئة إلى إجراءات لدمج مريضات الأنوركسيا في برنامج عائلي، يساعد الأهل في إدراك حجم المشكلة. حتى وقت قريب، كان المعالجون يعتقدون بضروة إقصاء الأم عن العلاج، كوسيلة للضغط على المريضة. لكنّ العلاج المطلوب حديثاً، يقوم على تغيير سلوك كامل، يشمل عادات العائلة وعلاقة الأهل بالإبنة، وذلك من أجل تأمين دعم معنوي حقيقي وفعال للمريضة.


طبيب سارة، يؤكد أنّ التشخيص المبكر لحالتها، هو الذي ساعد في حصر المرض، ومنع تفاقمه. "حالما ينقص وزن المريض بمعدل أقل من 20 في المئة عن وزنه المطلوب، وحين تنقطع العادة الشهريّة، يصبح تدخل الطبيب النفسي ضرورياً"، يقول.


كثيرة هي المؤسسات الصحية الرسمية في الدول الأوروبية التي تدقّ ناقوس الخطر، بعدما أودت الأنوركسيا بحياة مراهقات، وعارضات أزياء، واللائحة تطول. في فرنسا مثلاً، بلغ عدد المصابين بالمرض أربعين ألفاً، يموت عشرون في المئة منهم، بحسب "الهيئة العليا للصحة الفرنسية".


لكنّ "حجم المشكلة في عالمنا العربي غير معروف للأسف، بسبب غياب الإحصائيات الدقيقة. وما يزيد الطين بلة، أن معظم عائلاتنا تخجل من الإقرار بالأمراض النفسية، أو عرضها على طبيب مختصّ، رغم شيوع الأنوركسيا بين المراهقات خصوصاً"، يلفت الطبيب.


يتوهم بعضنا أن مريضات الأنوركسيا، يمتنعن عن الطعام رغبةً منهنّ بالتمثّل بعارضات الأزياء. هذا وإن كان صحيحاً في الظاهر، إلا أنّه ليس السبب الوحيد. المصابة بالمرض لا تتمثل بصورة معينة تريد التوصل إليها من ناحية الرشاقة والجمال. المشكلة أنّها لا تدرك مدى الهزال الذي وصلت إليه، بل تعتقد نفسها سمينة وبشعة جداً. وكل محاولات إقناعها بالعكس مستحيلة. لهذا فالدواء والعلاج ضروريان.